«الحقُّ في اللعب» ..عبد الغني سلامة

الأربعاء 19 أبريل 2017 11:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT
«الحقُّ في اللعب» ..عبد الغني سلامة



تؤكد نظريات التربية الحديثة والتعليم التحرري أهمية دروس الفن والرياضة والموسيقى في تكوين شخصية الطالب، وتطوير قدراته الذهنية، وتحسين مستويات تحصيله العلمي؛ فالطفل عندما يلعب، أو يرسم، أو يركّب قطعة فنية يبدأ بالتفكير والتأمل ويشغّل جميع حواسه، فينفعل، ويستكشف، ويستفز خلايا دماغه، ويطلق طاقته الكامنة؛ وبتمرين أنامله يحسّن من توافقه العصبي العضلي، فيكتسب بذلك المهارات الفنية، وتنمو لديه ميزة الذوق الرفيع والإحساس المرهف والوجدان المفعم بالعاطفة الإيجابية. 
كما يساعد اللعب والفن والرياضة الأطفال على الاندماج في دروسهم الأخرى بطريقة سلسة محببة، عن طريق تحفيزهم وتشويقهم إليها، وتنشيط دورتهم الدموية لتزيد من منسوب الطاقة المتدفقة إلى أدمغتهم، فالدماغ ليس إناءً يُملأ، بل ناراً تتوهج. 
ويهيئ اللعب أيضا فرص التنفيس وتفريغ الطاقات المكبوتة لدى الأطفال، وتهذب من شعورهم بالنشوة، وتشغلهم فترة معينة من الزمن عن انفعالاتهم وأفكارهم السلبية التي تؤرقهم، كما تعودهم على أسلوب البذل والعطاء في عملهم وتعاطيهم مع الآخرين، والاعتماد على ذاتهم وخبرتهم في التعبير.
أي أن اللعب والرياضة والفن والموسيقى تفعل في الطلبة ما لم تستطع بقية المواد الدراسية أن تفعله، فهي تفجّر إمكاناتهم الإبداعية وتحفز الجوانب المختلفة من عقولهم، ابتداءً من التفكير المنطقي واتباع منهج التجريب العلمي حتى توسعة الخيال، وتنمية الميول والاتجاهات المبكرة لديهم بذائقة فنية، كما أن إدماج اللعب بالتعليم يجعل من العملية التعليمية ممتعة للمعلمين والأطفال على حد سواء.
وتلك هي فلسفة "مؤسسة الحق في اللعب"؛ وهي منظمة عالمية غير حكومية، مقرّها كندا، وتحظى بدعم مجموعة من الرياضيين الدوليين، وتمويل من الخارجية النرويجية، أسسها سنة 2000، البطل الأولمبي النرويجي "يوهان كوس" والذي حطم ثلاثة أرقام قياسية وحاز على ثلاث ميداليات ذهبية في الألعاب الأولمبية 1994. 
تؤمن المؤسسة بأن اللعب والرياضة وسيلة فعالة لإيصال رسائل مهمة للأولاد، من خلال برامج لعب صُممت خصيصاً تعتمد أسلوب نقاش يقوم على مبدأ (فكر، أربط، طبق..)، لتنمية مهاراتهم الحياتية كالثقة بالنفس والعمل ضمن فريق، والاندماج في المجتمع، ومهارات حل النزاع وآليات بناء السلام، وتعزيز ثقافة الحوار واللاعنف، وربط هذه المهارات بخبراتهم الحياتية، وتطبيقها على حياتهم الشخصية ومجتمعهم في المستقبل. لذلك، تركز على اللعب والبرامج الرياضية والأنشطة البيئية التي تكسب الأطفال إضافة إلى الفوائد الجسدية، المرونة في التكيّف مع من حولهم، والنمو السليم والصحة النفسية، والتمتّع بالروح الرياضية.
تستوحي المؤسسة عملها انطلاقاً من ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وتطبيقا لمبدأ حق الأطفال المشروع بعيش حياة آمنة ملؤها اللعب والفرح، بعيداً عن المشاكل والحروب التي تسرق منهم ضحكاتهم.. وتستهدف برامجها بشكل خاص الأطفال اللاجئين الذين عانوا من ويلات الحروب، وذوي الاحتياجات الخاصة، والأطفال المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة، والأطفال بلا مأوى.. وطبعا دون تمييز بينهم.
