الأمن المائي الإقليمي: تحديات وفرص في الشرق الأوسط

الأربعاء 26 يوليو 2017 02:03 م / بتوقيت القدس +2GMT
الأمن المائي الإقليمي: تحديات وفرص في الشرق الأوسط



ترجمة : بتول اسماعيل مهره

لقد أصبح توافر المياه مساله خطيره في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا (MENA) بسبب الانفجار السكاني و تغير المناخ والجفاف و التصحر وندره هطول الامطار. ووفقا لبيانات البنك الدولي، فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أقل حصة من الموارد المائية للفرد في العالم. ولا تستطيع معظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تلبية احتياجاتها من المياه بشكل دائم. ومع تزايد عدد السكان وزيادة الطلب ، فمن المتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من المياه الى النصف في المنطقة بحلول عام 2050.

وتشير توقعات تغير المناخ إلى أن الشرق الأوسط سيصبح أكثر سخونة وأكثر جفافا، مما يزيد من الضغط على مصادر المياه المعتمدة على المناخ. ومن غير المرجح أن تفي مصادر المياه السطحية، بما في ذلك الأنهار والبحيرات والسدود بالطلب على المياه. إن مصادر المياه الجوفية قد تم استنفاذها بالفعل، ويمكن استنفاذها إلى حد كبير بحلول عام 2030. والجزء الأكبر من الشرق الأوسط قاحل بالفعل ، ومع انخفاض كمية الأمطار بسبب تغير المناخ، من المرجح أن تنخفض رطوبة التربة مما يؤثر سلبا على الزراعة. ويعتمد ما يقرب من ثلثي الزراعة في المنطقة على الأمطار ، مما يجعلها عرضه لأي انخفاض آخر في هطول الامطار.

إن الشرق الأوسط منطقة تعاني من الصراعات، ويشكل انعدام الأمن المائي تهديدا متزايدا للمنطقة القاحلة. وتؤدي زيادة الطلب على الموارد الطبيعية التي هي محدودة ومتنازع عليها من المياه العذبة إلى تفاقم التوترات داخل المجتمعات المحلية وفي بلدانها وفيما بينها.

وعلى الرغم من أن معظم بلدان المنطقة تعاني من اختلال التوازن بين العرض والطلب في قطاع المياه، إلا أنها أخفقت في الوصول إلى إدارة تعاونية فعالة للمياه. وتتطلب معالجة استدامة المياه موارد وخطة ونهجا متكاملا. وهناك بالفعل الكثير الذي يمكن أن تتعلمه بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من خبرات بعضها البعض ومن جهود الحكومات في أماكن أخرى من العالم

ولكن مثلما يمكن ان يؤدي الصراع علي المياه إلى تأجيج عدم الاستقرار ، فان الادارة السليمة للمياه والتعاون الإقليمي بشان قضايا المياه يمكن ان يعززا الانسجام

إن أهمية الجهود الإقليمية لإدماج قضايا المياه في السياسات الوطنية والدولية أمر لا غنى عنه لأنه سيساعد في إيجاد الآليات اللازمة للحد من الأزمات المحتملة الناجمة عن نقص المياه.

وقد نظم معهد السياسة والاستراتيجية ، IDC Herzliya ، بالتعاون مع EcoPeace  ومؤسسة Konrad Adenauer ، "مائدة مستديرة" لاستكشاف مدى وطبيعة مشاكل الأمن المائي في الشرق الأوسط.

المائدة المستديرة - الأمن المائي الإقليمي : التحديات والفرص في الشرق الأوسط

الرئيس: البروفيسور شاؤول مشعل ، رئيس دراسات الشرق الأوسط، مدرسة لودر الحكومية والدبلوماسية والاستراتيجية ، IDC Herzliya.

الملاحظات الافتتاحية: الدكتور مايكل بورشار ، رئيس مكتب كونراد-اديناور ستيفتنغ في إسرائيل.

