معاريف : الأجهزة الأمنية تفضل المخاطرة بحرب مع حماس على إضعاف الرئيس عباس

السبت 17 يونيو 2017 04:38 م / بتوقيت القدس +2GMT
معاريف : الأجهزة الأمنية تفضل المخاطرة بحرب مع حماس على إضعاف الرئيس عباس



أطلس للدراسات / سما / بقلم: أودي سيغل / معاريف/

هناك مثل أمريكي يقول إنك أحيانًا يجب ان تحذر ما تتمناه. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فعل بالضبط ما تتمناه إسرائيل عندما أعلن ان حماس هي تنظيم ارهابي مثل حزب الله و"داعش"، هذا طبعًا صحيح، ولكن المغزى من ذلك هو ان من لديه ترتيبات مع حماس - حكومة نتنياهو على سبيل الافتراض - يشابه من يقوم بعقد الصفقات مع "داعش"، وإذا عملت الولايات المتحدة على تدمير التنظيم فكيف يكون أثر ذلك على إسرائيل؟

من يعطون هذا الأمر التعبير الأكثر واقعية هما والدا هدار غولدن الواقعييْن اللذين يزعمان بأن حكومة إسرائيل الحالية "تدلل" حماس وتعزز قوتها بدلًا من مواجهتها، ليئا جولدن - التي هوجمت في الكنيست قبل شهرين من قبل كلاب حراسة نتنياهو - تحدثت هذا الأسبوع في مؤتمر خاص بتجمع إعادة الجنود المفقودين. "لم نطلب إطلاقًا من الحكومة فصل الكهرباء عن غزة" قالت، "نطلب من الحكومة الضغط على حماس، نطلب من الحكومة تطبيق قرارات الكابينت التي تقرر انه يجب دراسة أي مكرمة إنسانية تجاه غزة من منظور الدفع باتجاه إعادة هدار وأرون أيضًا. الحكومة ورئيس الحكومة لهما سلة أدوات متنوعة للغاية لممارسة الضغط على حماس، الوزراء الأعضاء في الكابينت ليس بإمكانهم دراسة أي اعتبار إنساني تجاه غزة طالما ان هدار وأرون محجوزين هناك مخطوفين من قبل أعداء دولة إسرائيل. في هذه القضية ليس المقصود فقط عجز الحكومة؛ وإنما دفن رأسها في التراب وإهمال الجنود الذين أرسلوا للحرب".

بكلمات أخرى، إسرائيل تمتنع عن استخدام خطوات ضاغطة تخترق التوازن عندما يكون الأمر متعلقًا بالجنود، ولكن عندما يطلب أبو مازن تقييد يد التنظيم الإرهابي تنضم إسرائيل إليه بكل سرور، والسؤال: ما هي بالضبط مصلحة إسرائيل؟ وأكثر من ذلك السؤال: ما الذي تريده إسرائيل بالضبط؟

إذا كان الهدف هو إسقاط حكم حماس فالمطلوب خطة مبلورة ومبادرة وعملية معقدة سياسية وأمنية وإنسانية، لكن وكما يحدث في ملف العملية السياسية فالمشكلة هي ان إسرائيل لم تقرر ما الذي تريده بالتحديد، تعرف جيدا ما الذي لا تريده؛ هي لا تريد المواجهة، هي لا تريد صواريخ على الجنوب، هي لا تريد احتلال قطاع غزة، هي لا تريد الاعتراف بغزة ككيان سياسي منفصل، وهي لا تريد أزمة إنسانية.

هذا ما قاله بالضبط رئيس الحكومة نتنياهو في التوقيع على اتفاق المصالحة مع تركيا، والذي تم قبل ما يقرب من عام "يسمح الاتفاق بمعالجة القضايا الإنسانية في غزة، بما يخضع للاعتبارات الأمنية الإسرائيلية. عندما لا يكون هناك ما يكفي من الكهرباء تحدث مشاكل الصرف الصحي التي تخلق أوبئة لا تتوقف عند الجدار الحدودي. جفاف غزة سيضر أيضًا بالمياه الجوفية الإسرائيلية وسيلوثها؛ لذلك فهناك مصلحة إسرائيلية في معالجتها".

عاموس جلعاد رئيس القسم السياسي - الأمني السابق في وزارة الأمن، وأحد الأشخاص المستقيمين والأذكياء في المنظومة، قال انه عندما تتفكك منظومة المجاري في غزة فإن سكان عسقلان لن يتمكنوا من الذهاب إلى البحر، أمر بسيط ومؤلم. وليس هذا فقط، فلدينا هنا شأن إنساني صارخ، بغض النظر عمّا يسببه الأمر لإسرائيل، هل تريد الدولة ان يعاني السكان المدنيين في القطاع؟ هل سكان غزة الواقعين تحت حكم إرهابي قمعي يمكنهم ان يتدبروا أمرهم في جحيم القطاع خلال شهر أغسطس مع ثلاث ساعات من الكهرباء أو ربما أقل؟

"من سيدفع؟" يسأل الوزراء الإسرائيليون، أبو مازن مستعد لدفع الحساب كله، وهو يدفع إسرائيل إلى الحسم في مسألة دفع حساب الكهرباء من تنظيم إرهابي مستهتر ليس مستعدًا لتحويل ولو شيكل واحد من صناعة الأنفاق والصواريخ الخاصة به لاحتياجات مواطنيه والذي يتهم إسرائيل بإخفاقاته. الكابينت أعطى ردًا واضحًا: لن ندفع، وهذا عدل، ولكن هل هذا الأمر حكيم؟ إذ ان تلوث البحر المتوسط أو اندلاع العنف من غزة سيكلف أكثر بكثيرن الصعقة الكهربائية مكتوبة على الجدار، يسمون ذلك كارثة إنسانية، الصور ستكون صادمة، والنتائج غير واضحة.

