مستشفى بيت جالا: قصة نجاح و..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 15 أغسطس 2017 09:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
مستشفى بيت جالا: قصة نجاح و..مهند عبد الحميد



مها بهنان، زياد نصار، هيا الخشن، فدائيتان وفدائي، ينطبق عليهم هذا المصطلح الجميل في الزمن الجميل، بكل ما يعنيه من عطاء وتفانٍ بلا حدود في مهماتهم الصعبة المكرسة في علاج أبناء من هذا الوطن المنكوب بكل أنواع الانتهاكات والغطرسة والظلم. ثلاثة فدائيين في قسم العلاج الكيماوي في مستشفى بيت جالا، يتسابقون على إعطاء الجرعات والابتسامة والوداعة لا تفارق محياهم، هؤلاء يقدمون أعنف أنواع العلاج الذي يهاجم كل خلايا الجسم، وهو في طريقه لقتل بضعة خلايا سرطانية نائمة، أوخلايا تحاول التحصن في أماكن، ولتحقيق الهدف وهو إحباط معاودة هجومها الغادر لاحقاً. 
سر نجاح وإعجاب الكل بهذه الكوكبة الرائعة في قاعة العلاج بالكيماوي، يعود إلى انتمائهم لمنظومة قيم إنسانية رفيعة لا تفرق في تقديم العلاج بين ذكر وأنثى، ولا بين ديانة وأخرى، ولا بين شخصيات مهمة وأخرى بسيطة. إنها أخلاقيات المهنة التي يقع الإنسان في مركزها، والتي تخفف من وطء شرور الكيماوي عند المصابات والمصابين، فيلاحظ  المرء بمرور الوقت – وبعد 6 جرعات- تلقتها مها التميمي شريكة حياتي - تغيرات في سلوكهم وكأنهم يردون على معاملة الفريق المعالج الدافئة واحتضانهم لهم، بسلوكيات وتعامل من نفس الطراز، سواء في التعبير عن إعجابهم وامتنانهم للفريق أو في التعامل الحميمي مع بعضهم البعض، وفي سرد ما يختمر في نفوسهم من هموم وعذابات وقلق وقسوة المجتمع. لقد جرى إرساء قواعد ثقة وحب لعلاقة متبادلة ونموذجية بين المتعالجين والمعالجين. تزود الأولين بإرادة مقاومة المرض اللعين وبالثقة في قدرتهم على هزمه بالنقاط وتحقيق الفوز عليه في نهاية المشوار.
 وفي الجهة الأخرى، فإن تلك القواعد تعزز مهارة  المعالجين في إعداد وتقديم العلاج أكثر فأكثر، وفي الشعور بالإنجاز. أجاب الفريق على استفساراتي أثناء دردشات خاطفة وهم يؤدون مهماتهم، إجابة واحدة - في المضمون مع تباين في الكلمات- يكفينا حب الناس، وهو رأسمالنا الكبير في مهمتنا الحساسة، فأينما نذهب نلتقي مع مرضى معافين ومع أقربائهم وأصدقائهم، الذين تحولوا إلى أصدقاء لنا يعبرون عن أحاسيسهم المتدفقة بالحب، فنقول لهم: هذا واجبنا، ولا شكر على واجب. إنها سيكولوجية الإنجاز التي ترفع المنجزين إلى درجة عليا من سلّم النجاح،  وتزودهم بميزة التفوق المعنوي. 
حكاية الكيماوي لم تنته بعد، وإن رغب المرء في الوقوف مطولاً عند قصص نجاح، في بلد تنتشر فيه قصص إخفاق أكثر. لكن النجاح ومنظومة قيمه والذين يصنعونه، يبقون مصدر إلهام، بوصفهم يشعلون النور ويبددون الظلام برغم حضورهم كأقلية في المشهد الذي يتصدره غيرهم. نعم مخلصون كثيرون، فدائيات وفدائيون أمثال مها وزياد وهيا موجودون كأقلية دون أضواء،  لكنهم يقدّمون قوة مثال ملهمة. إنهم حالات منعزلة لا يربطها رابط مع بعضها البعض – نقابة أو مؤسسة أو تنظيم- لنقل وتبادل الخبرات وللتحول إلى قوة دفع في الجهاز الصحي العام والخاص.
