هكذا يذهب الرئيس أبو مازن للقاء دونالد ترامب ..حسين حجازي

السبت 29 أبريل 2017 09:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT




 

يذهب الرئيس أبو مازن إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض بعد أيام، ليس كما فعل من قبل في لقاءاته مع الرؤساء الأميركيين السابقين، ففي هذه المرة يكتسي البعد الشخصي الإعجاب المتبادل او ما يسمى بُعد الكيمياء الشخصية ربما يكون حاسماً، له الأولوية على الأمور الأُخرى في هذه المحادثة المهيبة مع رئيس اميركي في البيت الأبيض، يختلف في هذه المسألة الشخصانية عن جميع أسلافه السابقين.
فهل ينشأ هذا التعاطف من لدن هذا السيد الجديد بعد ان يستمع الى سردية الرجل عن المظلومية التي يرزح شعبه تحتها، وانه أن الأوان لملك عادل ان يقوم بدوره؟ وان الطريق إلى إنجاز العدالة التاريخية لهذه المطالب سهل، خط واحد قصير هو حل الدولتين وحيث غزة جزء من هذه الدولة وليس دولة بدونها.
ويذهب الرئيس الفلسطيني الى هذا اللقاء المهم والحاسم بينما يقف شعبه تحت تأثير الإضراب التاريخي والكبير للأسرى الفلسطينيين، على عتبة انفجار وثورة واسعة واكثر شمولية ربما تستدعي صورة الانتفاضة الأولى الكبرى العام 1987، اذا لم يعجل الرئيس ترامب والمجتمع الدولي بوضع حد لهذا الجنون والتطرف الإسرائيلي، لأن الحالة الفلسطينية تقول عبر هذا الحراك الشعبي الفلسطيني لقد طفح الكيل وما عاد بمقدورهم مواصلة البقاء والعيش تحت الاحتلال، وسوف يُعلمون بأنفسهم الاحتلال انه بدوره لن يعود بمقدوره التحكم في حياتهم كما في السابق.
لعله يذهب وحيداً لكن قوياً إذا كانت مناورته الأخيرة قبل أيام مع "حماس" في غزة قد حققت الهدف السياسي منها، وكانت الرسالة واضحة لكل من يفكر باختراقه من هذه الزاوية، إسرائيل وبعض الأطراف في الإقليم، فهذه غزة يا سيادة الرئيس جزء من صلاحية ومسؤولية السلطة رغم الخلاف مع "حماس"، لأن من يدفع المال هو من له القرار بالأخير. وكاقتصادي ورجل جاء من السوق بل وكعبقري في التسويق كما يقول البعض، فإنه يفهم ذلك.
والواقع انه لا يجب ان نستبعد هذا البعد غير المرئي حتى ربما لـ "حماس" في الضغوط الأخيرة التي يمارسها الرجل، كمحاولة أخيرة لقطع الطريق على هذا البعض الإقليمي وإسرائيل من النفاذ عبر غزة، للالتفاف على مشروع حل الدولتين، ومحو اثر ذلك لدى ترامب قبل الالتقاء به، اذ كان الرجل عندما شارك ضمن ما يسمى مجموعة قطر في تأسيس حركة فتح يعمل في وزارة المالية لدولة قطر.
لكن عندما يتم هذا اللقاء في الثالث من أيار القادم، فإنه يمكن النظر اليه على انه تمام العمل، او مسك ختام اللقاءات التي أجراها الرئيس ترامب مع الرجال الذين يمثلون أطراف اللعبة السياسية في أزمة الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي، بعد لقاء الرجل مع نتنياهو وبعده العاهل الأردني وولي العهد السعودي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأخيراً الرئيس الفلسطيني أبو مازن. ولكن هل لهذا السبب أي بعد هذا اللقاء الأخير أخذ الرئيس الأميركي قراره كما علمنا أخيراً بزيارة إسرائيل أولاً في وقت قريب ومبكر قرب نهاية شهر أيار القادم؟ وهل قرر الرجل ان يزور إسرائيل وحدها ام ان ساعة الحقيقة قد بدأت فيما يخص تصميمه الذي اكد عليه اكثر من مرة على إنجاز الصفقة الكبرى؟.
وها هو يبدي حرصه على الاستماع مباشرة الى صاحب القضية قبل ان يضع ومستشاروه الملامح والصياغة الأخيرة لمبادرته المنتظرة والعتيدة، على الأطراف جميعا من اجل تسوية هذا الصراع لأجل راحة البشرية، ولأجل ان يكون إنجازه الذي يحتاج اليه الآن مثلما كان يحتاج الى ضربته التي قام بها قبل مدة في سورية، باعتباره يفعل ما يقوله وذا صدقية وكرئيس مختلف عن رؤساء أميركا السابقين.
