قطر والإخوان بما فيهم حماس: ليست بداية افتراق بل إعادة تموضع

السبت 27 مايو 2017 12:31 م / بتوقيت القدس +2GMT
قطر والإخوان بما فيهم حماس: ليست بداية افتراق بل إعادة تموضع



كتب د. علاء أبوعامر : 

       

تصريحان هامان وفي وقت واحد أحدهما لوزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن أل ثاني قال فيه "ليس هناك اي دليل على ان قطر لها علاقة بجماعة الاخوان!" والثاني للسيد محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحماس في قطاع غزة قال فيه"إنه يتوجب علينا أن نقف مع كل دولة تقف معنا وتدعمنا، طالما أن ذلك لا يمس أرضنا وشعبنا وثوابتنا ومقدساتنا، وفي مقدمتها إيران" وأضاف: "أطالب بإعادة ترتيب العلاقة مع كل دولة تقف معنا، سواء أكانت إيران أو تركيا، أو كوريا أو أي دولة أخرى يمكن أن تقف معنا، لأن القضية ليست تمايز أخلاقي أو تمايز ديني أو وطني؛ بل أصبحت مصالح"- من الغريب أنه لم يذكر الحليفة قطر!

الأول أي (ال ثاني) يتخلى لفظياً علناً عن الإخوان ويدفع عن بلاده التهمة والثاني يبحث عن مخارج للازمة التي ستُحكم حلقاتها قريبا على حماس في الخارج والداخل.

قطر دولة والدول الصغيرة من السهل أن تغير من سياساتها وتستبدل حلفائها عندما تتعرض مصالحها ومؤسسة الحكم فيها للخطر، قطر دولة غنية بالنفط والغاز وبالتالي بالمال لذلك ليس مطلوبا منها سوى ترحيل قيادات الإخوان وتفرعاتهم المقيمة على أراضيها (وهم يحظون برعاية مميزة جداً من حكوماتها وأميرها )،وتوقف سياساتها الضارة بحلفائها في الخليج والمتمثلة بالتقارب مع إيران، لن تفعل قطر ذلك مكرهة وستبقى في مرمى نيران الإعلام السعودي والاماراتي والمصري وهجوم وسائل الإعلام الامريكية والأوروبية وقد لا يقتصر الأمر على الإعلام فقط، فتصنيف قطر على قائمة الدول الداعمة للإرهاب يعني فيما يعني ملاحقة قادتها ومؤسساتها وإعلامها.

لا يمكن تصور قطر دولة ذات قيمة دون التنظيم الدولي للإخوان، ودون لعبها على التناقضات الإقليمية والدولية ودون القواعد العسكرية الامريكية على أراضيها ، فهذه الدولة الصغيرة في حجمها ، لن يكون لها شأن إلا في حقول الغاز وتصديره،  فهي ستُذكر دائماً كأحد أكبر مُصدريه، إلغاء اللعب على التناقضات وطرد الإخوان كما يرغب جيرانها في الخليج ومصر، يعني تحجيما كبيراً وضربا للطموحات الأسطورية التي روجت لها الدعاية والإعلام القطري والإخواني المدفوع الأجر حول ما سمي بالمعجزة القطرية أي تحول دولة صغيرة المساحة إلى دولة عظمى تناطح عمالقة مثل روسيا الاتحادية وتُشتت قدرات دول إقليمية كبرى مثل سوريا ومصر بل وتُسقط حكومات مثل ليبيا القذافي وتتعامل بندية مع السعودية.

قوة قطر لم تكن ذاتية ولم تعتمد على لعبة السياسة فقط بل كانت برضى أمريكي في أحيان كثيرة بل في أغلب الأحيان ، إذ لم يكن من الممكن أن يأخذ الدور القطري مداه أثناء ما سمي ربيعا عربيا لولا موافقة إدارة أوباما وبعض أوروبا وتحديدا فرنسا التي قاد أحد فلاسفتها من الصهاينة التنظير والتنسيق للربيع العربي.

