القوة الناعمة..... وطريق الحرير الجديد!!! عبير بشير

الجمعة 16 يونيو 2017 11:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT



ألغى جوزيف ستالين أهمية القوة الناعمة عندما سأل "كم فرقة عسكرية يمتلك  البابا؟" في حين يرى جوزيف ناي عميد كلية كندي في جامعة هارفارد، والرئيس السابق لمجلس المخابرات الوطني الاميركي وصاحب مصطلح القوة الناعمة بأن القوة الطرية تمتلك من السحر والنفوذ مالا تمتلكه القوة الصلبة، حيث أنها تعني القدرة على التأثير على الآخرين وجعلهم يعجبون بك ويتطلعون إلى ما تقوم به، فيتخذون موقفًا إيجابيًا من قِيَمك وأفكارك، وبالتالي يفعلون ما تريده وترغب به عن طريق الجذب والخيار المشترك وليس عن طريق القمع والإكراه والإجبار، وهناك دول لا تمتلك قوة عسكرية أو اقتصادية كبيرة، إلا أنها تتمتع بقوة ناعمة بسبب مشاركتها في قضايا عالمية جاذبة مثل محادثات السلام ومبادرات الحفاظ على البيئة ومكافحة الأمراض والأوبئة.
ويعتقد ناي بأنه رغم صورة الولايات المتحدة بأنها دولة إمبريالية، ولكنها أيضا في غاية الجاذبية في عقول وأذهان شعوب العالم من حيث مستوى المعيشة ونمط الحياة وطبيعة الفرص وبريق الحريات السياسية والثقافية، وتستفيد من قوى ناعمة مجانية، تبدأ بإرث كبير لأفلام هوليود، وأغاني البوب والإعلام الأميركي، والقيم الليبرالية والديمقراطية، والثقافة النخبوية، وجودة الماركات التجارية، والملابس والموضة، وعالمية اللغة الإنجليزية، وإنتاج البحوث العلمية ونشر الكتب والمؤلفات، وصولا إلى المهاجرين الموجودين في الولايات المتحدة والذين يلعبون بشكل أو آخر دور السياسي والدبلوماسي الممثل لنمط الحياة الأميركي الجذاب، إلى جانب قوة الجامعات الأميركية والبعثات الدراسية، وقد قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول بأنه لا يستطيع أن يفكر في رصيد لبلاده أثمن من صداقة قادة عالم المستقبل الذين تلقوا تعليمهم في الولايات المتحدة، ذلك أن الطلبة الدوليين يعودون إلى أوطانهم في العادة بتقدير أكبر للقيم والمؤسسات الأميركية. ومن جانب آخر يرصد جوزيف ناي مجموعة من المتغيرات في نمط التفكير الصيني ونماذجه السلوكية، والتحول من موقع الانحسار النسبي في مرحلة القطبية الثنائية، إلى الانفتاح النشط واعتماد إستراتيجية القوة الناعمة في الفترة الأخيرة. غير أن ناي يقطع بمحدودية القوة الناعمة الصينية بسبب النظام السياسي فيها –الحزب الشيوعي- وممارساته القمعية وبسبب سوء سجل حقوق الإنسان الصيني والذي يقلل من جاذبية "الحلم الصيني" لدى شعوب العالم. وهناك عامل ثانٍ يراه الباحثون وهو ممانعة الحكومة الصينية من الاستفادة الكاملة من المجتمع المدني، حيث لم يقتنع الحزب الشيوعي الصيني بفكرة أن القوة الناعمة تنبع إلى حد كبير من القطاع الخاص والمؤسسات والجامعات والمجتمع المدني والأفراد المبدعين والمبادرين، والتي تعوض في أحيان كثيرة عن السياسات الحكومية غير المرغوب بها. وبدلًا من ذلك، تشبثت بوجهة النظر القائلة بأن براعة الاقتصاد الصيني، والحكومة هي المصدر الرئيس للقوة الناعمة، وقامت بتعزيز الرموز الثقافية القديمة التي تعتقد أن لها جاذبية عالية.
إن مشروع طريق الحرير الجديد – الحزام والطريق – لا يمثل فقط استحضاراً جذاباً للتاريخ عن طريق إحياء طريق الحرير القديمة، أو للحفاظ على ما يعرف بالتجربة الصينية، بل هو لتعزيز قوة الصين الناعمة، وبلورة معالم دور صيني عالمي في نظام دولي يشهد تغييرا في بنيته الهيكلية، وأخذت معالمه ترتكز على معطيات اقتصادية وعلى المصالح وفتح الأسواق، بعد أن كان للأيديولوجيا دورٌ حاسم في إدارة السياسات الخارجية للدول وفي رسم بنية التحالفات والتوازنات على المسرح الدولي. ويمكن إدراك النقاط الأساسية لمحدّدات السياسة الخارجية الصينية، منذ انطلاق سياسة الإصلاح وتدشين مرحلة القوة الناعمة، وهي حضور مدرسة "دنغ هسياوبنغ" الفكرية السياسية التي تميزت بالانفتاح على العالم، كبديل عن مدرسة "ماو" الثورية، وتراجع البُعد الإيديولوجي لصالح المصالح الاقتصادية والعلاقات التجارية مع العالم الخارجي. وعلى تطوير الحوار والتنمية على المستوى الدولي، وتجنب المواجهة مع الولايات المتحدة، وتوسيع نفوذ الصين في العلاقات الدولية عن طريق الانخراط في التكتلات الإقليمية الآسيوية كقمة شانغهاي، وكذلك الانخراط في مجموعة البريكس، وإنشاء البنك الآسيوي للاستثمار والتنمية، ما سيوفر للصين مركزا إقليميا مؤثرا، ولا سيما بأن هذه المنظمات تتطور بثبات من رابطة اقتصادية إلى كيان إقليمي-دولي ذي تطلعات سياسية واقتصادية طموحة.
