السعودية من وحل أوباما الى وهم سفينة ترامب !! ..سليم ماضي

الأربعاء 21 يونيو 2017 01:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
السعودية من وحل أوباما الى وهم سفينة ترامب !! ..سليم ماضي




تنطلق السياسة الخارجية السعودية من منطلقات تعبر عن عقليتها القبلية، فهي تنظر للدول نظرة قبلية بحتة، فالقبيلة الكبيرة والقوية يجب احترامها وطاعتها، لذلك فهي تنظر لأمريكا القبيلة الكبيرة التي يجب أن تخضع لها وتقدم لها القرابين والهدايا، وهي تبني سياستها على هذا الأساس دون أن تخضع لموازين العقل والرشد السياسي، وتتعامل السعودية بثقة عمياء مع زعماء أمريكا وهي تعتقد أن طاعتهم يجلب الخير لها ويمنحها الشرعية المفقودة؛ لأن السعودية لا تؤمن بأن الشعب هو مصدر السلطات والشرعية. السعودية اليوم وضعت لنفسها عدو اسمه إيران وهو احدى المبادئ التي تنطلق منها السياسة السعودية بالإضافة لمبادئ أخرى كالحفاظ على ملك آل سعود والحفاظ على إدامة علاقات استراتيجية مع أمريكا، لكن السياسة الخارجية السعودية في الوقت نفسه تتجاهل إرادة شعبها وأمتها العربية، لذلك سيرها في الفلك الأمريكي دون حسابات وعكس إرادة شعبها وأمتها فتح المجال لإيران للدخول في الأحشاء العربية وغزو هذه الدول والتدخل في شؤونها. 
السعودية ومنذ انطلاق شعلة ما يسمى بثورات الربيع العربي أخطأت مرتين في التشخيص وفي العلاج معاً، سابقاً سارت السعودية مع مخططات ورؤية إدارة أوباما للمنطقة فيما يسمى الفوضى الخلاقة، حيث تلاقت أهداف السعودية مع ثورتي سوريا وليبيا على وجه الخصوص، الأولى من أجل احتواء نفوذ إيران في المنطقة والثانية بسبب التنافر الأيديولوجي والعداء مع نظام القذافي، لذلك كان دعم السعودية لثورتي سوريا وليبيا من أجل مآرب سعودية خالصة وليس من أجل نشر الديمقراطيات في هذه البلدان؛ لأن السعودية لا تؤمن بالديمقراطية وقيمها. لم تدرك السعودية أن هدف هذه الثورات تفتيت الدول العربية وليس اسقاط انظمتها كما روج لها عبر ادارة أوباما آنذاك، لذلك بضاعة المملكة السعودية التي صدرتها لسوريا وليبيا واليمن دون حسابات ردت اليها فغرقت في الوحل بسبب رعونة سياستها الخارجية.
وبعدما أغرق أوباما السعودية في الوحل جاءت سفينة الوهم بزعامة القبطان ترامب. 
ترامب ومع وصوله لسدة الحكم أنشأ ما يسمى بسفينة الوهم لدول الخليج العربي وخصوصاً السعودية ووضع لها خريطة سير وشروط للصعود على متنها. 
سفينة ترامب جعلت لعاب السعودية الغريقة يسيل نحوها فهرعت نحوها وكانت أول ركابها مقابل أموال باهظة ذو أرقام فلكية لم نعتد على سامعها من قبل !! وتتعامى السعودية عن أهداف ترامب الحقيقة التي تكمن في حلب أموال الخليج وتقديم خدمة جليلة لإسرائيل عبر دمجها في المنطقة دون حل الصراع.  
لقد كان هم السعودية طوال فترة حكم أوباما أن تنجو بنفسها من أن تحترق بنار الثورات العربية بعد أن أعلن أوباما عن سياسته الخارجية التي تقوم على التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لذلك فهي الآن تقدم الرشاوي المالية لترامب مقابل ما جاء في خطاباته السياسية التي اعتبرتها السعودية جوهر سياسته الخارجية حيث قال ترامب: "لن نتدخل في سياسة الدول" كما أعلن محاربته لإيران والإرهاب وطالب بدفع أموال من دول الخليج نظير حمايتهم من الغول الإيراني؛ لذلك اعتقدت السعودية أن ترامب يقدم لها سفينة النجاة فهرولت لتقدم له القربان والولاء والبيعة.
عقلية السعودية القبلية جعلتها غير قادرة على بناء سياسة خارجية متوازنة قادرة على مواكبة المتغيرات السياسية والدولية، فهي مازالت لا تدرك بأن هناك محاور دولية أخرى خارج العباءة الأمريكية أو داخل العباءة لكن لها حسابات مختلفة، لذلك على السعودية أن تدرك بأن الغرب لن يحترم السلوك السياسي التقليدي وأنه يبحث عن نشر قيمه وثقافته لتحقيق مصالحه، فالغرب يعتقد بأن الدول الديمقراطية لا تتحارب بل تخضع للحوار البناء، وأن الدول الديكتاتورية هي مصدر الإرهاب وهو ما جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس) الذي اتهم السعودية بأنها مصدر الإرهاب، وأن الذين نفذوا أحداث11 سبتمبر أغلبهم مواطنين سعوديين. 
في النهاية السعودية ودوّل الخليج العربي مجبرين وليس مخيرين على الصعود الى وهم وسراب سفينة ترامب لأنهم يفتقدوا القدرة على فرض وجودهم، وفيما يخص أزمة السعودية مع الابن العاق قطر لازالت السعودية تأخذ الرعونة كمنهج له وعاصمتها السياسية الرياض كعادتها لا تزال فاقدة البصر والبصيرة عما يدور حولها، وترامب من فوق الطاولة يعاتب قطر بحنية ومن تحتها يدلعها ويغازلها ويعقد معها صفقات عسكرية بمليارات الدولارات. 
تتمرد وترفض السعودية على أي محاولة لاستبعادها وشطبها كفاعل مؤثر في المنطقة؛ ومن هذا المنطلق تسعى دوماً لخلق مزيد الأزمات، وإذا ما نظرنا للمنطقة من منطق الجغرافيا سنلاحظ أن السعودية لربما تكون أكثر المتضررين والخاسرين من هذه السياسة فإيران أضحت على تخومها الشمالية والجنوبية، وفي الخليج العربي تقيم كل من عُمان والكويت علاقات جيدة مع إيران، وقطر لديها علاقات مفتوحة مع إيران وربما تتطور أكثر هذه العلاقات مع استمرار الأزمة؛  ويعتبر هذا من أهم أسباب غضب وسخط المملكة على قطر، وجغرافياً تعتبر مصر بعيدة عن مطامع ونفوذ إيران في منطقة الخليج العربي ناهيك أيضاً على أن السياسة المصرية لا تشاطر السعودية الرأي بشأن استعداء إيران، فالسياسة المصرية منفتحة على جميع الدول باستثناء الدول التي تحتضن جماعة الإخوان المسلمين كقطر وتركيا. وكما يقول المثل "حساب الدفتر في العادة يختلف عن حساب البيدر"، فقد تأتي الرياح بما لا يشتهي آل سعود، فتعاطف المجتمع الدولي يزداد مع الطوق المفروض على قطر من قبل جيرانها العرب، والسعودية تخسر حلفاء لها كتركيا وباكستان والدوحة باتت أقرب للحضن الإيراني من الحضن الخليجي العربي.