حياة نتنياهو السياسية على المحك،، سليم ماضي

الأحد 23 أبريل 2017 10:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حياة نتنياهو السياسية على المحك،، سليم ماضي



دائماً ما يفتخر نتنياهو بأنه من جيل (الصابرا) الذي يطلق على من هم مواليد إسرائيل وذو أصول (أشكنازية)، حيث يتبع نتنياهو لأب بولندي وأم مواليد الولايات المتحدة الأمريكية، ويدرك نتنياهو بأن هذا أول وأهم شرط لتسيد زعامة إسرائيل، لأن النظام السياسي الإسرائيلي الذي قائم على التمييز والعنصرية بين مواطنيه ولا يسمح لغير الأشكناز بالوصول لقمة الهرم السياسي في إسرائيل.

بدأ نتنياهو حياته السياسية داخل إسرائيل عام 1988 كنائب وزير خارجية عندما انتخب عضواً في الكنيست عن حزب الليكود، ويعتبر نتنياهو أصغر من تولى منصب رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل، فقد كان عمره آنذاك 46 عام في ولايته الأولى عام 1996. وقد استطاع أن يحقق نجاحات لثلاث ولايات أخرى متتالية لرئاسة الوزراء منذ عام 2009 حتى الآن، لكن نتنياهو الذي بدأ حياته السياسية شاباً يتمتع بالشموخ والكبرياء وبكاريزما وحضور جماهيري قوي، لن يستمر بهذا العنفوان وهذا الكبرياء والشموخ على وتيرة واحدة، خاصة بعد التحقيقات حول شبه الفساد التي تلاحقه، وتقرير مراقب الدولة الذي حمله ومعهموشيه يعلون مسؤولية الإخفاق والاستهتار في محاربة الأنفاق في عدوان 2014 "الجرف الصامد"، إضافة إلى نجاح مجلس الأمن بإصدار قرار رقم (2334) الذي يدين الاستيطان، كل هذه الأمور بالإضافة إلى حالة الترف والفساد التي تقوم بها زوجته سارة، ومحاولات تدخلها في الشؤون السياسية بشكل سافر ومرفوض جماهيرياً وإعلامياً، لكن نتنياهو بدوره يتباهى بهذه العلاقة الزوجية الظاهرة للعلن بالرغم من كثر النقد والنقاد، كل هذه الأمور مجتمعة أثرت على شعبية وجماهير نتنياهو، وأظهرته كهلاً سياسياً،كما وأضحى ذليلاً وضعيفاً أمام خصومه السياسيين الذين ينتظروا بفارغ الصبر لتصفية حساباتهم السابقة.

وقد ظهر ذلك جلياً عندما هدد نفتالي بينيت- نتنياهو بعدم ذكر دولة فلسطينية في لقائه مع ترامب في البيت الأبيض، وكان بينيت قد نجح سابقاً في تمرير العديد من القوانين العنصرية التي كان يرفضها نتنياهو مثل (قانون التسوية)، وليس بينت فحسب من قادة اليمين الذي تجرأ على نتنياهو وإن كان هو أكثرهم ابتزازاً له، فهناك ليبرمان أيضاً في وقتٍ سابق، والآن نشهد خلافات نتنياهو-كحلونالتي اشتعلت منذ بضعة أيام حول سلطة البث وقد انتهت حسب شروط نتنياهو، إلا أن كحلون لم يستسلم أمام هيمنة وتهديد نتنياهو له بالانتخابات المبكرة، حيث يعي نتنياهو تراجع شعبية كحلون كون حزبه "كلنا" حزباً عابراً على الحياة السياسية في إسرائيل؛ لذلك كانت هناك هجمة مرتدة من كحلون على نتنياهو مستغلاً منصبه كونه وزيراً للمالية، ومن خلال مؤتمر صحفي وبدون اطلاع نتنياهو وحكومته عرض كحلون خطة لتحسين اوضاع الطبقة الوسطى جلهم من جمهور اليمين ويمين الوسط، وتشمل مجموعة من الاجراءات احداها تخفيض الضرائب لمقاومة غلاء المعيشة، وسننتظر مدى تعاطي نتنياهو وحكومته مع خطة كحلون، والتي من المؤكد أنها ستسبب الضرر لنتنياهو وحزبه الليكود اذا لم يتعاطى معها بإيجابية.