نجح القطريون في بداية الأمر وأصبحوا طرفاً هاماً في السياسة الدولية إذ لم يكن من الممكن الحديث عن بلاد العرب إلا وأخذهم بعين الاعتبار.

ولكن كل ذلك بدأ بالتراجع عندما دخل منافس خليجي قوي على الأحداث هو السعودية التي هيمنت على الدور القطري وأزاحته إلى المرتبة الثالثة ،وهنا بدأ التنافس يأخذ شكلا مدمراً فقد توجهت قطر لدعم ما تفرع عن الإخوان من تنظيمات مسلحة على الأرض السورية بالتعاون مع تركيا الإردوغانية حليفة الإخوان والمقر الرسمي الأول للمعارضة السورية الممولة قطرياً، وتخطت قطر الخطوط الحمراء بدعم تنظيم القاعدة بفرعه السوري (النصرة- فتح الشام) وقد غضت الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الطرف عن هذا التعاون بل وأيدته ، في المقابل ظهر داعش المُنشق عن القاعدة والمنافس لها والذي أثبتت الوثائق الروسية حول قوافل النفط أن مسارها ينتهي بمصافي النفط التركية والتي يكون طريقها النهائي في كثير من الأحيان في الموانئ الإسرائيلية وغيرها وظل هناك سؤال يُطرح هل كانت قطر شريكة لتركيا في ذلك؟

لا دليل على ذلك إلا أن قناة الجزيرة وكثير من القنوات المحسوبة على الإخوان كانت تنظر اليهم في البداية بعين العطف إلى أن أعلن أبوبكر البغدادي الخلافة، هنا حصل خلاف سياسي بين الطرفين، لكن اللافت أن قناة الجزيرة القطرية لم تستخدم مصطلح (داعش) الذي لا يحبذه التنظيم الإرهابي بل حافظت على مصطلح تنظيم الدولة الإسلامية.

فكر ومرجعيات كل الجماعات الإرهابية التي قاتلت ومازالت تقاتل الجيش العربي السوري والجيش العراقي والجيش المصري ، وهابية، سلفية، إخوانية، أي سعودية وقطرية، وفي الحقيقة لا يمكن الفصل بينها بسهولة فهي أفكار أبن تيمية وأبن القيم وأبو الأعلى المودودي، وسيد قطب. مرجعيات تكفيرية تنظر إلى أغلبية المسلمين السنة قبل غيرهم من الجماعات والمذاهب والطوائف الأخرى على أنهم جماعات تعيش جاهلية ثانية بحاجة إلى إعادة الأسلمة.

حولت قطر وفضائيتها الصراع في المنطقة العربية من صراع على السلطة ما بين أنظمة وطنية، قومية، دكتاتورية وشعوب تطالب بالحرية إلى صراع وحرب طائفية ولم يقتصر الأمر على قطر بل وشاركت تركيا اردوغان التي كانت تهدف من خلال هذه السياسة الممنهجة أو المبرمجة  تمكين الإخوان من الحكم فلا يمكن أن يحصل الأخيرين على الحكم إلا إذا ظهروا كمنقذين وممثلين (للأمة السنية)،  فقط من خلال المذهب والتركيز على المذهب والفصل بين فئات الشعب أبناء الوطن الواحد يمكن تمرير المخطط حيث لا يمكن اعتبار الإخوان تنظيما معني بحقوق الإنسان أو الديمقراطية أو الحريات باي شكل من الأشكال فالإخوان على النقيض من هذه المبادئ.

لم يكن للمؤامرة أن تمر دون طوئفتها ومذهبتها حتى يتم الحشد الكبير وإعلان الجهاد المقدس ضد (فرق المجوس- كل من هو ليس من أهل السنة) فدون حشود مذهبية وأدلجة الصراع ما كان لدى التنظيمات المعارضة المصنوعة في الدوحة وإسطنبول أن تجد مجندين لخوض غمار الحرب التي أنضم إليها نخب فكرية وأدبية من المهاجر لدعم الحرب على الدكتاتورية العلوية والشيعية في العراق والشام.