 دعونا ننتقل إلى مشكلة خطيرة يتم التعرف عليها عبر الأحاديث والهمس بين المصابين والمصابات بالسرطان تحديداً. وإذا كانت مقاومة المريضة لمرض السرطان تشكل عنصراً أساساً في هزم المرض، فإن مقاومة العائلة والمجتمع للمرض لا تقل أهمية عن مقاومة المريضة. وعندما نكون بصدد رؤية المقاومة الخارجية سنصدم كثيراً. فثمة إنكار للمرض لدى نسبة غير بسيطة – وتحديداً، عدم الاعتراف بالمرض إذا كانت المصابة امرأة أو شابة. فالمرض لا يسمى باسمه «سرطان» ويطلق عليه «هذاك أو هظاك المرض». ويترتب على عدم الاعتراف بالمرض، عدم أو ضعف التعامل مع تبعاته. كالانتظام بالعلاج وتطبيق قرارات الطبيب في عمل الفحوص والتعامل المسؤول مع الأغراض الصعبة وخاصة – تساقط الشعر والحواجب والرموش - وعدم تجاهل احتياجات المريضة العلاجية والإنسانية والاجتماعية والعاطفية. الإنكار يعني، كأن مريضة السرطان تتعرض للعقاب على مرضها الرهيب، والعقاب إذا جاز التعبير هو عكس المطلوب من رعاية واحتضان وتضامن ودعم وحب وتشجيع.
لماذا ينكر العديد من الناس مرض أمهاتهم  وبناتهم وأخواتهم وقريباتهم بالسرطان؟ لماذا تخفي نسبة كبيرة من نساء وشابات مرضهن بالسرطان؟ هل هو الجهل بالسرطان وأعراضه وأسبابه وعلاجه؟ لا أظن أنه في عالم ثورة المعلومات والاتصال والفضائيات التي غزت العالم فضلاً عن التعليم يسمح للجهل بالمرض أن يكون سبباً على الأقل لدى فئة المتعلمين والمتعلمات التي تنوف على 90% من المجتمع الفلسطيني. هل الخوف والذعر من مرض قد يفتك بالمصابين هو السبب؟ إذا كان الخوف هو السبب فإنه بالمعنى الافتراضي يتطلب محاولة الإنقاذ، واستنفاذ المحاولات وصولاً إلى الشفاء كنهاية سعيدة. لم يبق من أسباب غير الثقافة السائدة لدى السواد الأكبر من المجتمع - العادات والتقاليد والمفاهيم والفكر الذكوري - التي تتعامل بدونية من ثقافة دونية المرأة في المجتمع الفلسطيني. وينتسب الرجال والنساء لمثل هذه الثقافة. فالمرض يهدد الأدوار التي حددها المجتمع للمرأة، وهي العطاء والبذل والتفاني. فإذا كان التمييز ضد المرأة يمارس والمرأة في ذروة العطاء، فكيف سيكون الحال بها وقد تعطلت أدوارها، أو أنها مهددة بالعطل والانتهاء. إن عدم الاعتراف بالمرض له علاقة بالارتباك الناجم عن اختلال المعادلة - أدوار النساء- المعمول بها في مجتمع ذكوري. ما عرضته لا يعني تعميم المشكلة لتشمل الجميع. لا بالطبع، فإن نسبة متزايدة من العائلات بذكورها وإناثها قد تجاوزت المشكلة. نعم، في كل سنة ترتفع نسبة المتعاملين في المجتمع الفلسطيني مع هذا المرض بشكل صحيح أو أقرب إلى الصحيح. وإن البوح والاعتراف بالمشكلة هي مقدمة تقود في الأغلب إلى تجاوز المصيبة المتربة على هكذا ثقافة بائسة. 
البند الثالث الذي وددت التوقف عنده هو النظام الصحي والإداري الحكومي، وخاصة الخلل الإداري، ولما كدت أستنفد مساحة الكتابة المخصصة للمقال، فإنني سأكتفي بقول العناوين، على أن أعود لنقاشها في مقال قادم. العناوين ستتحدث عن نظام تأمين صحي الذي يشمل كل المواطنين الذين يدفعون الاشتراك وهذا يعتبر من الإنجازات الكبيرة التي تحققت لعموم المواطنين. وعن العلاج المجاني لكل مرضى السرطان وهذا إنجاز شديد الأهمية. غير أن هذه الإنجازات وغيرها تصطدم بخلل إداري يدفع ثمنه المرضى، وبخلل في نظام النظافة الذي يشارك فيه المواطنون، وبنظام الواسطة والمحسوبية الذي يخترق القوانين والأنظمة، وكل هذه الاختلالات تشوش على الإنجازات وتسد الطريق أمام تطور النظام الصحي. 
Mohanned_t@yahoo.com