جرائم الاتجار بالبشر ..عبد الغني سلامة

الأربعاء 26 يوليو 2017 11:24 ص / بتوقيت القدس +2GMT
جرائم الاتجار بالبشر ..عبد الغني سلامة



الاتجار بالبشر مشكلة عالمية خطيرة، لم يسلم منها أي بلد، وقد صدرت عشرات التقارير الدولية المروّعة التي تناولت حالات اختطاف نساء وأطفال.. مثلاً، حسب تقرير "منظمة العمل الدولية" فإن أكثر من 12 مليون شخص يقعون ضحايا للسُخرة والعبودية سنوياً. 
فقط داخل الولايات المتحدة هنالك نحو 20 ألف شخص يتم الاتجار بهم سنوياً. وقدرت "المنظمـــــــــــــة الدولية للهجرة" عدد النساء اللواتي يقعن ضحايا تجارة الدعارة بـنصف مليون امرأة سنوياً. 
أما تجارة الأطفال، فقد قدرت "اليونيسيف" عدد الأطفال الضحايا بحوالى مليون ومائتي ألف طفل وطفلة يتم الاتجار بهم سنوياً عبر الحدود الدولية. 
الاتجار بالبشر (Human Trafficking)، أو العبودية الحديثة، تحقير لكرامة الإنسان، واعتداء على حريته، وسلب أبسط حقوقه، وهي من أخطر الجرائم المعاصرة التي تمس أمن المجتمعات والدول، وتضرب القيم والمبادئ الإنسانية. 
وحسب التعريف القانوني؛ هي تجنيد أشخاص أو نقلهم بالتهديد والقوة، أو الاختطاف أو الاحتيال والخداع، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة والاستغلال الجنسي، أو السخرة والعمل القسري، أو الاسترقاق أو التسوّل، أو المتاجرة بأعضائهم البشرية.. ويشمل أيضا استغلال العمال المهاجرين، والاسترقاق المنزلي القسري، وتشغيل الأطفال، أو تجنيدهم. 
وأكثر أشكال الاتجار بالبشر شيوعاً الاستغلال الجنسي (79%)، تليه أعمال السُخرة (18%)، والعبودية المنـزلية والزواج القسري؛ ونـزع الأعضاء؛ واستغلال الأطفال في التسوّل والتجارة الجنسية.. وفي كتابه "جرائم الاتجار بالبشر"، تحدث أكرم المشهداني عن ظاهرة اختطاف الأطفال والمشردين والمجانين من قبل عصابات دولية، بهدف نزع أعضائهم المطلوبة ثم قتلهم، وبيع تلك الأعضاء بمبالغ كبيرة، وأيضاً سرقة جثث المحكوم عليهم بالإعدام التي لا يوجد من يتسلّمها، أو سرقة الجثث بعد دفنها.
كما تقوم شبكات الجرائم المنظمة بالإيقاع بالأطفال عن طريق الاتصال بهم عبر الإنترنت، وإغوائهم بهدف توريطهم في سلوكيات جنسية، أو استخدام التقنيات الحديثة لإنتاج ودبلجة وتوزيع صور إباحية للأطفال.. الخبيرة السويدية المتخصصة في الاتجار بالبشر "غونيلا اكبيرج" أكدت وجود مواقع إلكترونية تتاجر بالنساء، وأن هناك رجالاً من مختلف دول العالم يتناقشون في غرف الدردشة حول مواصفات المرأة التي يريدون شراءها.
وحسب دراسة للباحثة ليلى الجنابـي، يأتي الاتجار بالبشر في المرتبة الثالثة في التجارة العالمية غير المشروعة، بعد تجارة السلاح، والمخدرات‏. 
ووفقاً لتقرير "مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة" فإن حجم اقتصاد هذه التجارة يبلغ 32 مليار دولار سنوياً، منها 15.5 مليار سنويا في الدول الصناعية. 
وحسب تقديرات "منظمة العمل الدولية" فإن العمالة القسرية تدر سنوياً حوالى 150 مليار دولار من الأرباح غير المشروعة. 
وهناك فرق بين الاتجار ‏بالبشر، وبين عمليات تهريب ‏البشر التي زادت مؤخرا بمعدلات خطيرة، ومع أن كلا ‏العمليتين مخالفتان للقوانين الدولية، وتعد جرائم توجب العقوبة؛‏ فجريمة التهريب تتطلب ‏موافقة ذوي العلاقة على العملية، ‏بل ودفعهم أموالاً ثمنا لتسهيل ‏واكتمال العملية، بقصد إيصالهم ‏إلى ‏دولة أخرى، ‏في حين لا يتطلب ‏الاتجار بالبشر موافقة ذوي ‏العلاقة، ولا دفعهم أموالاً لاكتمال ‏العملية التي تتم قسراً ودون ‏رغبتهم ورغماً عنهم..
