غزة تتأرجح بين المتناقضات ..م . عماد عبد الحميد الفالوجي

الأربعاء 21 يونيو 2017 05:48 م / بتوقيت القدس +2GMT



 في غزة كل يوم هناك الجديد كأنك تعيش فيلما خاصا زاخرا بحلقات مليئة بالأحداث المشوقة أحيانا والمملة أحيانا أخرى ، ولكن أهل غزة ليس لديهم خيار سوى متابعة هذا الفيلم الطويل لأنه يخص كل تفاصيل حياتهم ،، أبطال هذا الفيلم مختلفون ومتناقضون ولكنهم يعرفون ماذا يريدون ، وكل بطل منهم لديه قصته وروايته التي يحفظها عن ظهر قلب ، ولكن لا تكاد تجد بطل منهم يمتلك رصيدا متوافقا تماما مع البطل الآخر ولكن في النهاية ستجدهم جميعا يتعايشون على ساحة غزة الصغيرة في الحجم والكبيرة جدا في المشهد ..

وتعيش غزة على وقع كل التناقضات التي يمكن تخيلها او افتراضها ، قطاع غزة جزء أصيل من وطن محتل ، نعم وعلى هذا إجماع نظري معلن ولا أحد يجرؤ – حتى هذه اللحظة الادعاء بغير هذا - ، ومع ذلك فقطاع غزة عمليا ليس جزءا حقيقيا من ذاك الوطن المحتل لأنه أصبح في نظر البعض من أبطاله محررا ولديه كل إمكانيات ومقومات الاستقلال والكيانية الخاصة به فعنده حدود وسلطة وشرطة وقضاء وشعب وعلاقات إقليمية ودولية خاصة به ويمارس قانون وتشريعات خاصة ،، وهذا أول التناقض الحقيقي ..

في غزة قوى وفصائل وحركات سياسية متعايشة تماما مع واقع غزة ومتصالحة مع ذاتها وتعقد مؤتمرات وندوات وأحيانا مسيرات الهدف الأول منها إثبات الوجود ، والهدف الثاني إعلان رفضها للواقع المعاش ،، تناقض واضح مثير ..

العلاقات الداخلية بين كل القوى الفاعلة في غزة مليئة بشكل سافر بكل أنواع التناقضات المعلومة والمجهولة ،، كل فريق له فلسفته وميوله وآراؤه في كل صغيرة وكبيرة تخص الأوضاع في غزة ، وكل فريق يعلن رفضه للواقع ويطالب بأعلى صوته لتغييره باعتباره كارثة وطنية ،، ومع ذلك تجد كل الانسجام الشكلي في التعاطي مع هذا الواقع ، دون غضب حقيقي يكون له أثر ،، بل التعايش الإيجابي هو سيد الموقف ..

على أرض غزة تحدث التفاهمات والتحالفات الغير مستندة على ارض صلبة أو حقيقية ولكنها مستندة على تحقيق بعض المصالح بعضها عامة وأغلبها خاصة – الخصوصية ليس شرطا شخصية – ولكنها تؤدي لتحقيق مصالح تخدم في ظاهرها المواطن وتخفف من معاناته ،، ولكن جوهرها أمر مخالف لذلك تماما ..

في غزة أحيانا تحكم العلاقات قاعدة " عدو عدوي صديقي " ، ولكن لا يوجد عدو ثابت ولا صديق ثابت ،، والقاعدة أصبحت "عدو عدوي الراهن هو صديقي الراهن " بدون ضمانات مستقبلية وكل شيء محكوم بالمتغيرات وهي أكثر وأسرع مما نتوقع ..

في غزة تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة على الورق ليست مستحيلة وليست صعبة بل يراها البعض في متناول اليد ،، ولكنها في ذات الوقت مستحيلة التنفيذ دون فهم أو إدراك لماذا وكيف ؟؟ ،، خاصة عندما ندرك أن مطالب القيادة لتحقيق المصالحة ليست صعبة ، وموقف حماس ليس ضدها واستعداد لتنفيذها ،، ومع ذلك الواقع يناقض ذلك ..

كل تفاصيل الحياة في غزة صعبة ومعقدة ومع ذلك تجد كل ما يناقض ذلك في يوميات الحياة ،،

 وتستمر الحياة بين المتناقضات ..