سيكون هذا اللقاء اذن حاسماً ولكن كفرصة امام أبو مازن، لكي يعدل او يصحح ما يمكن ان يكون قد تركه على الطاولة البعض ممن سبقوه، في لقاء مع رجل يتخذ قراراته غالبا تحت انطباعاته الشخصية، وشجاره الذي تعمد ان يكون صارخاً مع "حماس" في غزة كان مقصوداً، لكي يخدم موقفه. وفي أسوأ الأحوال فقد أوضح انه من يستطيع منح الشرعية او نزعها فيما يتعلق بتقرير مصير غزة، ولعل هذه المسألة هي احد هواجسه التي تثير القلق بالنسبة له. وهو يطرح القضية لأول مرة امام "حماس" على هذا النحو المصيري، فإما ان تقرروا السير معي، ان تسيروا معي وانا اريدكم في نهاية المطاف؟ إما ان نتحالف ونتوحد معاً للحفاظ على غزة كجزء من الدولة، او سوف تقفون وغزة كمجرد طُعم أمام الذئاب؟ وأنا لن أمنح الشرعية لذلك.
ومدعوماً بمبادرة مروان البرغوثي وأسرى حركة فتح نفسها في السجون الإسرائيلية، التي تعكس المزاج الشعبي الفلسطيني الذي يقترب من الانفجار في الضفة عموما كما في غزة، وفي هذه الأخيرة حتى على نحو متناقض أي على خلفية ضغوط الرجل على الناس بهدف الضغط على "حماس"، فإنه يقابل الرئيس ترامب على نوع من الصفيح الساخن الذي لا يسمح بعد الآن بأية فذلكات سياسية من قبيل حلول التفافية على اقصر الطرق، أي الخط المستقيم الواصل بين "أ" و"ب".
وسوف نعرف قريباً ان كانت الرسائل نفسها قد وصلت، وفيما اذا كانت المبادرة التي يعزم الرئيس ترامب على طرحها تمتلك شروط التسويق الناجحة بقبولها فلسطينياً، وإلا ستكون هذه فرصة أخيرة ضائعة اذا كان الفلسطينيون الذين صبروا وتحملوا كل هذا الوقت، ما عاد بمقدورهم مواصلة هذا الصبر والتحمل او التعامل مع اية حلول لا تصل بهم الى الخلاص. ان المزاج الفلسطيني اليوم هو المتغير الكبير الذي ينذر بالتحول الكبير، وهذا ربما لم يكن له مرة سابقة الا عشية الانتفاضة الأولى عام 1987، بعيد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت، وتبدد آمال الفلسطينيين بانتظار خلاصهم من الخارج.
وسوف نعرف بعد ذلك فيما اذا كان ترامب وهماً ام حقيقة؟ اذا كان جديراً بالرهان عليه أم لا؟ لكن ما نعرفه الآن او يقين وليس حتى اقرب الى الظن، ان شخصاً واحداً في العالم ليس سعيداً بأن يتم هذا اللقاء بين ترامب والرئيس الفلسطيني، بل وأكاد أقول ليس سعيداً الرجل لزيارة ترامب لإسرائيل واللقاء به، وهذا الرجل هو بنيامين نتنياهو. لأن حركة هذا الرئيس الأميركي الغامض والمثير للجدل بالنسبة لنتنياهو، ليست في الاتجاه الذي يرغب فيه اذا كان نزوله الى الشرق الأوسط والمنطقة هو لفرض الحل الذي لا يريدونه باي حال.
وما هو شبه اليقين انه بانتصار الاتجاه الليبرالي الوسط وهزيمة اليمين المتطرف يوم الأحد في فرنسا، بعد هزيمة هذا اليمين المتطرف في هولندا قبل ذلك. إنما هو إشارة عن بقاء الدور الأوروبي في صلب هذا الحراك الضاغط على إسرائيل بلا كلل او ملل حتى إنجاح حل الدولتين، وكاحتياطي في الضغط على ترامب نفسه اذا تخاذل في السير على طريق هذا الحل، وهو تحول يخدم الرئيس أبو مازن قبيل لقائه ترامب.
ويستبق الرجل بحسن الفطنة والذكاء واللياقة السياسية كما الاستقامة، المرور عبر القاهرة كما فعل هو وعرفات في مثل هذه المناسبات سابقاً. وكتعبير واضح عن مواصلة القادة الفلسطينيين السير على هذا التقليد، والرسالة الى سيد البيت الأبيض نحن العرب متفقون. لأن العرب الذين اجمعوا في قمة عمان على ما يقوله الفلسطينيون، وما نطالب به او نطرحه عليكم لا يخرجون عنه، وهذا هو الموقف الفصل.