المحامي غيدون برومبيرغ ، المدير الإسرائيلي لمنطقه الشرق الأوسط

الدكتور عوديد عيران ، باحث أول في معهد دراسات الأمن القومي

سعد أبو حمور ، الأمين العام لسلطة وادي الأردن ، المملكة الأردنية الهاشمية.

السيدة ندى مجدلاني ، المديرة الفلسطينية بالنيابة ، إكوبيس.

سعادة الدكتور كليمنس فون غويتزي ، سفير ألمانيا لدى إسرائيل.

الدكتور شاؤول شاي ، مدير البحوث ، معهد السياسات والاستراتيجيات ، IDC Herzliya ؛ النائب السابق لرئيس مجلس الأمن القومي.

لورينز بيترسون ، مديرة قسم تغير المناخ، شعبة التنمية الريفية والبنية التحتية، جيز - الجمعية الألمانية للتعاون الدولي.

السيد ريان بولز ، موظف بيئي إقليمي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط ، سفارة الولايات المتحدة ، عمان ، الأردن.

ما هو "الأمن المائي" ؟

لقد اجتذب مفهوم الأمن المائي اهتماما متزايدا في السنوات القليلة الماضية. ويمكن العثور على تعريفات متعددة في كل من السياسات والأدب الأكاديمي، مما يحفز النقاش حول مختلف النهج وأطر الأمن المائي. تميل هذه التعريفات عموما إلى تسليط الضوء على قضايا الوصول والكمية ولكنها توسعت مؤخرا لتشمل نوعية المياه وصحة الإنسان والمصالح البيئية. وقد قدمت منظمة الأمم المتحدة للمياه بتعريف شامل يشمل أبعادا متعددة تتراوح بين قضايا ندرة المياه وتغير المناخ وبين الحكم الرشيد والتعاون عبر الحدود. وبناء علي ذلك ، يعرف الأمن المائي بأنه "قدره السكان علي ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافيه من المياه الجيدة المقبولة للحفاظ علي سبل العيش و رفاهية الإنسان ، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية ، ومن أجل ضمان الحماية من التلوث الذي تنقله المياه ، وللمحافظة علي النظم الايكولوجية "علم البيئة" في مناخ من السلم والاستقرار السياسي" (1).

ويسلط هذا التعريف الضوء علي الأهمية المحورية لأمن المياه في تحقيق إحساس أكبر بالأمن البشري والاستدامة الايكولوجية

لماذا يعتبر مفهوم "الأمن المائي" مفهوما ذا صلة أو متعلقا بالشرق الأوسط ؟

يتفق عدد متزايد من الخبراء اليوم على وجود علاقة بين انعدام الأمن المائي وعدم الاستقرار السياسي (2). كما أن تغير المناخ يزيد من تفاقم انعدام الأمن المائي، وبالتالي يمكن أن يكون له أثر مضاعف على عدم الاستقرار السياسي. وهناك منطقة ذات أهمية حقيقية وذات أهمية خاصة هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المنطقة الأكثر ندرة في المياه في العالم.

وليس من الغريب أن ينظر إلى قضايا المياه عادة في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كمسألة تتعلق بالأمن القومي. وتستضيف المنطقة 5٪ من سكان العالم، ولكنها لا تملك سوى أقل من 1٪ من إمدادات المياه المتجددة في العالم (3)، حيث يتجاوز الطلب الكلي على المياه إمدادات المياه المتاحة بشكل طبيعي بنسبة 20٪ تقريبا (4). بالإضافة إلى ذلك، تسجل المنطقة معدلات خصوبة عالية وتعاني من عدم كفاءة استخدام المياه وسوء الإدارة والهياكل الأساسية والشبكات المائية القديمة ، والافتقار إلى الأطر القانونية والسياسية والاقتصادية لأداره موارد المياه العابرة للحدود والتلوث. وقد أدى تغير المناخ بالفعل إلى زيادة الضغط على الموارد المائية الطبيعية الموجودة في المنطقة. وكما هو مبين في ورقة سياسة الاتحاد الأوروبي (5)، فإن "تغير المناخ ينظر اليه كأكثر مضاعف للتهديد الذي يؤدي إلى تفاقم الاتجاهات والتوترات وعدم الاستقرار القائمة، وهذا صحيح بشكل خاص عند النظر إلى منطقة غير مستقرة ومعرضة بالفعل للنزاع والصراع مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وتؤكد ورقة الاتحاد الأوروبي أيضا على أن الآثار "لا تؤثر على الجانب الانساني فحسب بل تشمل أيضا مخاطر سياسية وأمنية تؤثر مباشرة على المصالح الأوروبية"، مما يعني بأن الاستجابة لتغير المناخ ينبغي أن تكون متعددة الأطراف ومتعددة القطاعات.

