الصراع على الموقف الأميركي بين الحلفاء العرب ..محمد ياغي

الجمعة 26 مايو 2017 03:39 م / بتوقيت القدس +2GMT



فجأة وبدون أدنى مقدمات أصبحت دولة قطر مستهدفة من عدد من الدول التي حاولت قطر حتى وقت قريب أن تكسب ودها، أو أن تتجنب خوض صراع مفتوح معها، خصوصاً وأنها تشاركها الموقف السياسي مما يجري في سورية واليمن على الأقل. 
الإستهداف يأتي في وقت نفت فيه قطر مراراً في وسائل إعلامها وعلى لسان مسئوليها وفي المواقع الإعلامية التي تدعمها ما قيل بأنها تصريحات صادرة عن أميرها. 
التصريحات، وبرغم النفي، ليست بعيدة عن المواقف السياسية المعلنة لدولة قطر. مثلاً، رغم معارضة قطر للتدخل الإيراني في اليمن وسورية والعراق، إلا أنها ترى في "إيران عامل إستقرار في المنطقة وأن لا حكمة في التصعيد معها." وترى قطر أيضاً  أن "الإخوان المسلمين ليسوا جماعة إرهابية" وأن "مصدر الإرهاب هو النسخة المتطرفة من الإسلام التي تتبناها بعض الدول." وهي أيضاً ترى أن "حماس وحزب الله حركات مقاومة" وأن "القاعدة العسكرية الأميركية في قطر تمثل مصلحة مشتركة للدولتين." وقطر أيضاً، لا تنفي وجود علاقات بينها وبين إسرائيل. 
هذه المواقف السياسية تؤكدها دائما "الجزيرة" في برامجها الإخبارية وهي معلنه في المواقع الإعلامية التي تدعمها قطر وهي ثابته أيضاً في صحفها القومية. 
قيادة "حماس" موجودة في قطر وتمارس نشاطها فيها. وعلاقة قطر ب "حزب الله" وإيران حتى بداية الأزمة السورية كانت قوية جداً. ولا زالت قطر تدعم الإخوان المسلمين وتوفر لهم الملاذ الآمن والتمويل والتغطية الإعلامية. 
على أية حال، قطر نفت أن تكون هنالك تصريحات صادرة عن أميرها تعبر عن هذه المواقف، لكنها لم تنف السياسات التي نسبت إليها بإستثناء ما قيل بأنها تعتبر "حماس" الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني. 
قطر لم تنف مثلاً رفضها التصعيد مع إيران، أو أنها لا ترى في الإخوان جماعة متطرفة أو أن حماس توقفت عن أن تكون حركة مقاومة! 
الصراع بين الدول العربية (مصر والإمارات والسعودية والبحرين) من جهة، وقطر من جهة أخرى، هو حقيقة إمتداد لصراع داخل الإدارة الأمريكية نفسها.  
مواقف قطر السياسية مماثلة لتلك التي تمثلها وكالة المخابرات المركزية والخارجية الأميركية، وهي تتعارض مع مواقف إدارة ترامب الحالية. 
المخابرات المركزية لديها مختصين في الفكر الإسلامي، وبعضهم لهم كتبهم المنشورة، وهم يميزون بين التيارات الإسلامية ويدركون أن النسخة المتطرفة للإسلام السياسي مصدرها الفكر الوهابي، وأن الإخوان المسلمين ليسوا تياراً واحدا وأن تاريخهم يؤكد إستعدادهم للإقتراب من الفكر الديمقراطي والتجديد في الخطاب الإسلامي. 
البحث عن بديل لأنظمة الإستبداد في العالم العربي توفر قدراً من الإستقرار وتحظى بالقبول الجماهيري كان من أهم الأسئلة التي حاولت المؤسسات الأميركية، مثل وزارة الخارجية والمخابرات المركزية، ومعهما عدد كبير من مراكز الأبحاث الإجابه عنها خصوصاً بعد أحداث ١١ سبتمبر. 
