الانتفاضة الفلسطينية الرابعة؟ حسين حجازي

السبت 22 يوليو 2017 11:24 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يوم الخميس ليلاً: 
اختارَ، اذن، كسياسي انتهازي من بين جميع الحسابات مصلحته الشخصية والأنانية المجردة، بالهروب من التحقيقات حول الفضائح والفساد الذي يلاحقه بديلاً عن حسابات مصلحة دولة الاحتلال، بعدم الانجرار إلى هذه المعركة الخاسرة سلفاً، والتي لن يخرج منها الاحتلال وهو شخصياً منتصراً او سالماً على أية حال. لكن الحسابات الضيقة والمباشرة أي الهروب بأي ثمن هي ما سولت له نفسه. حتى وان أدى هذا القرار بعدم التراجع الى ما يشبه الانتحار السياسي بتحطيم كل محاولاته الأخيرة، استبدال التسوية السياسية على قاعدة حل الدولتين مع الفلسطينيين بما يسمى بالتسوية الإقليمية. إذ مع أي إقليم عليه عقد التسوية الآن؟. 
وهكذا هي المواجهة مرة أُخرى من على أسوار التاريخ على الرواية وهوية المكان، وفي تجردها الأول البدائي والمطلق بين القوتين اللتين مثلتا في صراعهما القانون السرمدي للحرب عبر التاريخ، السيف والروح وغلبة الدم على السيف، الجزء الإلهي على القوة المادية وحتى التخطيط كما تحدث نابليون.  
هي النار التي أشعلها ابو لهب ولكن ربما أرادها الله لكي تطفئ نيراناً أُخرى، وتزيحها جانباً من اصطفاف العرب وانقسامهم الى محاور وانقسام الفلسطينيين بين غزة ورام الله. وكان الاحتلال يتغذى على هذه الشقوق وآن الأوان للذهاب الى جذر الخلاف والصراع، ووحدك يا قدس يا زهرة المدائن من تعيدين طرح النقاش وتصويب الكلام، ووحدك يا قدس من تعيدين طرح جذرية الصراع. فهنا الوردة ومحك الحقيقة هنا.

يوم الجمعة قبل الظهر: 
لكن هل ما يشي في الصباح مع بدء العد العكسي لموعد صلاة الجمعة، يحدث تراجع عن الموقف الذي اتخذ ليلاً في اجتماع الحكومة المصغر؟ حتى ولو أنهم أعلنوا منذ الليل حشد خمس كتائب من الجيش وثلاثة آلاف شرطي؟ وبدا منذ ساعات الفجر الأولى إحاطة المدينة بحواجز أمنية، تحول دون تحشيد الفلسطينيين للصلاة من حول أسوار المسجد الأقصى. اذا كان لنا ان نرى في صياغة ترك الباب مفتوحاً أمام هذا الاحتمال حين رموا كرة النار في حجر الشرطة، لتتخذ ما تراه مناسباً بإزالة البوابات الإلكترونية او الإبقاء عليها. وقيل علناً إن جهاز الأمن الداخلي اي الشاباك يفضل إزالتها. 
ولكنه في تقديرات الموقف عند هذه الساعات الحاسمة من هذه الجمعة المفصلية، ان الفلسطينيين عقدوا العزم على المضي في هذه المعركة حتى النهاية. ولعل ما يحدث في هذا اليوم ان الفلسطينيين لم يستطيعوا تحقيق وحدتهم مرة أُخرى في لحظة الامتحان الكبيرة بتجاوز التعارضات السياسية، ولكن هذا هو الأهم بالتفوق على القيود الجغرافية، وذلك وراء القيادة المقدسية القيادة الأولى التي مثلتها المرجعيات الدينية. 
وفي التقدير الثاني للموقف، إن الإنسان القديم الأول وهذا الإنسان الذي يمثل ما هو جماعي، إنما حاول بتعرفه على تمثيل ما هو رمزي وهو أول الفنون، إنما كان يحاكي بهذه الرموز ما هو جليل ومقدس. واليوم ان ما هو مقدس هو الجامع والموحد كما هو الدافع.  
ولقد قلنا منذ البداية انه لا أمل للاحتلال بكسب المعركة حول الرمز والمقدس، ولقد يخطر عند هذه اللحظة خاطر أن المقدس والمحرم اي المسجد الأقصى وقبة الصخرة ثمانية الأضلاع، يقابلهما خمسة آلاف من جيش الاحتلال وثلاثة آلاف من الشرطة. ويقولون في الأساطير القديمة ان العدد ثمانية يرمز الى كوكب زحل الأزرق، والذي هو المعلم الصارم. وفي هذا التناص أيضاً أن من يملك الحاضر أي الرمزي يملك الماضي، ومن يملك الماضي يملك المستقبل. وهذا هو قوام التجسيد الحي للمسجد الأقصى الذي هو الحاضر في ثلاثية أبعاد الزمن. 
وفي تقدير الموقف ثالثاً، إن ما يحدث المرة بعد المرة انما هو الصراع على الرواية، والواقع ان المفارقة التاريخية إنما تكمن في هذه المعادلة، ان إسرائيل المتفوقة في القوة العسكرية استطاعت العام 1948 احتلال جزء من فلسطين، واسمت نفسها اسرائيل. وفي العام 1967 استطاعت احتلال الجزء الآخر المتبقي من فلسطين. ولكنها منذ سبعين عاما لم تستطع الغاء او محو اسم فلسطين او نزع هوية الارض، كما لم تستطع ان تغير اسم المكان اليوم «جبل الهيكل» بديلاً عن المسجد الاقصى او الحرم القدسي. ولقد كان هذا هو الفشل وهزيمة القوة امام الرواية الفلسطينية وعراقة التاريخ، حتى لتبدو مجمل هذه التحايلات التي تقوم بها للالتفاف على الرواية والهوية، نوعا من المحاولات العبثية والصبيانية.