ويدعي تقرير صدر مؤخرا عن منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) (6) أن التنافس على الموارد أسهم في زيادة التوترات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ويضيف أن هذا المزيج من الحروب وسوء الادارة والديموغرافيا وتغير المناخ يجعل الوضع أسوأ. وفي حين لا يعترف هذا التقرير بحتمية "نبوءات حروب المياه" التي انتشرت على نطاق واسع في الأدبيات السابقة، فإن هذا التقرير يقر بأن القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية تسهم في إثارة الصراعات وإذكاء الصراعات على حد سواء، على الرغم من أن الأسباب التقليدية تظل المحفزات الرئيسية.

وهناك أدله متزايدة علي ان أحد المحفزات الهامه وراء السخط الاجتماعي الذي ادي إلى الانتفاضات المعروفة باسم "الربيع العربي" في سوريا ومصر واليمن ، كانت تتعلق بنسب متفاوتة بنقص المياه وفشل الحكم في الاستجابة لأزمات المياه. وقد ادي عدم الاستجابة الكافية من جانب الحكومة السورية للجفاف الذي طال أمده والذي أصاب المنطقة ، فضلا عن سنوات من السياسات الوطنية التي اخطأت في الادارة إلى حدوث أزمه مائية هائلة ، مع ما ترتب علي ذلك من تداعيات علي إنتاجيه الأراضي الزراعية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

هل يمكن لمفهوم الأمن المائي أن يعزز الاستقرار في الشرق الأوسط - اعتبارات لصانعي السياسات الإسرائيليين ؟

تقع إسرائيل في قلب الشام ، وتتقاسم الحدود والموارد المائية مع لبنان وسوريا والأردن ومصر وبالطبع مع الأراضي الفلسطينية. وقد استثمرت إسرائيل علي مدي عقود كثيره في عمل بحوث وتطوير تقنيات المياه الجديدة ، وهي اليوم واحده من الدول الرائدة في العالم في مجال تحلية مياه البحر ومعالجة المياه العادمة واعادة استخدامها في التقنيات الزراعية المتطورة التي تسمح باستهلاك المياه. ويعود الفضل الكبير في هذه التطورات التكنولوجية إلى أن إسرائيل قد راكمت فائضا استثنائيا من المياه لتلبية الاحتياجات المحلية ، مما أدى إلى تحولها من بلد شحيح إلى "قوة اقليمية مائية عظمى".

 ويجري التعاون الثنائي بشان المياه بشكل قوي بين إسرائيل والأردن ، مما يعكس برنامجا مشتركا للأمن المائي ، ومن المقرر ان يتوسع في المستقبل القريب. وقد صرحت كل من إسرائيل والأردن علنا أن تعاونهما في مجال المياه قضية أمن وطني لكلا البلدين. ان أمن المياه ضروري للاستقرار الوطني في الأردن واستقرار الأردن يعد أمرا حاسما للأمن القومي في إسرائيل. وتفيد التقارير بان إسرائيل زادت إمداداتها المائية إلى الأردن بما يتجاوز الاحتياجات المباشرة لسكان الأردن ، ولكن هذا يصب أيضا في مصلحة اللاجئين السوريين في الأردن ، علما بان إمداد اللاجئين بالمياه أمر بالغ الأهمية من أجل الاستقرار الداخلي في الأردن. وقد وافقت إسرائيل، في اتفاقية مبادلة المياه لعام 2013، على بيع كمية كبيرة جدا من المياه من بحيرة طبريا إلى الأردن، والتي تبلغ 50 مليون متر مكعب سنويا، فيما يعتبر في إسرائيل معدلا مخفضا. ويعكس بيع المياه بأسعار مخفضة لجارتها تفهما بأن سعر المياه ليس مجرد التكلفة الحدية لإنتاجها، بل يمكن أن يقترن بعائد الاستقرار السياسي.

