الرابحون والخاسرون في النزاع الخليجي ..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 13 يونيو 2017 12:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
الرابحون والخاسرون في النزاع الخليجي ..مهند عبد الحميد



اندلعت الخلافات الخليجية داخل البيت الواحد (مجلس التعاون الخليجي) بمستوى غير مسبوق من الحدة ومحاولة الحسم. نزاع دراماتيكي استقطب دولا عربية وإقليمية وعالمية. غير أن هذا النوع من الاستقطاب الواسع بقي أفقيا ولم يتحول الى استقطاب عمودي تشارك فيه شعوب، وقوى سياسية تعبر حقيقة عن مصالحها. ولأن النزاع والاستقطاب بقي أفقيا «فوقيا»، فقد خضع لمعايير تلك الدول ولأساليبها في الحل والحسم. تلك المعايير التي يختلط فيها الحابل بالنابل، المبدئي بالبراغماتي، المواقف السياسية والأمنية والاقتصادية بنقيضها، الفعل المشروع وغير المشروع الى المستوى الذي يستطيع فيه المراقب الاعتقاد بتشابه السياسات والمواقف والأساليب والأفعال فيما بين المتنازعين. ولا يتغير هذا الاستنتاج بارتفاع منسوب سوء وخطورة المواقف او انخفاضها في مجال ما لدى نظام وآخر. مثلا، يستطيع المؤيدون للنظام السعودي ان يجدوا نقاطا إيجابية «تبرر» تأييدهم له، ويستطيع المؤيدون للنظام القطري ان يجدوا نقاطا إيجابية تبرر تأييدهم له. ويستطيع المؤيدون في الميلين إيجاد الكم الوفير من السلب والانتهاكات لدى الطرفين. وقد ساهم النزاع الخليجي الراهن وتداعياته في الكشف عن كم كبير من المعلومات التي من شأنها التعرف على تفاصيل وخبايا الأدوار والممارسات التي كان ينقصها الرتوش لتظهير المشهد السريالي. 
هل يستطيع  الإعلاميون والقوى السياسية التي تنادي بالتغيير الذين يمتلكون الآن معلومات غنية ومتنوعة، تكفي لوضع النقاط على الحروف في محاولة  الدفاع عن الحقيقة التي هي مصالح الشعوب العربية. نعم، الدفاع المبدئي الصريح في مواجهة أشد أنواع الاستباحة وأكثر النتائج سوءا، تلك التي أفضت الى هزيمة الشعوب العربية هذه المرة، هزيمة صنعتها الأنظمة المستبدة التي استشرست في القتل والتدمير والتهجير والترهيب من جهة، وصنعتها الأنظمة الثرية التي دعمت القوى المتطرفة والظلامية ونصف الظلامية والوسطية التكفيرية ونصف الوسطية، وكل القوى المعادية للحرية والديمقراطية والعدالة والتنوير من الجهة الأخرى. نعم، انتصر النظام العربي وأعاد إنتاج الاستبداد والقمع، بعد أن أطفأ شعلة الحرية وحرق الربيع العربي الذي كان واعدا بزعزعة الاستبداد وبالإفلات من علاقات التبعية والنهب وغطرسة القوة. يجوز القول ان الطرفين حاربا ثورات الشعوب تحت شعار محاربة الإرهاب، ويجوز قراءة القمة الرياض الخماسينية مع سيد البيت الأبيض دونالد ترامب بأنه احتفاء بالانتصار على الشعوب ووأد ثوراتها وانتفاضاتها التي كانت تسمى الربيع العربي عن جدارة. 
