عودة الضابط القاتل.. ليس بالإمكان أفضل مما كان ..بقلم د. وليد القططي

الأربعاء 26 يوليو 2017 11:19 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عودة الضابط القاتل.. ليس بالإمكان أفضل مما كان ..بقلم د. وليد القططي



بعد حادثة السفارة الإسرائيلية في عمان سمعت وقرأت بعض التعليقات والتحليلات التي تتنبأ بأن الحكومة الأردنية ستستغل هذه الفرصة لعقد صفقة مع الحكومة الإسرائيلية لإزالة البوابات الإلكترونية حول المسجد الأقصى، وذهب بعضها إلى أكثر من ذلك بأن تشمل الصفقة إطلاق سراح السجناء الأردنيين وربما المناضلين مروان البرغوثي وأحمد سعدات. وهذا التفاؤل المُبالغ به في التوقع بمآلات حادثة السفارة التي قتل فيها ضابط أمن إسرائيلي مواطنين أردنيين بخفة واستهتار نابع من قراءة غير موضوعية لتطورات الأحداث التي وقعت بعد عملية القدس الفدائية وتركيب الأبواب الالكترونية. ونابع كذلك من فهم غير عميق للدور الوظيفي للكيان السياسي الأردني كنظام ودولة، وهذا ما سنحاول تسليط الضوء عليه في السطور التالية.

بالنسبة لإزالة البوابات الالكترونية صباح الثلاثاء، فسواء كان في إطار صفقة عودة ضابط الأمن الإسرائيلي القاتل إلى تل أبيب أو بدون صفقة، فإن هذا الربط يخدم نتنياهو وحكومته ومساعدتهم على النزول من أعلى الشجرة التي ركبوها في إقامة البوابات الالكترونية. فالمتابع لمسار الأحداث وتصاعد الهبة الشعبية خاصة في القدس المحتلة والمراقب لما يحدث في دهاليز صناعة القرار الإسرائيلي على المستويين الأمني والسياسي كان يدرك أن كل المؤشرات والمعطيات تسير نحو اتخاذ قرار بإزالة البوابات الإلكترونية، ولكن كان ينقص الحكومة الإسرائيلية المخرج المناسب، وأنها كانت تدير مفاوضات مع الحكومة الأردنية حول ذلك حتى قبل حادثة السفارة، خاصة وأن النظام الأردني ضليع في إخراج الكيان الصهيوني من مأزقه وما حادثة محاولة اغتيال السيد خال مشعل عنا ببعيد، ولذلك كان نتنياهو على ثقة تامة بالنظام الأردني عندما قال "لقد وعدت رجل الأمن بأننا سنعيده إلى البلاد ولنا تجربة ".

وسماح الحكومة الأردنية بعودة ضابط الأمن الإسرائيلي إلى دولته رغم جريمته الكبيرة بهذه السرعة والاستهانة بمشاعر الأردنيين وحقوق ذوي المجني عليهم تصرف طبيعي- رغم شذوذه- وفق طبيعة النظام الأردني والدور الوظيفي المحدد له من الذين أنشأوه ودعموه وحافظوا على وجوده. فالدولة الأردنية أُنشأت مرتبطة مع إنشاء دولة (إسرائيل)، والعودة إلى بداية إنشاء الدولة الأردنية توّضح لنا ذلك، فعلى مدى الزمن كانت منطقة شرق الأردن جزءاً من ولاية الشام منذ دولة الخلافة الأموية وحتى دولة الخلافة العثمانية مروراً بالخلافة العباسية وغيرها، ولم تكن يوماً كياناً سياسياً أو إدارياً منفصلاً أو مستقلاً حتى هزيمة الدولة التركية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 ودخول قوات (الثورة العربية الكبرى) شرق الأردن بقيادة الأمير (فيصل) ابن الشريف حسين قائد (الثورة)المُتحالف مع بريطانيا ضد الدولة العثمانية.

وبدأت أول ملامح الدور الوظيفي للكيان السياسي الجديد عندما وقّع الأمير (فيصل بن الحسين) اتفاقية مع حاييم وايزمان رئيس (المنظمة الصهيونية العالمية) اتفاقية (فيصل- وايزمان) اعترف فيها فيصل بتصريح بلفور ووعد بتقديم تسهيلات لليهود لإقامة مجتمع لهم في فلسطين، مقابل مساعدة وايزمان له بإقامة دولة له شرق الأردن. وعندما زار تشرشل وزير المستعمرات البريطاني شرق الأردن عام 1923 اتفق مع الأمير عبدالله بن الحسين على إقامة (إمارة شرق الأردن) التي تحوّلت فيما بعد إلى (المملكة الأردنية الهاشمية) عام 1946، وتم تنصيب الأمير عبدالله بن الحسين ملكاً عليها، واستمرت بريطانيا ثم أمريكا في دعم الكيان السياسي الجديد مقابل قيامه بدوره الوظيفي في المنطقة، وفي مقدمته حماية الحدود الشرقية لدولة (اسرائيل).

وهذا الدور الوظيفي واستمرار القيام به هو الذي حافظ على وجود النظام السياسي الأردني أولاً، وحتى على وجود الدولة الأردنية ثانياً. وتجلّى ذلك واضحاً في تخلّي الجيش الأردني عن مساحات كبيرة من فلسطين المحتلة عام 1948 الكثير منها بدون قتال حقيقي، ثم انسحابه السريع من الضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967. ثم ضرب المقاومة الفلسطينية ممثلة في قوات منظمة التحرير الفلسطينية وإخراجها من الأردن عقب أحداث أيلول الأسود عام 1970، لتصبح بعدها الحدود الأردنية مع الكيان الصهيوني أكثر الحدود هدوءاً وأمناً مع الكيان. ولم يقتصر هذا الدور الوظيفي على ذلك، بل استمر تحت عناوين أخرى منها دعم المعارضة السورية المسلحة بتمويل خليجي وإسناد أمريكي بهدف المشاركة في تدمير الدولة السورية خدمة للمصالح الغربية والصهيونية. وليس من الغريب بعد ذلك أنه بقدرة قادر وبسحر ساحر تخطت ثورات (الربيع العربي) الأردن وتجاوزته إلى غيره من البلدان العربية رغم عدم اختلافه جوهرياً مع الأنظمة العربية الأخرى في منظومتي الفساد والاستبداد وذلك حفاظاً على هذا الدور الوظيفي المميز.

وأخيراً بعد هذه القراءة في مسار الأحداث التي تبعت عملية القدس الفدائية وإنتهاء بعودة الضابط الإسرائيلي القاتل إلى تل أبيب سالماً غانماً. وبعد الاستعانة بمسار التاريخ لمعرفة الدور الوظيفي للنظام الأردني نعرف ببساطة فيما يتعلق بتصرف الحكومة الأردنية في أزمة السفارة أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.