مطلوب في هذه اللحظة ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 20 يونيو 2017 04:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
مطلوب في هذه اللحظة ...مهند عبد الحميد



العنصر الوحيد الذي لا خلاف حوله هو الحالة المأساوية التي يعيشها المواطنون في قطاع غزة، تلك الحالة الآخذة بالتفاقم والتي تضع القطاع في عِداد المناطق المنكوبة بالمعايير الدولية. هذه الحالة المأساوية تستدعي الخروج بمبادرات جدية تستجيب لأبسط الحقوق الإنسانية والوطنية لإنقاذ البشر من المعاناة، وليس توظيف واستخدام آلام وعذابات مليوني مواطن ومواطنة في خدمة أجندات سياسية وفئوية. 
الاستجابة لحقوق المواطنة ولحقوق الإنسان التي لا تنفصل عن الحقوق الوطنية والحق في الخلاص من الاحتلال هي التي يجب أن تكون المعيار الحاسم في اتخاذ المواقف الفلسطينية. ولا شك في أن الالتزام  الفلسطيني بهذا المعيار يستدعي التراجع عن كل إجراء يمس حقوق المواطنين في قطاع غزة من جهة، ويزيل كل خلط مع مواقف حكومة الاحتلال التي تحاصر القطاع وتتسبب في أزماته الخانقة من جهة أخرى. فما يهم حكومة الاحتلال هو تفادي وقوع  انفجار يلحق أضراراً بالإسرائيليين، وبقاء انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وبقاء الصراع الداخلي الفلسطيني ومفاقمته، وإدامة السيطرة الإسرائيلية.      
ما هو مطلوب ومطروح فلسطينياً وقبل كل شيء هو وقف أي تدهور إضافي، ومن ثم الشروع بإجراءات الحلول العملية التي ترفع المعاناة عن مليوني فلسطيني. هذا هو الحقل الذي من المفترض أن تتنافس داخله القوى والمؤسسات الفلسطينية في تقديم الحلول العملية، وليس التنافس على مفاقمة الوضع وعلى توظيفاته السياسية. 
منظمة التحرير كممثل شرعي ووحيد للشعب مسؤولة عن رفع معاناة المواطنين في قطاع غزة. وحل التناقض الناجم عن انقلاب «حماس». فعندما تخفض السلطة دعمها للكهرباء في قطاع غزة باتجاه التوقف النهائي عن الدفع، فإن المواطنين هم أول من يدفع الثمن وتتعرض حياتهم للتشويش. المواطنون هنا غير مسؤولين عن امتناع سلطة «حماس» عن دفع الضرائب لوزارة المالية. ليسوا مسؤولين عن الاكتشاف المتأخر للسلطة بأنها تمول انقلاب «حماس» منذ 10 سنين خلت. التراجع عن التمويل لا ينبغي أن يدفع المواطنون ثمنه بأي حال من الأحوال؟ المنظمة مسؤولة عن إيجاد الحل القانوني الذي يجبر حركة «حماس» على التراجع. نظرياً، إن حل المشكلة يكون بالذهاب إلى انتخابات على قواعد ديمقراطية محددة وغير ملتبسة، تنبثق عنها سلطة تتحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين وحقوقهم. مبدئياً وفي كل الأحوال، لا يجوز استخدام معاناة المواطنين في الضغط على حركة «حماس» من قبل جهة مسؤولة عن كل الشعب، والاعتقاد بإن معاناتهم المتصاعدة ستجبر حركة «حماس» على الرضوخ، قافزين عن حقيقة حركة «حماس» التي لا تكترث لمعاناة الشعب، بل تستخدم عذاباته لتكريس سلطة الأمر الواقع. ولا يعوز أي مواطن تقديم دلائل وبراهين على امتداد السنوات العشر من حكمها في قطاع غزة. فالحصار والعقوبات والعزلة التي تعرضت لها حركة «حماس» دفع الشعب ثمنها غالياً، والاعتداءات الإسرائيلية كان وقودها المدنيين وخاصة من الأطفال والنساء، وأدت إلى تدمير البنية التحتية تدميراً شبه كامل، عليها أو التخفيف من مستوى الخسائر (فلم تُعِد ملاجئ حصينة لحماية الأبرياء ولا مقومات صمود «طبابة ومواد تموينية»، بحد أدنى). ولا غيرت من أسلوب الحرب والمواجهة بهدف تقليل خسائر الأبرياء والمواطنين. فضلاً عن عدم اعترافها بالفشل ولا بسياساتها الإقليمية التي التي فاقمت من حالة الحصار. هذا النوع من العلاقة الاستخدامية للشعب لا يشي بتراجع «حماس» ولا بحساسيتها تجاه الشعب في قطاع غزة. وفي هذه الحالة لماذا تقبل السلطة إضافة معاناة جديدة ومفاقمة الأعباء على المواطنين في قطاع غزة وهي تعلم النتيجة مسبقا؟ هل تعتقد السلطة أن وقف وتخفيض الدعم سيقود إلى ثورة الشعب ضد سلطة «حماس»؟ تجربة «حماس» في قمع كل معارضيها تجيب بلا. 