"الإخوان" وبسبب التغير الذي جرى في خطابهم (قبول التعددية السياسية والإنتخابات كأداة للتبادل السلمي للسلطة) أصبحوا مقبولين كبديل للأنظمة القائمة. لذلك لم يتم رفضهم أو العمل على إسقاطهم عندما وصلوا للسلطة في تونس ومصر بعد الثورات التي حدثت فيها. 
وعلى الرغم من تصنيف المخابرات المركزية لحركتي حماس وحزب الله على أنهما حركات إرهابية إلا أن المخابرات المركزية تعلم بأن نشاط هذه التنظيمات محصور في مواجهة إسرائيل وأن نشاطها الدولي "محدود جداً." 
الخارجية الأميركية والمخابرات المركزية هما أيضاً المؤسستان اللتان إعتمد الرئيس أوباما عليهما في تبني مقاربته للإتفاق النووي مع إيران. الخارجية الأميركية هي التي فاوضت إيران، والمخابرات المركزية هي التي إقترحت "الميكانيزم" الخاص بعملية مراقبة الإتفاق النووي والتحقق منه. 
الحقيقة أن قطر لم تكن غائبة في كل ذلك. إنشاء قناة الجزيرة، إستضافة قادة حماس والإخوان المسلمين وحمايتهم، تشكيل مراكز تدعو للديمقراطية في العالم العربي، وإفتتاح مكتب لحركة طالبان على سبيل المثال ما كان له بطبيعة الحال أن يتم بدون موافقة أميركية، أقله من أجل توفير الحماية.  
كيف ل "قطر" أن تستضيف خالد مشعل مثلاً وتحميه من إسرائيل إن لم تكن هنالك ضمانات أميركية بذلك. وكيف يمكن إستعداء السعودية أو إتخاذ موقف سياسي يتعارض معها إن لم تكن هنالك ضمانات أميركية تحمي قطر. جميعنا يعلم ماذا جرى في البحرين عندما قررت العربية السعودية أن ما يجري في ذلك البلد لا يخدم مصالحها؟ ونعلم ما يجري في اليمن  منذ سنتين عندما إرتأت السعودية أن ما حدث فيه كان إنقلابا على الشرعية؟ قطر لا يمكنها أن تجازف بمواقف سياسية تكسبها عداء محيطها إلا إذا كانت هنالك ضمانات لحمايتها. 
أمريكا وفرت هذه الضمانات في السابق وهي توفرها اليوم أيضاً. 
ما الجديد إذاً؟
الجديد أن من إستثمر أكثر من 350 مليار دولار في إدارة ترامب يعتقد أن بإمكانه الإستفادة من ذلك لتغير مواقف قطر وسلوكها السياسيين. 
هؤلاء يراهنون على أن البيت الأبيض منحاز اليوم لهم. كما أعلن ترامب في الرياض، إدارته لا تسع الى إحداث تغير في النظم السياسية العربية مثل الإدارة السابقة،  وإدارته ترى أن إيران هي الدولة التي تدعم الإرهاب في الشرق الأوسط، وأن حماس وحزب الله حركات إرهابية.
مواقف إدارة ترامب السياسية، مضافاً لها المبالغ المالية الطائلة التي تم إستثمارها في هذه الإدارة، على الأقل، في إعتقاد العربية السعودية وحلفائها، عليه أن يكون كافياً لإجبار دولة صغيرة الحجم مثل قطر على التخلي عن دعم الإخوان المسلمين، معاداة إيران، التوقف عن الترويج للديمقراطية، وتبني سياسات مطابقة للسعودية وحلفائها. 
نسى هؤلاء أن قطر، ومع إحترامنا الشديد لإستقلالها السياسي، لا يمكنها ولأسباب موضوعية، أن تلعب الدور الذي تقوم به اليوم بدون الموافقة الأميركية، وهي موافقة سابقة لإدارة ترامب ومبنية على حسابات إستراتيجية لم يطرأ عليها تغير.