تنفذ المؤسسة برامجها ومشاريعها في أكثر من عشرين بلداً (في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط)، بحيث يقوم المركز الرئيس في كندا بتنسيق السياسات العامة للمؤسسة. ومن الجدير بالذكر أن منطقة الشرق الأوسط تلعب دوراً أساسياً في تشكيل التوجهات العالمية للمؤسسة، وذلك انطلاقاً من قدرات الطاقم المحلي وخبرتهم الطويلة في تطبيق البرامج المختلفة، والتي تركز على فكرة دمج التعليم باللعب لتحقيق تربية ونمو أفضل للأطفال، من خلال تعزيز نموهم الجسدي والإدراكي والاجتماعي، عن طريق موظفيها الذين يقومون بتأهيل معلمين ومتطوعين محليين يعملون باستمرار على توسيع القاعدة المستهدفة.
تعمل المؤسسة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا من خلال مكتبها الإقليمي في لبنان، الذي تأسس سنة 2006، ولديها فروع في الأردن وفلسطين ولبنان وتايلاند وباكستان والصين ودول أخرى عديدة. 
وكانت المؤسسة قد انطلقت في منطقة الشرق الأوسط من خلال مكتب فلسطين العام 2003، والذي كان من أوائل المكاتب التي تم افتتاحها خارج كندا، حيث ساهم مكتب فلسطين في تأسيس كل من مكتبي الأردن ولبنان، وتدريب طواقم العمل وتأهيلها. 
وتسعى المؤسسة في مناطق عملها لتجاوز الصعاب والظروف المعيقة التي قد تحرم الأطفال من أدنى حقوقهم، وتعمل على تكريس مبدأ "الحق باللعب"؛ واللعب حسب رؤيتها، ليس مجرد نشاط ترويحي دون هدف، بل وفقاً لقواعد وأسس محددة ومدروسة، تدرب عليها العاملون في برامج المؤسسة، لإرشادهم إلى أفضل السبل الواجب اتباعها في التعامل مع الأطفال، بعض البرامج ترتكز على ألعاب بدائية شعبية كان يلعبها الأطفال منذ عشرات السنين، مثل القفز على الحبل أو الجري. لكن الجديد هو تنفيذها بطريقة علمية للوصول إلى نتائج ملموسة في شخصية الطفل، بحسب الفئات والاحتياجات.
بعد تدريبه وتأهيله يستلم المعلّم أو المدرّب من المؤسسة «حقيبة اللعب» التي تضم أدوات اللعب، وكتباً تشرح قواعد تطبيقها، ويبقى بعد ذلك على تواصل دائم مع المؤسسة للاطلاع على حسن تطبيق المنهجية، وحل المشاكل التي قد تواجهه. 
تعمل مؤسسة "الحق في اللعب" في فلسطين، ضمن واقع عمل بالغ الصعوبة، ومليء بالتحديات. 
وقد وضعت لنفسها هدفاً مركزياً هو إحداث التغيير الإيجابي في حياة الأطفال، وخاصة أطفال اللاجئين والمناطق المهمشة.. وتعاونت في كافة برامجها بشكل وثيق مع وزارة التربية والتعليم، والمجلس الأعلى للشباب، ومع "الأونروا"، ومنظمة اليونيسيف، والعديد من المنظمات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني والنوادي التي تلتقي معها في أهداف تحسين نوعية التعليم وبناء مجتمعات آمنة، وتسعى المؤسسة أيضاً إلى نشر رسالتها من خلال برنامج السفراء الرياضيين والأبطال الأولمبيين.  
قدمت المؤسسة الدعم الفني واللوجستي للعديد من المدارس، خاصة في القدس، ومناطق C، والأغوار والمخيمات، ودربت وأهلت مئات المعلمين والمتطوعين، ونظمت العديد من البطولات الرياضية في المدارس والأندية.. وهي بذلك تعوض جانبا مهما من النقص الحاصل في بعض المدارس الحكومية (وكذلك مدارس الوكالة)، خاصة من ناحية نقص أو عدم توفر العديد من الأدوات والمواد والتجهيزات الضرورية للألعاب، أو من ناحية غياب المعلمين المؤهلين لذلك. والأهم أنها تعوض النقص الحاصل في الاهتمام بهذا الجانب التربوي، والمتمثل بإغفال أو عدم الاهتمام الكافي بمادتي الرياضة والفن، وضعف الأنشطة اللامنهجية، وعدم اتباع أساليب التنشيط البدني، واستخدام اللعب كطريقة ناجعة في العملية التعليمية، وهي مشكلة قائمة في أغلب المدارس، ومنهجية مغيبة عن أذهان الكثير من المعلمين.