صحيح أن إدارة أوباما أبدت تعاطفا بل وقدمت دعما لهذه الرؤية إلا أن من قام بالعمل الميداني فيها هما الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام والصهيوني الفيلسوف الفرنسي بارنارد هنري ليفي وهو ما يعني أن الجمهوريون الذين يقودهم اليوم دونالد ترامب لم يكونوا خارج التخطيط والتنفيذ بل كانوا في الميدان. لا يمكن وصف ما حدث بأحداث عفوية بل مخطط لها بدقة من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية.

 ولم تكن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعيدة عن هذا المخطط،  فقد اعتبرت الفرصة سانحة للقضاء على كل أعدائها دفعة واحدة من خلال تشتيت شملهم ، بل وقدرت الأمور لما بعد ربيع العرب الفاشل في كل شيء إلا في تدمير الأوطان وتحدثت وثائق هرتسيليا عن تحالف سني إسرائيلي ضد إيران وحلفائها.

تخلت حماس فرع الإخوان الفلسطيني عن حلفائها في حلف الممانعة مزهوة بانتصارات التنظيم الدولي للإخوان وحلفائه وموزعة الحلوى في شوارع غزة وهي ترى حلفائها في الأيديولوجيا يفوزون بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصرية والتونسية والمغربية وزعوا الحلوى وغنوا لما اعتقدوه انتصارات العصر الإخواني المؤدي إلى الخلافة.

تخلت حماس عن حلف الممانعة المقاوم لإسرائيل والولايات المتحدة لتلتحق بحلفائها أو مرجعياتها في الإيديولوجيا والخلافة، تخلت عن المقاومة بمفهومها التحرري وأبقت عليها بمفهومها الدفاعي لتلتحق بالحكم الإخواني، والحلم والطموح، رأت كل ذلك قد تحقق، حلم الإخوان الذي سعوا إليه 90 عاماً، أوصل خليفة اسمه محمد مرسي إلى الحكم.

  لكن كل ذلك إنهار كبيت من ورق، حسابات الحقل لم تكن كحسابات البيدر فالمايسترو الذي يقود اللعبة ويوجها لن يسمح للإخوان وحلفائهم بالسيطرة والوحدة لأن المطلوب كان التفتيت لا الوحدة وكذلك لم تكن الأطراف الحليفة لسوريا وإيران لاعبي كومبارس ولا هم بهلوانات سيرك، دخلت روسيا وإيران وحلفائها على الخط وقلبت اللعبة ورسمت خطوطا حمراء بالنار وقام الجيش المصري بقيادة الجنرال السيسي بتوجيه ضربة قاضية قسمت ظهر التحالف التركي الإخواني القطري.

ابتعد اردوغان عن حلفائه في الناتو قليلا في خطوات تكتيكية وأقترب من روسيا منتظرا عهد ما بعد أوباما ولكن من جاءه هو ترامب الذي واصل سياسة سلفه الكردية في تحدي لاردوغان.

قطر في عين العاصفة وكذلك الإخوان كل الإخوان، وعلى رأسهم حماس التي قدمت وثيقتها المتناقضة في فترة حرجة للغاية كانت تسعى من خلالها إلى تجنب وصفها بالإرهاب تخلت ولو لفظيا عن ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين العالمية وصاغت نفسها كحركة تحرر وطني إسلامية، لم ترق وثيقة حماس المتناقضة لأحد إلا للسيد اردوغان الذي مارس هو وحكومته ضغوطا على حماس للخروج بوثيقة تعترف بحدود عام 67 كحدود لدولة فلسطين المنشودة.