يوم الجمعة ما بعد الصلاة: 
وما أن أنهوا الصلاة مجاميع مجاميع في كل الشوارع، وأمام ابواب الحرم القدسي، وقالوا السلام عليكم يمنة ويسرة، حتى انقضوا عليهم للانتقام بالرصاص المطاطي والناري، والقنابل الصوتية وقنابل الغاز.  
وقال الشيخ محمد حسين مفتي القدس: لم تكن لنا من قوة الا «لحمنا». ولعلهم أملوا في الصباح وحتى اللحظة الأخيرة ان تؤدي الاتصالات والضغوط الدبلوماسية الى إزالة البوابات. ولكن الشيخ عكرمة صبري رأى أن نتنياهو سعى في قراره الملتبس، لإزاحة الضغوط عن رأسه برمي الكرة في ملعب شرطته، ورأت المعارضة الإسرائيلية الرأي نفسه واتهمته بالتهرب من اداء دوره القيادي.  
ولكن راجح بكيرات احد المسؤولين في إدارة الحرم، ربما هو من أعطى هذا الاستنتاج الذي يمكن ان يكون مكتوبا على الحائط لما حدث اليوم، اذا كان ما فعله نتنياهو وجيشه الكبير الذي حشده، انه حول مساحة الحرم القدسي من حدوده 144 دونما، لتصبح مساحته كل المدينة القديمة وكل القدس، واكثر من ذلك لتمتد مساحته لتشمل فلسطين كلها، وحتى اندونيسيا وأنقرة وإسطنبول وبيروت والجزائر والأردن. 
وفي التقييم الأخير ربما نطرح السؤال اليوم: إذا ما واصل نتنياهو تحدي شعب برهن عن شموخه وعظمته، وعدم قبوله او سكوته على الاهانة. كم موعد صلاة كل يوم خمس صلوات سوف يستطيع استنفار جيشه؟ وكم يوم غضب يوافق صلاة كل جمعة؟ والجواب واضح. وعليه فان السؤال هل كانت هذه الإرادة التي برهن عليها الفلسطينيون بقبول التحدي يوم الجمعة، هي بداية انطلاق الانتفاضة الرابعة؟ وبخلاف الانتفاضة الثالثة لا يوجد هذه المرة ظل باراك أوباما للرهان عليه، وتبرع نتنياهو في الوقت نفسه بإطلاق الرصاص على التسوية الإقليمية، وما عاد للفلسطينيين الوهم السابق حول صفقة دونالد ترامب. وهكذا يذهبون موحدين لا يملكون الا لحمهم أي جثثهم، يلقون بها كتحدٍ أخير في المعركة الأخيرة لطرد الاحتلال ونيل حريتهم واستقلالهم. لنرَ.