إذن، وانسجاماً مع حقوق المواطنة التي نص عليها القانون الأساس، واتفاقات حقوق الإنسان التي وقعت عليها الدولة العضو المراقب في الأمم المتحدة، فإن التراجع عن كل القرارات والإجراءات التي ألحقت الضرر بالمواطنين هو المخرج، وخاصة ذلك القرار المتعلق بتخفيض الدعم عن الكهرباء الذي يؤثر على أسلوب الحياة. وإعادة النظر في قرار خفض رواتب الموظفين بنسبة 30%، ذلك القرار الذي خص الموظفين في قطاع غزة وحدهم ولم يرتبط بسياسة إصلاح وظيفي تشمل جميع الموظفين في الضفة والقطاع. حتى الموظفين وأعضاء المجلس التشريعي المنشقين والذين ارتكبوا مخالفات تنظيمية ووظيفية، هؤلاء من المفترض ألا تقطع رواتبهم بقرار دون مقاضاتهم وإدانتهم بمخالفات ملموسة وبحكم مسنود بقانون، لذا ينبغي مقاضاتهم أولا وقبل صدور الأحكام. 
التراجع لا يعني الخضوع لابتزاز سلطة «حماس». فالصراع مع «حماس» له شأن آخر، ومن المفترض أن تخضع كل انتهاكات «حماس» لمقاضاة وحكم ولوضع النقاط على الحروف. غير أن الصراع مع «حماس» يبدأ بخطب ود الجمهور والظفر بثقته، وبالعمل المثابر والجدي لإخراجه من الأزمات وبخاصة أزمة البطالة التي تتراوح بين 41% كمعدل وسطي و70% وسط الأجيال الجديدة.المعركة مع «حماس» ومع كل المنتهكين لحقوق المواطنين ولمصالحهم هي معركة كل المتضررين من تلك السياسات التي هددت حياتهم ومستقبلهم وحلمهم في التحرر، وهم الأكثرية. 
ثمة فرق جوهري بين العمل على حل مشكلات أكثرية المواطنين، وبين العمل على مفاقمتها وتأزيمها. إن العمل على الحل الحقيقي للأزمات لا يكون بغير مشاركة الناس، وبغير تقاسم الأعباء وإطلاق المشاريع وتعزيز العلاقة مع حلفاء وأصدقاء الشعب الفلسطيني، والداعمون لحريته وتحرره. ولا شك في أن الخروج من الأزمة لا يكون عبر وكلاء الأجندات الخارجية الذين يستخدمون الأموال والتنفيعات وحرية الحركة والمرور، هؤلاء يقدمون الوعود بحل الأزمات لا الحلول  ويقدمون الفتات للاتباع، ويبرمون الصفقات مع المنتجين الفعليين للأزمة، وقد كانوا في كل المراحل جزءاً من الأزمة ولم ولن يكونوا جزءاً من الحل، بل هم الشكل الزائف لحل الأزمات وعنوان الوصاية والتدخلات الجديدة في الشأن الفلسطيني. 
بقي القول، لا ينقص الشعب الفلسطيني التفكك وخاصة ذلك النوع الذي يمس أحد أهم مكونات الشعب الفلسطيني، ويتجاوز انقسام الحركة السياسية الذي كرسه الإسلام السياسي. ولا ينبغي السماح بتفكك المكونات. إن قطع الطريق على التفكك يستدعي تدخل كل القوى والمؤسسات والشخصيات الوطنية الحية، ويستدعي التراجع عن الإجراءات والقرارات فوراً.
Mohanned_t@yahoo.com