وغالبا تحتاج عمليات الاتجار بالبشر تورط وتواطؤ مسؤولين فاسدين في الحكومات والشرطة وحرس الحدود، ومسؤولي التأشيرات، وسماسرة الزواج والتخديم بالمنازل، وأطباء، ومحامين، ومهربين. 
وعادة فإن المناطق التي تشهد صراعات عنيفة أو حروباً أهلية، أو ينعدم فيها الأمن والقانون، أو يستشري فيها الفساد.. تكون مصدراً لضحايا عصابات الاتجار بالبشر، وتكون الدول الغنية والصناعية مسرحاً لمزاولة الاستغلال الجنسي أو العمل القسري. 
وقد تنبه المجتمع الدولي لخطورة الظاهرة الإجرامية، وأخذت الدول تسعى لمحاصرتها، ومعاقبة مرتكبيها؛ وتم إبرام العديد من المعاهدات والمواثيق الدولية لمكافحة الظاهرة، وتركز الأمم المتحدة جهودها لإصدار التشريعات وتبني البرامج الناجعة لمواجهة هذه الجرائم، من خلال أجهزتها ووكالاتها المتخصصة مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومفوضـية حقـوق الإنـسان، ومفوضـية شؤون اللاجـئين، واليونيسيف، وهيئة الأمم المتحدة للمرأة. 
وحتى الآن، وقّعت 140 دولة على بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر. وبالإضافة إلى ذلك، أنشأ معظم البلدان وحدات للشرطة خاصة بمكافحة الاتجار بالبشر. 
كما تم اختيار يوم ٣٠ تموز من كل عام اليوم العالمي لمناهضة الاتجار بالبشر.  
في منطقة الشرق الأوسط، هناك تقارير دولية تتحدث عن شبكات منظمة في سورية والأردن ولبنان تستغل اللاجئات السوريات والعراقيات وتتاجر بهن.. ومن حالات الاتجار بالبشر الأكثر إثارة للاشمئزاز، قصة فتاة من شمال لبنان أُجبرت على الزواج في سن الخامسة عشرة، ثم أُحضرت إلى بيروت لإرغامها على ممارسة الدعارة، والإنجاب بهدف بيع أطفالها، وكانت الفتاة الضحية قد بلغت 24 عاماً من عمرها، عندما أنجبت طفلها العاشر الذي بيع كما أطفالها الآخرين. 
ومن أفظع الشواهد الحديثة لجرائم الاتجار بالبشر، ما فعلته داعش في سـنجار 2014، حين اختطفـت آلاف النسـاء والفتيـات الإيزيـديات، وساقتهن إلى المناطق التي تسيطر عليها، ليتم بـيعهن في أسواق النخاسة باعتبـارهن "غنـائم حـرب". 
وهؤلاء النسوة ما زلن يتعرضن للاضطهاد والاستعباد الجنسي والسجن في البيوت. كما مارست داعش هذه الجرائم في إطار هجومها المنهجـي ضـد السـكان فـي محافظات الموصل والأنبار وحلب والرقّة والحسكة وديـر الـزور، بـدءا من 2013 وحتى الآن. 
وفي تقرير نشرته "فلسطين اليوم"، اعتمد على دراسة أعدها مركز المعلومات والأبحاث في "الكنيست" حول معالجة الشرطة الإسرائيلية للاتجار بالبشر، جاء فيه أن إسرائيل من أكثر دول العالم المتورطة في المتاجرة بالبشر، لأغراض العمالة الرخيصة، والخدمات الجنسية (التعبير الملطف للدعارة).
وتقدر المنظمات الحقوقية عدد العاملين بتجارة الدعارة في إسرائيل بنحو 20 ألفاً.
وفي مؤتمر لمؤسسة "سوا" عُقد برام الله تحت عنوان: "توجهات لمكافحة الاتجار بالبشر" بمشاركة خبراء دوليين، تحدث المشاركون عن تهريب أجنبيات للعمل في نوادٍ ليلية داخل إسرائيل، وعن استغلال أطفال فلسطينيين للعمل داخل إسرائيل بظروف قاسية وخطرة وبتواطؤ من أهاليهم.. إلى جانب اتهامات لإسرائيل باستغلال جثامين الشهداء، فضلا عن شبكات تهريب العمال الفلسطينيين، واستغلالهم.
أما دول الخليج؛ فبالرغم من أنها تجرم الاتجار بالبشر، إلا أنها تشهد الكثير من حالات استغلال العمالة الوافدة، وخادمات البيوت، وإساءة معاملتهم.