 ان أعداء نتنياهو كثر بسبب سلوكه الإقصائي لخصومه، على سبيل المثال اقصاءه كل من تسفي لفني ولبيد من الحكومة ال33 والذهاب الى انتخابات مبكرة، وأيضاً اقصاء موشيه يعلون من وزارة الدفاع في الحكومة الحالية ال34 وتعين بدلاً منه ليبرمان بالرغم من قلة خبرته في هذا المجال، وخصمه ومنافسه المستقبلي على رئاسة الليكود جدعون ساعر الذي عزم على العودة للحياة السياسية بعد اعتزال دام عدة سنوات.

ان سر قوة نتنياهو وبقائه في المشهد السياسي الإسرائيلي لأربع ولايات والتي قد تستمر لولاية خامسة أو أكثر في حال عدم إدانته بالفساد؛إنما يعود بدوره لعدة اعتبارات يمكن ايجازها كالتالي:

أولاً: وجود أزمة قيادة، فإسرائيل منذ تأسيسها لم يحكمها سوى المؤسسين والعسكريين، وتفتقر إسرائيل في الوقت الراهن إلى المؤسسين التاريخيين الذين كان آخرهم شمعون بيرس، كما تفتقر لقيادات عسكرية كاريزمية تحظى بإجماع جماهيري أمثال شارون ورابين وغيرهم.

ثانياً: يمتلك نتنياهو شخصية كاريزمية، تتقن فن الخطابة ويجيد إثارة واستعطاف الجمهور بظهوره أمام الكاميرات والإعلام، أي شخصية ذات جاذبية خاصة لها حضورها في الوسط الجماهيري.

ثالثاً: يعتبر نتنياهو حاضنة سياسية ذات فكر وأيديولوجية أعمق وأوسع من كل الأحزاب اليمينية ذات الأيديولوجيات الضيقة، وهو يشكل غطاء سياسي لسلوك وممارسات هذه الأحزاب في الساحة الدولية، بحكم أن حزب الليكود شريك أساسي في العملية السياسية.

رابعاً: ان حزب الليكود بزعامة نتنياهو يستطيع أن يستوعب الجميع في ائتلافه بما فيها أحزاب يسار الوسط والأحزاب الحريدية المتزمتة، لكن الأحزاب الأخرى تقوم برامجها على عدم استيعاب الآخر، فعلى سبيل المثال: حزب هناك مستقبل لا يمكن أن يستقبل الأحزاب الحريدية في ائتلافه الا بشروط معينة منها تقاسم عبء الخدمة العسكرية في الدولة ودمجهم في سوق العمل وفي المدارس الحكومية وهذا ما لم يحصل مطلقاً.

خامساُ: يجيد نتنياهو لعبة الانتخابات ويعرف من أين تؤكل الكتف حتى في أضيق الظروف والأوقات، وظهر ذلك عندما استفز مشاعر الناخب اليهودي في الانتخابات الاخيرة مصرحاً "بأن العرب يهرعون الى صناديق الانتخابات بأعدادهم الكبيرة" مما جعله يكتسح حاصلاً على (30) مقعداً، بالرغم ان استطلاعات الرأي لم تعطيه هذا الوزن قبل العملية الانتخابية.

يعرف نتنياهو بأنه قومجي بامتياز،فهو يعرف كيف يتحكم بمزاج الجمهور من خلال التهويل بالتهديدات الأمنية واستدعاء الخوف والقلق للمجتمع الإسرائيلي وأنه الوحيد القادر على توفير الأمن لهم، وبذلك يجعل الجمهور يميل أكثر نحو اليمين والتطرف.

