انعطافة جديدة (2): «اصبروا وصابروا ورابطوا» ..حسين حجازي

السبت 12 أغسطس 2017 10:09 ص / بتوقيت القدس +2GMT



"واصبروا وصابروا ورابطوا" هل خاطب الرئيس ابو مازن المقدسيين وكأنه يحدد عند هذا المنعطف من صراع شعبه ضد الاحتلال، الشعار الذي يؤطر المرحلة القادمة من هذا الصراع التاريخي، الذي لم يتوقف جيلاً بعد جيل وموجة وراء موجة، والحرب على هذا المحور من الزمن سجال. وان المهم والعامل الحاسم هو أننا عقدنا العزم على البقاء على ارضنا، وان الخطأ الذي حدث العام 1948 لن يتكرر ثانية، وان قدرتنا على مواصلة البقاء مهما فعلوا انما هي ضمانة النصر بالأخير، لأنها الشوكة التي تظل تستعصي على حلق إسرائيل الاحتلالية وتجرح هذا الحلق بالأخير.
ان الاستراتيجية بسيطة بقدر ما هي عميقة وواضحة وواقعية، وقال الرئيس وليس كأننا نصل الى النهاية من هنا او نبدأ من هذه النهاية، وانما كأننا في البداية ونبدأ من جديد في هذه العودة مجددا الى انفسنا، الى المربع الاول الذي انطلقنا منه كما الحية في استدارتها حول نفسها. وقد عادت من جديد الى الالتفاف حول نفسها واكتشاف قوتها الاصلية.
ويقال في الحكمة التاريخية ان الانجازات والاعمال الكبيرة انما امكن تحقيقها بفضل صبر عظيم، ويزخر القرآن الكريم بالآيات التي تحض على هذه المحورية للصبر في انجاز وتحقيق الاهداف الكبيرة، وكأنما هنا الصبر الايماني هو المعادل لعلاقة الزمن بالسياسة، في هذا الرهان الذي يشبه القبض على الجمر، انتصار العدالة التاريخية على الظلم، الضحية على الجلاد. في سيرورة هذا الصراع الذي ينتهي غالبا بتدمير الاحتلال لقواه هو بنفسه، باعتباره يحمل بذور تدميره الذاتي وفشله حتى بعد مئة عام، حتى ليقال هنا ان النصر صبر ساعة. وفي نظريات هذا النوع من الصراعات يجري الحديث عن الصبر الاستراتيجي، الذي يتحدث به الله على لسان يعقوب في قصة يوسف "صبر جميل والله المستعان".
وماذا كان يعني لينين في صياغته تكتيكه الشهير بقوله: "تأجيل العمليات الحاسمة حتى يتم انهاك العدو". ويشبه المنظر الحربي الصيني الشهير صن تزو الذي عاش قبل خمسمائة عام من الميلاد، هذا الحسم بالأمواه الغزيرة في اندفاعها بعد كُمُون عظيم لطاقتها. وهو يلاحظ كذلك ان انقضاض الصقر على فريسته ان كلمة السر تكمن في توقيته.
وربما نتحدث هنا في الإطار النظري وحيث لا حركة ثورية من دون نظرية، كما اكد على ذلك لينين. ولكن بنيامين نتنياهو وفي خطاب جماهيري أمام أنصاره من الليكود مساء يوم الأربعاء، وفي معرض اتهامه الصحافة الإسرائيلية واليسار المعارض له، بمحاولة إسقاطه من الحكم والانقلاب عليه. لم ينس ان يأخذنا نحن الفلسطينيين أعداءه الحقيقيين في معية هذا اليسار، ليقول لنا بصريح العبارة ألا نستعجل سقوطه، وانه باق في الحكم ليمنع طموحنا وهدفنا بان تكون لنا دولة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لتكون على تخوم كفار سابا، وقال ان هذا لن يحدث ابداً.