حماس تمشي على حبل رفيع قطري إيراني تركي. الهجوم على الإخوان وحلفائهم سيؤدي بالضرورة إلى عودة حماس إلى مربع التحالف القوي مع إيران وحلفاء إيران وهو ما تعكسه السياسة القطرية والتركية حاليا إي الذهاب باتجاه تحالف إخواني إيراني تركي قطري وفي ذلك أرباك لمخططات السعودية وإسرائيل، تقوم تركيا وقطر والإخوان بهذه الانعطافة الصغيرة دفاعا عن الذات كون ما حدث في الرياض يستبعدهم ويجعلهم لاعبين صغار بل وقد تسير قافلة الناتو العربي الإسرائيلي دون أن تمنحهم دورا كبيرا بحجم (تضحياتهم) المالية والبشرية.

السؤال هو هل ستقبل إيران وحلفائها بهذا الاصطفاف وإعادة التموضع؟

بالمنطق الإلهي "لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين"، من الصعب قبول ذلك، ولكن ووفق قول الشيخ محمود الزهار ذاته فإن المصالح تتطلب ذلك.

خطاب الأمير تميم والذي قلب الدنيا عليه يقول ذلك وبكل صراحة، وهناك تقارب قطري تركي ملموس مع إيران ومعسكرها مازال في السياسة والإعلام دون ترجمات لتحالف على الأرض السورية، لا أدري إن كان باستطاعة قطر الاستمرار في اللعب على التناقضات وهي المحكومة والمحمية بالقواعد الامريكية المهددة بالنقل إلى الامارات أي بنزع الحماية والمظلة الامريكية؟

ولكن حماس يمكنها ذلك رغم الفيتو السوري ولكن الثمن الذي ستدفعه سيكون غاليا دماءً فلسطينية غزية كثيرة على مذبح المصالح الإقليمية والتمسك بالحكم في غزة.

 سيكون مؤلما للرئيس بشار الأسد رؤية ذلك بإحدى عينيه وأما بالعين الأخرى فسيرى أعداءه الأكثر جذرية يتحولون إلى حلفاء له أو لنقل إلى حلفاء حلفاءه تكتيكيا. في السياسة لا ثبات في المواقف إلا وفق المصالح.

 هناك خطوات تمت على رقعة الشطرنج الكبرى، اللاعبون الصغار هم وقود المعركة، حطب النار عندما تشتعل وتستعر.

 حماس وقطر لاعبين صغار، الدور القطري ربما يكون قد شارف على نهايته أمريكيا ولكن سيبقى لديه أمل لممارسة ألعاب جديدة وفق الرؤى الأمريكية المستقبلية التي ستظل عجلتها تدور ولن تتوقف، وبالتأكيد لن يتم الغاء دور الإخوان المسلمين كلياً، فهم يستطيعون الاستمرار ولكن ضمن ألوان جديدة غير الوانهم القديمة الفاقعة والتي بهتت بفعل الاستهلاك وأصبحت منبوذة.

تستطيع قطر وتركيا والإخوان لعب دور حاسم في إنهاء الحرب في سوريا فأدواتهم هناك قد تكون الأقوى في المعارضة المسلحة ولكن ذلك يتطلب ثمن من سوريا وروسيا وقد يدفع بشكل أو بأخر لضرب حلف الناتو العربي الإسرائيلي.

 أما حماس وحكمها في غزة فهما في عين العاصفة، ستُعصر غزة عصراً في الإجراءات غير المسبوقة، الانحناء للعاصفة ليس استسلاما دائماً فهو في أحيان كثيرة سياسة وذكاء ودهاء، على حماس أن تكون ذكية وتتوجه إلى فلسطينيتها بعد أن ثبت أن أخوانيتها السياسية لا الدعوية ضارة بها وبالشعب الفلسطيني.

تستطيع حماس الانفتاح على إيران وحلفها كي تحصل على المال والدعم فالاضطرار يقود إلى ذلك، ولكن الأفضل بل أفضل الأفضل أن تتموضع في المرحلة الراهنة في حضن الوطنية الفلسطينية إذ أن باقي الخيارات ربما تكون مدمرة لها ولغزة.

مفكر وباحث فلسطيني