أزمة قطر: أبعاد اقليمية وفلسطينية

الجمعة 09 يونيو 2017 04:30 م / بتوقيت القدس +2GMT
أزمة قطر: أبعاد اقليمية وفلسطينية



أطلس للدراسات / مركز دراسات الأمن القومي/ بقلم: كوبي ميخائيل ويؤال جوزنسكي

لم تكن الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي يومًا نموذجًا استثنائيًا للتعاون، وليست كذلك في الحاضر. على الرغم من وحدتهم ضد قطر بقيادة العربية السعودية، يبدو واضحًا هذه المرة ان الكويت وعمان اختارتا عدم الانضمام إلى هذه الخطوة، بينما انضمت إليها كلٌ من مصر والبحرين والحكومة المعروفة في اليمن وجزر المالديف، وبقدر محدود الأردن والمغرب، عدم الاصطفاف قد يمكنهم من تشكيل وسطاء محتملين بين قطر وبين العربية السعودية.

الدوافع

 عدا عن الثارات الرسمية التي نسبت إلى هذه الخطوة والثارات التلميحية أو الخفية (على سبيل المثال البغض الشخصي الذي يكنه الملك السعودي لأمير قطر أو لقاء الأمير القطري مع قائد الحرس الثوري الإيراني والشائعات بشأن الهجمة الالكترونية الروسية)، والتي تركز الانتباه على منظومة العلاقات الثنائية بين قطر والمحيط العربي وإيران؛ فمن المهم ان نقف أيضًا على الانعكاسات المحتملة لهذه الأزمة - الأكثر خطورة منذ تدشين مجلس التعاون الخليجي عام 1981 - على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية.

الرئيس ترامب وضع حماس في زيارته للعربية السعودية و"داعش" والإسلام الراديكالي في سلة الإرهاب، وأوضح ان الولايات المتحدة لن تبدي تسامحها تجاه الدول الداعمة للإرهاب، وهكذا استغلت عدد من الدول العربية أقوال الرئيس ترامب لتنفيذ الخطوة في التوقيت الحالي باتهام قطر بأنها تدعم الإرهاب، وبدعم التخريب في بلدانهم. لم تقبل السعودية الإجراءات الخفيفة التي اتخذتها قطر بطرد بعض أفراد حماس من أراضيها، وذلك لأن الهدف والأبعاد لتلك الأزمة أكثر من ذلك بكثير.

بين إسرائيل وحماس

شكلت قطر قناة اتصال بين إسرائيل وحماس، سواء كانت تهدف إلى دفع رواتب قادة حماس وتمويل تزويد الكهرباء الإسرائيلية لغزة أو إرسال الرسائل والمساعدة في إعمار القطاع، وعلى الرغم من ان إسرائيل تتعاطى في ذلك مع قطر؛ إلا انها ممتعضة بسبب دعم قطر لحماس والرعاية التي تمنحها لقيادتها، كما كانت غاضبة بسبب تشويش جهود إحراز اتفاق وقف إطلاق النار على أساس المقترح المصري خلال عملية "الجرف الصامد".

تعترف إسرائيل بأن التعاون مع الامارة له مزايا أكثر من الأضرار، من بينها إعاقة الخطوات الإيرانية وإضعاف نفوذها لدى حركة حماس وتأثيرها على ما يدور في قطاع غزة.

حكاية الحب القطرية مع الاخوان المسلمين (وسيما في مصر) وبحكمه مع حماس، لا يتماشى مع ميل بقية أعضاء مجلس التعاون الخليجي التقليدي، فإلى جانب التضامن الذي أبدته قطر مع التطلعات القومية الفلسطينية، الاستجابة للأصوات المتصاعدة "في الشارع العربي" جعل هذه الدول تبدي تشككها، ولا أريد ان أقول عدائها تجاه حركة حماس والايديولوجيا التي تمثلها. تعتبر حماس في منظورهم فصيلًا عسكريًا تابعًا للإخوان المسلمين، يضر بالأمن القومي المصري والنظام بالتحديد، ويقلقل حكم السلطة الفلسطينية، ويعتبر دليلًا على قدرة الحركات الإسلامية على تولي الحكم.

دعم قطر لحماس واستثماراتها في غزة تنسجم تمامًا مع السياسات الخارجية الاستثنائية الوجودية لهذه الامارة الصغيرة ومحاولاتها لترك بصمات وزيادة نفوذها.

الأمن القطري

السند الأمني الأمريكي، حيث يوجد في قطر القيادة الاقليمية التابعة للقيادة الأمريكية المركزية CENTCOM، يسمح هذا السند أيضًا بنشاطات قطر السياسية، قطر من الدول الغنية في العالم من حيث الناتج المحلي الاجمالي للفرد الواحد، بمعرفتها ان أمنها القومي محفوظ. في الكثير من الحالات سعت الولايات المتحدة إلى استخدام علاقات الامارة مع مختلف اللاعبين ومن بينهم التنظيمات الإرهابية مثل حماس، وإلى استخدام "خدماتها الجيدة" كجهة وسيطة. تعتقد قطر بأنه ومن خلال علاقاتها مع جهات مثل إيران وطالبان وحماس انها تشتري لنفسها نفوذًا، لكنها تشتري أيضًا "وثيقة تأمين" تأمّن من خلالها ضررًا قد يقع عليها من هؤلاء.