لقد زاد في الآونة الأخيرة الحديث عن نهاية حقبة نتنياهو في رئاسة الليكود أو ربما رئاسة الوزراء على خلفية قضايا الفساد التي يواجهها وتقرير مراقبة الدولة كما أسلفنا، ومن هنا نرى أن مستقبل نتنياهو السياسي سيكون مرهون ضمن خيارين هما:

-بقاء نتنياهو على الحكم: وفقاً لآخر استطلاع نشرته القناة العبرية الثانية فإن نتنياهو في حال بقائه على رأس الليكود لن يستطيع تشكيل حكومة ذات صبغة يمينية خالصة، فقد يحصل حزب هناك مستقبل (يمين الوسط) على (27-28) مقعداُ، بينما يحصل حزب الليكود على قرابة ال(25) مقعداً، وربما سيضطر لذلك نتنياهو إلى التناوب مع لبيد على رئاسة الحكومة على غرار انتخابات 1984- 1988 حينما تناوب حزبي العمل والليكود على رئاسة الوزراء (عامان بيريس وعامان شامير).

وأيضاً لربما ينجح نتنياهو في حالة بقائه بتشكيل حكومة يمينية ضيقة على غرار الحكومة الحالية ال34.

-رحيل نتنياهو عن الحكم:لقد تفوق نتنياهو "ملك إسرائيل بالديمقراطية" على دافيد بن غوريون في مدة الحكم نسبة ًلعدد الأيام، وبالرغم من طموحه وشغفه حكم إسرائيل لسنوات طويلةإلا أن الكثير من التنبؤات ترجح رحيله نتيجة لقضايا الفساد التي اقترفها مع زوجته سارة، وفي هذا الصدد قد صرح نفتالي بينيت قائلاً: "في حال رحيل نتنياهو لن نقبل بحكومة بديلة بدون الذهاب للانتخابات العامة". كما أن عودة جدعون ساعر للحياة السياسية وترأسه حزب الليكود- كخليفة لنتنياهو وليس بديلاً عنه فقط في حال إدانته بالفساد ورحيله عن رئاسة الحزب- لن يفضي لتشكيل حكومة دون تحالف بين الليكود واليمين بأكمله  خاصة حزبي (البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا) لمجابهة صعود يائيرلبيد. ولا شك أن كل الاحتمالات واردة في الساحة السياسية الإسرائيلية بسبب المرونة التي تبديها الأحزاب من أجل الوصول للسلطة سواء بالاندماجات والتحالفات أو الانشقاقات إن اقتضى الأمر. فهي أحزاب "برغماتية- ذرائعية" لا تفهم سوى لغة المصالح والأجندات الحزبية.

ان توجه الجمهور الإسرائيلي لحزب هناك مستقبل (يمين الوسط)، وحصوله على قرابة ال(27) مقعداً -بدلاً من (11) مقعداً ممثل فيها الآن- في آخر استطلاع للرأي جاءت معظمها على حساب اليسار الإسرائيلي، حيث يتراجع حزب المعسكر الصهيوني من (24) مقعداً إلى قرابة (10-11) مقعداً، وجزء آخر على حساب حزب الليكود الذي يتراجع بواقع خمس مقاعد من (30) مقعداً إلى (25) مقعداً، هذا بدوره يعود إلى عدة أسباب أهمها: ان حزب هناك مستقبل الذي يرفع راية مصالح الطبقة الوسطى،قد نجح في استقطاب شريحة واسعة من هذه الطبقة التي تبحث عن الأوضاع الاقتصاديةولا تلبي اهتمام كثير للشأن السياسي وتعتبره ثانوياً، إضافة إلى رفض الكثير منهم لسياسة اليمين الإسرائيلي المتشدد، وأيضاً حالة الإحباط واليأس التي أصابتهم من اليسار الإسرائيلي وزعامته.