في تفسير إعجاب القادة العرب بالرئيس ترامب ..محمد ياغي

الجمعة 07 يوليو 2017 10:56 ص / بتوقيت القدس +2GMT




لا يوجد رئيس أميركي حصل على «مكانة رفيعة» من قبل الرؤساء والملوك والأمراء العرب مثل الرئيس ترامب. 
هو في نظر الرئيس السيسي «شخصية فريدة من نوعها قادرة على فعل المستحيل»، وهو في تقدير الملك سلمان يستحق أن يتم الاستثمار فيه بأكثر من ٣٥٠ مليار دولار، وأن يُجمع له القادة العرب والمسلمون للاستماع له. وهو المرجعية للحرب على الإرهاب، حسب البيان الأخير لوزراء خارجية الدول الأربع التي تحاصر قطر.
هذا الكلام يبدو صحيحاً أيضاً إذا تمت مقارنته مع نظرة الزعماء العرب للرئيس أوباما مثلاً، فأوباما تم وصفه «بالشخصية الضعيفة» التي «حولت إيران إلى قوة جديدة عظمى»، بينما أصبحت أميركا في عهده «قوة عظمى قديمة»، حسب توصيف عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي.
هذا الإعجاب بشخص ترامب يبدو مستغرباً لأسباب عديدة منها أنه لا يكن أي احترام للدول العربية وتحديداً دول الخليج التي تحدث عنها بطريقة سيئة عندما قال: إنها «لا تمتلك شيئاً سوى المال» و»هي من دوننا ليس لها وجود» و»سأجعلهم يدفعون الأموال». 
وهو ثانياً متعاطف بشكل غير مسبوق مع إسرائيل لدرجة رفضه الإقرار بمبدأ حل الدولتين كأساس لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وحديثه عن الأطفال الفلسطينيين الذين يتم «تربيتهم على الكراهية منذ الصغر»، ورفضه إدانة أو مطالبة إسرائيل بوقف استيطانها، ورفض إدارته حتى تعيين الدكتور سلام فياض ممثلاً للأمم المتحدة في ليبيا، وتعينيه لمتطرفين «يهود» يدعمون الاستيطان واليمين المتطرف الإسرائيلي كدبلوماسيين أميركيين يشرفون على عملية «السلام مع الفلسطينيين» مثل: ديفيد فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل، وجيرارد كوشنر، زوج ابنته.  
وهو ثالثاً شخصية تكره المسلمين وتطلق وصف «متطرف» عليهم جميعاً دون تمييز، وهو من حاول منع مواطني سبع دول إسلامية (ست منها عربية) من دخول أميركا. 
إعجاب الزعماء العرب بشخص ترامب غريب أيضاً؛ لأن الأخير ورغم فوزه بالانتخابات الأميركية إلا أنه يتمتع بأقل تأييد شعبي أميركي منذ جورج واشنطن، وباستثناء رئيسة وزراء بريطانيا لا يوجد زعماء أوروبيين يؤيدون مواقف ترامب في القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية.
الواقع هو أن «الغرب» يشعر بالخجل من كون ترامب يمثل أكبر دولة فيه. ليس فقط بسبب سياساته التي تعتبرها أوروبا متعارضة مع تقاليد العلاقات التي تجمعهم بأميركا ولكن لأن الرجل «ضحل» و»وقح» في نفس الوقت. 
حسب صحيفة نيويورك تايمز، المخزون اللغوي للرئيس ترامب لا يتجاوز ذلك الذي يمتلكه تلميذ مدرسة في الصف الثامن الابتدائي، وهو لا يحب القراءة، وغير قابل  للتعلم، حسب بيان صدر عن العشرات من الدبلوماسيين «الجمهوريين» أثناء الانتخابات الأميركية. والرجل وفق تسجيلات وتغريدات له على «تويتر» لا يكن احتراماً للنساء ويتحدث عنهن بطريقة مُخجلة. 
ما الذي يدفع الزعماء العرب إذن للتعامل مع ترامب كما لو «كبيرهم؟».
للبعض أميركا تأمر و»القادة» العرب ينفذون. لكن هذا التحليل تبسيطي إلى حد بعيد. العربية السعودية مثلاً هي التي طلبت من أميركا إخلاء قاعدتها العسكرية في الظهران، وقطر هي التي استقبلتها في «العيديد» وبمحض إرادتها. أميركا يمكنها أن تمارس الضغوط على القادة العرب لتنفيذ سياساتها لكنها لا تستطيع أن تجبرهم على ذلك. 
الحقيقة أن القادة العرب من جانبهم أدركوا أهمية جماعات الضغط في تقرير السياسات الأميركية، وأصبحوا مثل إسرائيل لهم جماعاتهم الفاعلة التي تحاول التأثير في اتجاه السياسات الأميركية بالشرق الأوسط. وعندما تتعلق المسألة بإيران مثلاً، تتحالف جماعات الضغط العربية مع الإسرائيلية حتى يكون التأثير أكبر. 
في تقديري، إن «الاحترام الكبير» الذي يكنه القادة العرب للرئيس ترامب مصدرة اتفاقه معهم في العديد من القضايا والشبه بينه وبينهم في بعض الجوانب الشخصية أيضاً. 


