حراك القدس والنخبة الفلسطينية الجديدة..راسم المدهون

الثلاثاء 15 أغسطس 2017 09:05 م / بتوقيت القدس +2GMT



لم ير الفلسطينيون ما وقع في المسجد الأقصى ومحيطه حرباً دينية، على رغم زج حكومة الاحتلال بالعامل الديني ليكون صاعقَ تفجير يفتح أمامها طريق الوصول الى يهودية الدولة، بما هي شرط ضروري لتحقيق ترانسفير جديد تتخلص به من فلسطينيي 1948.
هي حرب وطنية بالمعنى الكامل والشامل للكلمة، وهي خيار نتنياهو لاستثمار الحالة المتردية للواقعين الفلسطيني والعربي، وأيضاً للظروف والعوامل الدولية العديدة التي تجعل الاستفراد بالفلسطينيين ممكناً في هذه المرحلة، وقادراً على كسر إرادتهم، وصولاً لإرغامهم على القبول بحل إسرائيلي خالص للصراع. وعلى رغم كل عوامل الإحباط السابقة نجح الفلسطينيون وخصوصاً في القدس في التصدي للهجمة الإسرائيلية بكفاءة عالية، بسبب من سرعة استجابة القوى الشعبية للتحدي أولاً، ثم بسبب مباشر لنجاحهم في إدارة الحراك الشعبي من خلال قيادة ميدانية جمعت توليفة ايجابية ومتفاهمة للفعاليات الوطنية والدينية، التي حددت منذ البداية هدفها الواضح، المتمثل في اجبار حكومة الاحتلال على التراجع الكامل عن اجراءاتها في المسجد الأقصى ومحيطه.
أهم ما يلاحظه من تابع حدث القدس بتفاصيله كلها هو انحسار التدخلات الضارة للفصائل السياسية الفلسطينية، والتي وجدت نفسها أمام تحد لا مكان فيه سوى للإرادة الشعبية الخالصة، وقوامها الأساس قوى المجتمع المدني وفعالياته البارزة والمجموعات الشبابية، وهو كيان يتسع لتعاون ديمقراطي استبعد من حساباته منذ البداية طروحات المزايدة والقفز فوق الواقع من خلال طرح شعارات كبرى كان يمكن لها أن تضع للحراك الشعبي أهدافاً كبرى تضيع في أبعادها غير الممكنة أية إمكانية لتحقيق الهدف المحدد والواقعي للمعركة التي لا تضيرها واقعيتها، ولا يقلل من أهميتها أن تكون موجهة لإجراءات جزئية اتخذتها حكومة نتنياهو. أدرك من قادوا الحراك الشعبي ومن شاركوا فيه أن تلك الإجراءات الاحتلالية ليست هدفاً في ذاتها بقدر ما هي خطوة لتكريس واقع جديد في القدس، يستهدف خدمة الهدف الإسرائيلي الأهم في تهويد المدينة بالكامل وبتر أية علاقة دينية للفلسطينيين والعرب بها وبأماكنها الدينية ومقدساتها، من خلال فرض الوصاية على تلك المقدسات وجعلها بيد حكومة الاحتلال وسلطاتها السياسية والعسكرية وحتى الدينية العنصرية والمتطرفة.
كشف الحراك الشعبي في القدس ومن أجلها أيضاً أهمية التناغم بين حركة الشارع بما هي اطار غير رسمي وبين حركة القيادة الفلسطينية الرسمية في الفضاءين العربي والدولي، ما عزز حقيقة الوحدة الفلسطينية الراسخة والشاملة وراء هدف اسقاط اجراءات الاحتلال، فكان موقف السلطة الفلسطينية منسجماً مع المطالب الشعبية وداعماً لها مثلما وفر لمواطني القدس عوامل وأدوات المواجهة، خصوصاً في المجالات المتعلقة بالمعيشة والحياة اليومية للناس. هي تجربة كشفت أيضاً عجز سياسات الهروب الى الأمام بالدعوة الى المقاومة المسلحة في غير مكانها وزمانها، كما هي عادة البعض عند كل حدث أو منعطف خطير. فقد أوضحت تجربة المواجهة الأخيرة أنها لا تحتاج لإطلاق الصواريخ في اتجاه النقب قدر حاجتها الى اطلاق الإرادة الشعبية ودعمها وتوفير أسباب صمودها واستمرارها حتى تحقيق هدفها الواضح للعالم والمحدد في اسقاط اجراءات المحتلين الجائرة، والعودة بالحالة المقدسية الى ما كانت عليه قبل فرض تلك الإجراءات. في المعركة الشعبية المقدسية أمكن لجم التدخلات العبثية المغامرة تماماً كما السياسات والدعوات العدمية التي لا أفق أمامها سوى الرضوخ والاستسلام. بل لا نبالغ إذ نقول إن أيام الحراك الشعبي ومعاركه فتحت أفقاً واقعياً لتبلور نخبة سياسية ذات طابع كفاحي أبرز ملامحها انتماؤها للمجتمع الفلسطيني بعيداً من هيمنة الفصائل السياسية، وإن لم يمنع ذلك مشاركة فاعلة ونشطة لكل العناصر المجتمعية بمن فيهم أبناء تلك الفصائل وأعضاؤها.