انعطافة جديدة...حسين حجازي

السبت 05 أغسطس 2017 10:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لا مفاوضات منذ زمن تجري بيننا وبين الاحتلال، ولا اتصالات أو تنسيق أمنياً ظلت حماس والفصائل الأخرى تدينه وتطالب بتوقيفه بعد أن أوقفه الرئيس. ومنذ قمة الرياض البائسة وزيارة دونالد ترامب بعدها الى إسرائيل وفلسطين انطفأ كل شيء، وما عاد لدينا أي أمل او وهم حول الرجل، وبدا أنه لم يعد ثمة افق سياسي ينتظر أو يرجى مع بنيامين نتنياهو وحكومته.

وربط عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الأخ احمد مجدلاني بوضوح العلاقة مع إسرائيل باقتناع الفلسطينيين بأن هذه العلاقات تنطوي على افق سياسي جدي يكسر الانسداد القائم، أما استمرار بقاء الوضع الراهن على حاله فلم يعد ممكناً قبوله من وجهة نظر الفلسطينيين شعباً وقيادة. ويخلق الله الناس ويخلق أعمالهم معهم، ولكن الله يترك لهم الاختيار في تقديرهم الصواب والخطأ في هذه الأعمال ويحاسبهم عليها، ولقد كانت هذه هي الأزمة التي طالما عبر عنها سؤال لينين في الكتاب الذي عنونه بهذا السؤال: «ما العمل؟» وهي ذات الأزمات التي تطرح وتمتحن جدارة القيادة، إذا كان على القادة دوما أن يجيبوا على السؤال بصورة يتفوقون فيها على الآخرين. وإذا كان المحك في تحديد وقياس دور القادة هو في قدرتهم على تقديم الحلول لهذه الأزمات، الحلول التي لا تنطوي على النجاح التام أو المطلق، وإنما تحاشي حدوث الفشل. إلا يفشلوا في التجربة، وهو ما يعادل الذكاء القيادي «لئلا تفشلوا في التجربة» قال السيد المسيح.

ولقد عرف الشعب طريقه يوم الرابع عشر من تموز في معركة القدس، وسوف يمضون من هنا وقد اختبروا قوتهم على ذات الطريق، ولن يتراجعوا بعد ان اكتشفوا سلاحاً جديداً بعد الحجارة عام 1987 الصلاة. وان هذا التنوع الغني في دلالته عبر التاريخ من البندقية إلى الحجارة إلى الصلاة، فهو الذي يعطي الانطباع حول فرادة هذه الحركة التحريرية الفلسطينية، آخر حركات نزع الاستعمار والاحتلال القائم في التاريخ، وتفوقها على هذه الحركات السالفة. كأنما هذا التنوع الخلاق يعكس تنوع الجغرافيا الفلسطينية، وإذا شئنا عظمة هذا الإيقاع المنظم الذي يحاكي الفصول الأربعة نفسها في تراتبها، ووضوح انتقالها وتحولاتها كما هو أجلى وأوضح من أي مكان آخر. ولقد كان هذا نصرا في زمان آخر للبندقية، وكان نصراً للحجارة في الانتفاضة الأولى، وكلاهما أخذانا الى مكان آخر ومتقدم وأدى ذلك الى عدم الفشل، وان لم يؤد الى إتمام العمل. واليوم فان الصلاة كما شهدنا وقعها وتأثيرها الذي تجاوز حدود القدس وفلسطين، هي التي تأخذنا الى مكان آخر، وهذه نقطة الانعطاف الكبيرة التي نقف عندها، وتطرح على القيادات الفلسطينية من جديد السؤال، ما العمل؟ لكيما تجرؤ حركة التحرر الفلسطينية من تحقيق الانتصار الكبير والناجز. بعد أن استطاعت وثبت ذلك التدرج في الانتقال والتحول من مرحلة إلى أخرى، من وضع الى آخر، في هذه القدرة على الطفو والبقاء وتحاشي الفشل في كل مرة، مبددة رهان ووهم الأعداء.