انطفأت الانتفاضات والثورات وانتصرت الثورات المضادة المدعومة بالمليارات، وانتصر النظام القديم الذي أعيد أو يعاد إنتاجه راهنا بقوة المليارات وبآلة قمع أشد فتكا. كيف لملايين السوريين والليبيين والعراقيين والمصريين واليمنيين ان يصدقوا الحرب على الإرهاب وان يميزوا بين الإرهاب الجزئي الذي يحاربه الكل، وبين الإرهاب الكلي المسلط على الشعوب الذي يدعمه الكل، من مواقع مختلفة ومتباينة، ومن زاوية المصالح الخاصة بكل طرف التي قادت الى نزاع الشركاء الراهن. ثمة فرق بين قراءة هذا النزاع من موقع الذين هزموا ثورات الشعوب، وبين من يقرأ النزاع من موقع المقهورين والمستباحين، هؤلاء الذين لم تترك لهم امبراطوريات الإعلام المدعومة بالملايين والمسيطرة بالكامل - إلا القليل - على الحيز السياسي والخطاب الإعلامي والثقافي. فغير مسموح للإعلاميين العاملين في امبراطوريتي الإعلام (الجزيرة والعربية) نقد سياسات الدول المالكة تحت طائلة العقاب بالشطب فورا وعلى عجل. الموقف ذاته ينطبق على القوى السياسية وحتى الدول التي تتلقى الدعم او فتات الدعم لا تجرؤ على الانتقاد تحت طائلة وقف الدعم. ان تجميد دور قوى سياسية وتجميد دور إعلاميين ومثقفين وفنانين في قول كلمة حق وفي الدفاع عن الشعوب وقيم الحرية والديمقراطية، فضلا عن شراء مواقف دول وقوى ونخب كان النتاج الأسوأ في الهزيمة التي ألحقها النظام العربي بشعوبه. 
ثمة معيار مهم لتحديد موقف من النزاع الخليجي الراهن، وهو موقف الدول من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومن دعم صمود الشعب الفلسطيني ووحدته ونضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي. سيصدم المرء من المواقف التالية: 1- الموقف الذي يضع القضية الفلسطينية والاحتلال والهيمنة الإسرائيلية على هامش الاهتمام العربي الرسمي، والتعامل مع خطر الإرهاب، والخطر الإيراني كأولوية، هذا الموقف يلتقي للأسف الشديد مع حكومة نتنياهو الماضية في تعميق الاحتلال ومضاعفة الاستيطان وتهويد القدس وتدمير مقومات الدولة الفلسطينية. وانفتاح العديد من الدول على دولة الاحتلال وتطبيع العلاقات معها في الوقت الذي تعمق الاحتلال وتتنكر لأبسط الحقوق الفلسطينية  2- الموقف الداعم لحكم «حماس» في غزة الذي يعزز فصل قطاع غزة عن الضفة الفلسطيني، وهو هدف إسرائيلي بامتياز، ويضعف ويهدد التمثيل الفلسطيني، ويعطل الديمقراطية الفلسطينية – على محدوديتها – لأنه يبقي المجلس التشريعي معطلا، ويبقي الرئاسة دون انتخابات. صحيح ان المواقف الفلسطينية تتحمل المسؤولية، إلا ان الدعم الخارجي يعزز الانقسام. وفي الجهة الأخرى فإن الموقف الداعم سياسيا وبالأموال لمحمد دحلان القيادي المطرود من حركة فتح يعزز الانقسام ويدفع الأمور نحو فوضى فلسطينية، ويساهم في دعم مركز قوى يشتري ولاءات ويكرس أبوية ويخلق تشوهات إضافية للوضع الفلسطيني. بناء على ما تقدم، لا يمكن القبول بالمواقف السابقة التي يتشارك بها عدد من الدول العربية، ولا يمكن تأييد طرف ضد طرف لطالما اتفقا على موقف الحياد من الاحتلال والتطبيع مع حكومته في السر والعلن. خلافا لذلك فإن المطلوب هو نقد التراخي العربي في الموقف من الاحتلال الاسرائيلي وفي الصمت على أعمال تدمير مقومات الدولة الفلسطينية على الأرض. 
وإذا ذهبنا الى زاوية نظر أخرى للنزاع الخليجي وهي الموقف من الإرهاب، والحرب على الإرهاب. فلا يمكن غض النظر عن انتاج ونشر الفكر المتطرف وثقافة التكفير والترهيب التي تنتج الإرهاب والإرهابيين. لا يمكن معالجة الإرهاب بالحرب والحسم الأمني والعسكري بمعزل عن معالجة الفكر الذي ينتج الإرهاب. ان الاقتصار على الحل الأمني للإرهاب والسماح بسيادة الفكر الذي ينتج الإرهاب يعني ان التناقض مع الإرهاب والإرهابيين يعد ثانويا، وهذا يفسر دعم منظمات إرهاب ومحاربة أخرى، واستخدام منظمات الإرهاب في إعادة بناء النفوذ والسيطرة الداخلية والخارجية. 
Mohanned_t@yahoo.com