وكان هذا في الواقع مشهداً نادراً ومفاجئاً لنا كما لعامة الإسرائيليين، ان يظهر هذا الرجل في غضون اسبوع واحد وكأنه يصطف مع أسوأ وأحط سلوك وتقاليد الحكام الطغاة من ارث جمهوريات الموز، وحتى الحكام العرب الذين طالما تفاخر الحكام الاسرائيليون بالتمايز عنهم، حين قرر عبر وزيره ايوب قرة إغلاق قناة الجزيرة. وبعد ذلك تحشيد انصاره للدفاع عن تشبثه بالحكم في مواجهة اتهام الشرطة والنيابة الإسرائيلية له ولزوجته بالفساد.
وفي ولايته الأولى عام 1996 قال: كيف لي ان أتفاوض مع سلطة فاسدة؟ ويقصد بذلك السلطة الفلسطينية، قبل ان يقوم الفلسطينيون بانتفاضة النفق ويوقع مع عرفات اتفاق الخليل في واي ريفر.
وفي يوميات بن غوريون التي أعادت نشرها في مجلد ضخم مؤسسة الدراسات الفلسطينية في ثمانينات القرن الماضي، وكان بن غوريون هذا رجلا قبل اختراع التغريدات شغوفاً وربما مهووساً بتدوين كل ما يحدث حوله او يفكر به. فان الرجل لاحظ مبكراً ما اعتبره صادما بالنسبة له في حينه العام 1948، حجم التشوه الأخلاقي والفساد في اليشوف الإسرائيلي.
ولكن الكذبة الكبرى التي اقتضت هذا الملق الايديولوجي بالتماهي مع ثقافة الغرب وتفوق تقاليده الديمقراطية، هي التي سوف تبلغ ذروتها الصادمة حتى في اوساط الطبقة السياسية الاسرائيلية، كما يحدث الآن في قضية اتهام نتنياهو بالفساد والدفاع الشعبوي اليميني عن هذا الفساد.
ولكن بالنسبة لنا أليس هذه هي بداية ظهور وتفشي أعراض المرض التاريخي؟ الأعراض الخطيرة لمرض الانحلال الاستراتيجي فيما يعتبر القوة الأخلاقية لنظرة إسرائيل الى نفسها ونظرة العالم لها، وتالياً انحلال ودمار الاحتلال لذاته في هذه السيرورة التاريخية، اذا كان الاحتلال نفسه هو أُس وجرثومة الفساد والمفسدة نفسها، التي لا تصيب الشعب الرازح تحت الاحتلال بشظاياها ولكن الاحتلال نفسه. وهو المعنى الذي ذهب اليه فردريك انجلز رفيق كارل ماركس حينما لاحظ ان شعباً يستعبد او يحتل شعباً آخر ليس حراً.
هل نقول اذن الوداع لدولة الاحتلال الفاسد وهدم البيوت والاعتقالات اليومية؟. في شهر تموز الماضي وحده ثمانمائة وثمانون معتقلا. ومعها الاقتحامات الليلية التي لا تنتهي، حتى بات كل ذلك يستفز منظمات حقوق الانسان العالمية، وتتهم كما نتهم هذا الاحتلال بجرائم حرب وليس مجرد فساد شخصي لعائلة نتنياهو ونخبة سياسية حاكمة.
ولكنه فوق كل ذلك ربما يراهن على بعض اطراف الاقليم على عقد أي صفقة معهم للقفز فوق الفلسطينيين. ولكن كم يساوي هذا الوهم إزاء حقيقة انه مع الملك المغربي محمد السادس يستطيع الفلسطينيون سد وإغلاق محاولته اختراق إفريقيا؟ وإزاء الحقيقة والواقع انه ردا على استفزازاته التي لم تعد تطاق، يقرر الملك الأردني عبد الله الثاني المجيء بنفسه الى رام الله لإظهار هذا الدعم والمساندة،إزاء محاولة الرجل التفكير بمحاصرة الرئيس الفلسطيني.
او ربما مواصلة الرهان على استمرار تفجر الانقسام والخلاف بين فتح وحماس. ولكن سوف يجيء يوم تأخذنا فيه دروبنا على طريقتها ومن تلقاء ذاتها الى الوحدة والوطن، كما يقول الشاعر العراقي مظفر النواب وينتهي هذا الغبار.