ترامب يهاجم الإعلام الأميركي بشكل مستمر ويحرض عليه، ويمنع ممثلي بعض قنوات التلفزة والصحف من سؤاله أو حتى من حضور المؤتمر الصحافي اليومي للناطق باسم البيت الأبيض. القادة العرب مثل ترامب، لا يؤمنون بأهمية حرية الإعلام والرأي الآخر، وهم يطالبون اليوم دولة قطر بأن تغلق قناة الجزيرة والعديد من المواقع الإعلامية التابعة لها. بالطبع يمكن مهاجمة وسيلة إعلامية ووصفها بعدم المهنية، لكن «المنع» شيء مختلف.
ومثل ترامب أيضاً، استقرار «الشرق الأوسط» أهم من حقوق مواطنيه في الحرية والكرامة. القادة العرب مثلاً يتهمون «قطر» بأنها الدولة التي سعت إلى تقويض استقرار العديد من دولهم وخلق الفوضى فيها. الثورات في الحالات التونسية والمصرية واليمنية والبحرانية هي في تقديرهم مؤامرات تقف خلفها دولة قطر بأموالها وإعلامها وليست حركات جماهيرية تطالب بحقوقها. 
هذا الرؤية عن «المؤامرة» تلتقي مع رؤية ترامب بأنه لا حقوق للعرب كمواطنين. في أول بيان لوزير الخارجية الأميركية، ريكس تيلرسون، بشأن الحصار على قطر، قال: إن «إحدى الطرق المهمة للقضاء على الإسلاميين المتطرفين ومنع النشاط السياسي المعارض من التحول إلى العنف هو في السماح للمهمشين بأن يعبروا عن مواقفهم السياسية»، مضيفاً: إن هذه «العملية تحتاج إلى اتفاق إقليمي ودولي وتفاهم متبادل.» بمعنى آخر، حقوق العرب كمواطنين ليست «حقوق طبيعية غير قابلة للتصرف» كما هو حال الأميركيين والأوروبيين عموماً، ولكنها حقوق مشروطة بموافقة حكامهم ومباركة اللاعبين الدوليين، أمثال ترامب، عليها. 
ومثل ترامب أيضاً، القادة العرب يرون «جماعة الإخوان المسلمين» ومعها حركة «حماس» حركات إرهابية. تيلرسون كان صرح أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بأن «جماعة الإخوان المسلمين هي أداة للإسلام المتطرف مثل القاعدة». 
صحيح أنه تراجع عن ذلك لاحقاً بالقول: إن «وصف جماعة الإخوان الإسلاميين بالحركة الإرهابية إشكالي لأنهم ممثلون في برلمانات بعض الدول ولا يمارسون العنف»، لكن ما هو مهم للقادة العرب أنهم مثل ترامب يمتلكون المرونة في «التعامل» مع «الإخوان» ويمكنهم اعتبارها حركة إرهابية يجب سحقها أو تنظيم سياسي يمكن التحاور معه. المهم هو أين يمارس هذا التنظيم نشاطه: هو في اليمن وسورية غير إرهابي، لكن في مصر والسعودية والإمارات والبحرين إرهابي بامتياز.
والقادة العرب مثل ترامب حتى على المستوى الشخصي. هم لا يقرؤون إلا تقارير المخابرات التي لا تترك لهم وقتاً لقراءة أشياء أخرى.