وعلى سبيل المقارنة، فقد وافقت إسرائيل في نفس اتفاق عام 2013 على بيع 20-30 مليون متر مكعب إضافيا من المياه إلى السلطة الفلسطينية، دون أي خصم ولكن بتكلفة إنتاج المياه المحلاة بالكامل. و بخلاف الأردن ، فقد فشلت إسرائيل والسلطة الفلسطينية في وضع برنامج تبادل منفعة للأمن المائي. ويتم إدارة المياه بطريقة تنافسية، متجاهلة التغيرات في التكنولوجيا أو التقنيات التي جعلت المياه أبعد ما تكون عن لعبة جميع نتائجها صفر. وقد أوضح تقرير صدر مؤخرا فيما يتعلق بقضايا المياه عن مكتب مراقب دولة اسرائيل إلى أنه في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ، فإن إسرائيل فشلت في تطوير أي سياسة واضحة ، ولم يشر التقرير إلى تقييم استراتيجي لمصالحها الخاصة ناهيك عن تولي القيادة في قضية تلوث المياه العابرة للحدود، والدور الذي يمكن أن تؤديه في النهوض بمصالح الأمن القومي.

وقد أظهر إغلاق محطة تحلية عسقلان في إسرائيل لعدة أيام في عام 2016، بسبب الصرف الصحي من غزة، التهديد المحتمل للأمن المائي في إسرائيل بسبب عدم اتباع سياسات محددة للتعامل مع التلوث العابر للحدود. إلا أن البيانات التي أدلى بها وزير المياه والطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينيتز عام 2017 تكشف عن ادراك متزايد في إسرائيل لضرورة إعادة تقييم سياسات المياه ، حيث أعلن الوزير أنه سيتم إعداد خطة رئيسية للمياه في الضفة الغربية. غير أن هذه الخطة الأحادية الجانب تركز فقط على إمدادات المياه، ولكنها لا ترقى الى الحاجة إلى وضع استراتيجية شاملة للأمن المائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.

أما عن الأردن والأراضي الفلسطينية يبدو أن إسرائيل ليست لديها أي استراتيجية للنظر في القضايا المتعلقة بالأمن المائي، وكيف أن انعدام الأمن المائي في منطقة الشام ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد يكون له تأثير يؤدي الى زعزعة استقرار المصالح الأمنية الإسرائيلية والإقليمية والأوسع نطاقا. وأخيرا ان انعدام الأمن المائي في مصر ولبنان والعراق ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على نطاق أوسع يجب أن يشكل مصدر قلق للجميع ، بما في ذلك المجتمع الدولي. هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم أفضل إذا كان مفهوم الأمن المائي الشامل يمكن أن يكون مفيدا في تعزيز السلام والاستقرار والتعاون في جميع أنحاء المنطقة.

مراجع

1 UN-Water Analytical Brief on Water Security and the Global Water Agenda, 2013

 2 EU, NATO, OSCE

 3 NATO, 2017

 4 The World Bank, The Grain Chain: Food Security and Managing Wheat Imports in Arab Countries

 5 Climate Change and International Security Paper from the High Representative and the European Commission to the European Council, March 2008

6 Askin, O., Food and Water Security in the Middle East and North Africa, NATO Parliamentary Assembly – Science and Technology Committee, March 2017

 7 Odeinheimer, N., “Israel, a regional water superpower”, The Jerusalem Post, March 2017