إثارة الاحتجاجات

منظمة "غيشا" التي اشتهرت في الأساس بفضل الكشف عن منع إدخال الكزبرة إلى قطاع غزة قبل عدة سنوات بادرت وقادت توجهًا قضائيًا، سلسلة من المنظمات الاجتماعية المدنية ("عدالة"، اتحاد الدفاع عن الفرد، وتجمع حقوق المواطن في إسرائيل، وأطباء من أجل حقوق الانسان، وتحركوا في المكان، ويوجد قضاء وامنستي انترناشيونال، وبتسليم، وكسر الصمت، وحكال وعكبوت وعير عميم، والسلام الآن، وحاخامات من أجل حقوق الانسان) توجهوا جميعًا إلى المستشار القانوني الخاص بالحكومة أفيحاي مندلبليت بالطلب لأن يوجه اعضاء الكابينت لإلغاء قرار تقليص تزويد قطاع غزة بالكهرباء.

في البيان الذي أصدره ائتلاف المنظمات سالفة الذكر ورد "بالتوجه إلى المستشار القانوني، تؤكد المنظمات ان قرار الكابينت ليس شرعيًا وفق القانون الإسرائيلي والدولي. في العام 2008 قررت المحكمة العليا في ملف البسيوني الحد الأدنى المنخفض من الديون المستحقة على إسرائيل تجاه سكان قطاع غزة الديون النابعة من درجة سيطرة إسرائيل على المعابر بينها وبين القطاع، وعلى ضوء وضع الحرب بين إسرائيل وبين حماس. في تناولها لموضوع الكهرباء قررت المحكمة العليا انه وفي أعقاب عشرات السنوات من الحكم العسكري الإسرائيلي للمنطقة أوجد إلى الوقت الحالي ارتباط يكاد يكون تامًا لقطاع غزة بإمداد الكهرباء في إسرائيل، وقضت ان على إسرائيل ان تسمح بتمويل غزة بالمنتجات المطلوبة من أجل تلبية الاحتياجات الإنسانية الضرورية للسكان المدنيين.

في الزمن الذي انقضى ارتباط سكان غزة بإمداد الكهرباء من إسرائيل لم يقل رغم الزيادة في تعداد السكان، بل ورغم تضاعف الحاجة للكهرباء لم تزد إسرائيل قدرة الكهرباء القليلة التي تبلغ 120 ميغا واط المباعة للقطاع. إضافة إلى ذلك تستمر إسرائيل في السيطرة على معابر القطاع وفرض القيود الخطيرة على حركة الناس والبضائع والمنتجات من القطاع وإليه. 100% من المواد الضرورية للإصلاح والصيانة وتطوير البنى التحتية في القطاع يلزمها ترخيص إسرائيلي. واليوم أيضًا إسرائيل تحد كثيرا، بل وتمنع إدخال العتاد الذي يراد منه مساعدة السكان على مواجهة النقص المقرر في الكهرباء إلى القطاع مثل المولدات وقطع الغيار والبطاريات وأجهزة UPS لأنها تعتبر هذه القطع مزدوجة الاستخدام (قطع مدنية قد تستخدم في  الاغراض العسكرية)".

كما تزعم منظمة "غيشا" أيضًا ان إسرائيل مسؤولة عن هذا الوضع "لا يمكن لإسرائيل ان تزعم بأنها مزود محايد تستجيب لطلب الزبون. بحكم السيطرة الكبيرة على ظروف حياة سكان قطاع غزة، فإسرائيل هي المسؤولة عن صلاح حياة مواطنيها، وذلك بفعل كونها ما تزال قوة احتلالية في القطاع. عليها أيضًا تقع مسؤولية إيجاد حلول لكيفية استمرار تزويد الكهرباء كاملة، وكذلك الاهتمام بدفع زيادة كمية الكهرباء الضرورية للحياة العصرية الصالحة لسكان غزة، الذين تجمع ضرائبهم وتجبى من قبل إسرائيل".

ولكنهم في الأجهزة الأمنية يفضلون القيام بالمخاطرة بدلًا من إضعاف أبي مازن، والتقديرات تقول ان الضائقة تحديدًا - والتي تفسر الآن على أنها فشل لحماس - قد تثير الاحتجاجات التي كانت في غزة في الشتاء ضد الحكم مجددًا. المشكلة هي انه إذا ما كانت حماس في ضائقة حقيقية فإنها قد تقود إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل، إذا أرادت إسرائيل ان تعمل على إسقاطها فإن عليها ان تقرر ما هو خط سياستها، دون ذلك فالحديث لا يدور سوى عن معاناة إنسانية دون أي جدوى، وخطوة تزيد من الكراهية في غزة ويثير العالم ضدنا وتنتهي بفوضى نحن في عنى عنها. إنزال سكين الكهرباء ليس سياسة وإنما وسيلة، دون تحديد هدف تعمل إسرائيل من خلال النزوة ومن خلال العاصفة التي بين القوى السياسية المتصادمة فيها، بالضبط مثلما حدث في خطة تطوير قلقيلية التي أفسدت وحدة الصفوف في اليمين مرة أخرى.