واليوم يبدو هذا أوضح ما يكون اذا كان بمقدور الرئيس أبو مازن ان يوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، «ويحلق» في الوقت نفسه لمبعوثي ترامب ويعتذر عن مقابلتهم. واستمعنا في هذا السياق مؤخراً إلى أقوال على لسان السيدة تسيبي لصحيفة فرنسية، أن دولة فلسطينية لن تقام أبدا لأن الفلسطينيين اهدروا هذه الفرصة في السابق عدة مرات. وأقوال على لسان السيد كوشنير صهر الرئيس ترامب ومبعوثه إلى عملية السلام، في شهادته امام الكونغرس انه ربما لن يكون هناك حل لهذا النزاع، مثلما كان عليه الحال خلال الخمسين عاما الماضية.

ولكن الرئيس ترامب أكد لي ان اركز على هذا الملف وهو التأكيد الوحيد الذي يشير مع ذلك إلى قدر من العقلانية والحكمة، يمكن ان نراها باقية في موقف الرئيس الأميركي المثير دوماً للجدل. أما قول تسيبي ليفني فقد استمعنا إليه قبل الآن على لسان الرئيس الأميركي بيل كلينتون، حينما وضع رأسه في رأس ياسر عرفات في المشهد الأخير من مفاوضات كامب ديفيد، الذي روى تفاصيله دينس روس، وهدد كلينتون عرفات بأن لا تقوم قائمة للفلسطينيين بعد أن قال عرفات لا للمقترحات التي طرحها رئيس أميركا. ويفوت اليوم السيدة تسيبي وكوشنير والكونغرس الأميركي الذي يحاول الضغط علينا الآن، باتهام الأسرى بالإرهاب وقطع المساعدات المالية الأميركية عن السلطة، أنه إذا لم تكن الدولة الفلسطينية والانضباط لقواعد اللعبة التي هي الشرعية الدولية، فانه لا سلام وأمن لإسرائيل.

وعلى ذلك فان حل الدولتين هو مصلحة متبادلة لإسرائيل وفلسطين معا، أي ان المعادلة هنا إما رابح ورابح او خاسر وخاسر. فهل دقت الساعة أخيراً في هذا الأفق السياسي المسدود إيذاناً بسقوط ورحيل الممثل الأخير والأكثر شراسة في إسرائيل لنظرية خاسر وخاسر؟ وكان يوهم مجموعة أمثاله من المتطرفين انه يحقق معادلة رابح لإسرائيل وخاسر للفلسطينيين وحدهم. وتبدو نهايته الآن محاطة بعار الفساد وانعدام الاستقامة الأخلاقية الشخصية، كما لو أنها توصم تاريخه كله بهذا السواد، وهذا السلوك غير القابل للانفصام، فسيئ ومحتال لإسرائيل هو سيئ للفلسطينيين.

ولكني أرى سقوط نتنياهو انما هو تأكيد على نظرية حجارة الدومينو العالمية، سقوط وهم صعود اليمين في أوروبا وفشل تجربة دونالد ترامب في الولايات المتحدة، يطرق الآن باب إسرائيل وهذه هي المسألة. وان سقوط نتنياهو ربما يكون الآن هو المتغير الكبير لإعادة تعديل كفة التوازنات الداخلية في إسرائيل، إيذاناً بتراجع اليمين وبداية صعود اليسار بمعناه العقلانية والبراغماتية بديلا عن التطرف والجنون. ما العمل فلسطينياً إذن؟ والجواب واضح كما بدؤوا أخيراً يفضلون التراجع عن اللجنة الإدارية في غزة، الخطوة الحمساوية الى الوراء مقابل تراجع الرئيس ابو مازن عن ضغوطه الأخيرة، أي الخطوة الموازية إلى الوراء من اجل ان يتقدموا اربع خطوات إلى الأمام. ويذهبوا موحدين إلى حكومة الوحدة الوطنية، وليقولوا معاً أهلاً وسهلاً جلالة الملك عبد الله الثاني في هذا التعاضد الأردني مع فلسطين. الذي يوجه اليوم اكثر من رسالة للمقدسيين كما لإسرائيل وأطراف محددة في الإقليم، رسائل واضحة لا لبس فيها أن الأردن وفلسطين هما من يقرران.