دعم الامارة لحماس - وهو الدعم الأكبر المقدم من أي دولة عربية أخرى - يعبر عنه تعزيز قدرات حماس السلطوية في القطاع، وسيما من خلال دفع الرواتب والمساعدة على تزويد غزة بالكهرباء المنتظمة من إسرائيل وتقديم المشاريع الإنسانية والبنيوية في قطاع غزة وبمساعدة إسرائيل ومصادقتها؛ بل لقد وردت تقارير حول محاولات قطر بالوساطة بين إسرائيل وحماس، والتي تهدف إلى تبادل الأسرى ودفع إقامة ميناء قبالة شواطئ القطاع وإيصال المساعدات لأهالي القطاع.

تداعيات عزل قطر

- قطع العلاقات مع قطر الذي أعلنت عنه مجموعة الدول العربية بقيادة العربية السعودية ومصر، وأقوال الرئيس ترامب التي تعتبر هذه الخطوة إنجازًا للسياسة الأمريكية، وأنها خطوة مهمة لتقويض "الإرهاب الإسلامي" وإعاقة خطوات إيران في المنطقة، إغلاق المجالات البحرية والجوية والحدود البرية مع العربية السعودية؛ تعتبر بمثابة إعلان حرب، ومن شأنها ان تقود إلى الفوضى في الامارة، وإن سارع الأمريكيون إلى مساعدة قطر من خلال جهود الوساطة والتهدئة، وعلى ضوء أهمية قطر الاستراتيجية بالنسبة لهم واضح ان قطر ستضطر إلى دفع ثمن، ومهما كان الثمن الذي ستدفعه قطر فسيكون له تأثيره أيضًا على منظومة العلاقات مع حماس وإيران.

- إعاقة خطوات قطر من شأنها أن تقود أيضًا إلى إخراجها من القطاع وتقليل دعمها لحماس أو إنهائه على الأقل على المستوى العلني إذا لم تدرس حماس من جانبها تحسين علاقاتها مع المعسكر السني البراغماتي، حيث الثمن المطلوب هو أيضًا في تغيير سياستها تجاه السلطة الإسرائيلية وإسرائيل، فقد تجد نفسها في عزلة تامة تدفع بها إلى أحضان الإيرانيين كملاذ أخير بقي أمامهم. سيناريو مثل هذا يرفع مستوى إمكانية جولة عنف أخرى في قطاع غزة وتفاقم الأزمة الانسانية في القطاع.

- الإبقاء على مكانة قطر في قطاع غزة واستمرار إسهامها في إعمار القطاع تتناقض مع الأهمية التي توليها إسرائيل لتعميق العلاقة مع المعسكر السني البراغماتي.

- مجهود إسرائيل لحشد مواقف المعسكر السني البراغماتي ضد حماس وضد قطر يتماشى مع الأفضلية التي يوليها ذلك المعسكر لإعادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة، ولجم قطر في الواقع المعقد الذي أوجد؛ تفعل إسرائيل الصواب إذا ما شجعت التدخل المباشر والأكثر عمقًا للمعسكر السني البراغماتي في قطاع غزة، والذي يمكن ان يمثل ثقلًا ضد إيران.

الخطوة الحالية تشبه إلى حد ما الضغط الذي مارسته الدول على قطر في العام 2014، لكن هذه المرة يدور الحديث عن ضائقة اقتصادية ثقيلة يراد منها ممارسة الضغط على الأمير ليغير من سياسته، بل وربما تؤدي إلى إسقاطه.

إسرائيل ستقوم بفعل الصواب إذا ما توصلت إلى تفاهمات مع النظام الأمريكي لكي لا تدفع قطر إلى الزاوية أكثر ممّا يجب، فقد يؤدي ذلك إلى تقربها أكثر من إيران. المصلحة الإسرائيلية هي ان تقترح واشنطن على الأطراف حلًا يوفر لهم مخرجًا مشرفًا، وفي المقابل استغلال هذه الساعة الموائمة لجعل قطر - التي هي كنز عسكري استراتيجي مهم للولايات المتحدة - تطبق عددًا من التزاماتها السابقة التي لم تطبقها مع التأكيد على تبريد علاقاتها مع إيران وحركات الاخوان المسلمين في المنطقة، ومن بينها حماس.

في 7 يونيو 2017 ورد تقرير عن مكالمة هاتفية أجراها الرئيس ترامب مع أمير قطر اقترح فيها مساعدته لحل الأزمة، يُحتمل انه نشأت فرصة هنا لنسج المعسكر السني البراغماتي وقطر في نسيج واحد، والتي وضعت في مكانها لخطوة واسعة من إعمار قطاع غزة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية وضمها إلى الغلاف الخارجي الذي يحيط بقطاع غزة، يمكن وبمساعدة إسرائيل والتعاون معها وبتواجد فاعل للسلطة الفلسطينية إقامة مناطق محمية لبنى الطاقة والمياه والصناعة الضرورية لقطاع غزة. ربما في عملية سياسية صحيحة يكن تحويل أزمات قطر وحماس البادية إلى رافعة إيجابية لتصميم الواقع الغزي من جديد ومن ثم الواقع الإسرائيلي الفلسطيني فيما بعد.

الخلاصة

حتى وإن كان العمل ضد الحركات الإسلامية الراديكالية وداعميها هو مصلحة أمريكية إسرائيلية واضحة، فإن دعم واشنطن في الخطوة المتخذة بحق قطر - كما وردت في تغريدات الرئيس ترامب على "تويتر"، والتي عدلت بعد ذلك في أقوال مسؤولين كبار في النظام وفي المكالمة الهاتفية للرئيس مع أمير قطر والقوة المبالغ فيها من الضغط الممارس عليها؛ من شأنها ان تزيد عدم الاستقرار في الخليج، وتزيد تفجر الوضع في قطاع غزة، وتجعل من الصعب أكثر على الولايات المتحدة ان توحد المعسكر السني في إثرها.