ويتضمن مشروع الحزام والطريق حسب التصورات الصينية مسارين: الأول "الحزام الاقتصادي البري لطريق الحرير، والثاني "طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين" ويمتد حزام حرير الشمال من الصين إلى أوروبا عبر سيبريا وبقية روسيا باتجاه بحر البلطيق، أما طريق الحرير الأوسط فيمتد من الصين عبر وسط آسيا فإيران حتى شبه الجزيرة العربية ثم أوروبا، وحزام طريق الجنوب الممتد من مقاطعة سيشوان في الصين إلى جنوب آسيا في الهند، وستتكون الأحزمة من بنية تحتية مترابطة، ومن طرق برية وخطوط سكك حديد فائقة السرعة وخدمات لوجستية واستثمارات ضخمة على طول هذه الحدود.
أما طريق الحرير البحري فله مساران: الأول الخط البحري الغربي الممتد من بحر الصين باتجاه المحيط الهندي وبحر العرب والبحر المتوسط فأوروبا، ثم الخط البحري الجنوبي الممتد من بحر الصين الجنوبي باتجاه أستراليا وجنوب المحيط الهادئ، ويضم ذلك بناء وتوسيع الموانئ والحدائق الصناعية عبر جنوب شرق آسيا وبلدان مثل كينيا وسري لانكا واليونان.
وتهدف الصين من وراء هذا المخطط العملاق إلى إنشاء مسارات تجارية بمبادرة اقتصادية واحدة، بحيث يتم تبادل المشاريع والصفقات والأدوات التجارية والمالية وصولا إلى عولمة جديدة. وتأمل الصين أن تساعد مبادرة "الحزام والطريق" على تسريع التحول الصناعي وتناسق التنمية في المناطق الصينية الداخلية حيث أن المناطق الشرقية الجنوبية غنية، أما الغربية الشمالية فما تزال فقيرة وتشكل نقطة ضعف للتنمية الصينية، وعلى تنسيق السياسات التجارية والجمركية لدول الحزام، ومد كابلات ألياف ضوئية برية وبحرية، وبناء طريق حرير معلوماتية. 
وفي أدبيات المشروع، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة "الحزام والطريق" التي عقدت في بكين بحضور ممثلين عن 120 دولة لحشد التأييد العالمي لهذه المبادرة، بأنها معممة الفائدة على أساس المنفعة المتبادلة والكسب للجميع والتواصل الإنساني والثقافي والسلام، وركزت الصين على نيتها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول الحزام. وتعهد الرئيس الصيني خلال القمة بزيادة أصول صندوق "الحزام والطريق" ليصل إلى 140 مليار دولار. وتقول صحيفة نيويورك تايمز بأن الإنتاج الصناعي الفائض يعد أهم الدوافع التي تقف خلف المبادرة، فعلى سبيل المثال تنتج الصين أكثر من مليار طن من الفولاذ سنويا، ولكنها لا تستهلك داخليا إلا 800 مليون طن.
ولجأت الحكومة الصينية أيضا إلى أدوات في صندوق القوة اللينة مثل حزم المساعدات الضخمة والقروض السخية والاتفاقيات التجارية مع عشرات الدول، والاستثمارات الهائلة حول العالم.
وتشكل معاهد كونفوشيوس الصينية -المراكز المكلفة تعليم اللغة والثقافة الصينية في الخارج- جزءًا أساسيًا من الجهود الرامية إلى بناء القوة الناعمة التعليمية للصين. مع 475 مركزًا في أنحاء العالم. وتنخرط الصين أيضًا فيما تسميه “الدبلوماسية المضيفة”، بعقد عدد لا يحصى من المؤتمرات الحكومية وغير الحكومية وتجلب تجمعات على نطاق واسع -مثل منتدى بواو لآسيا دافوس الصين-ومنتدى التنمية الصيني ومنتدى بكين، بالإضافة إلى ورش التدريب والمبادلات الأكاديمية والمنح الدراسية.
إنها القوة الناعمة التي تعتمدها الصين إستراتيجية لها. قوة قد تسمح لها بالسيطرة على أوراسيا، وكما يقول ماكيندر “من يحكم أوراسيا يحكم العالم”.