إن أكثر الدول قدرة على البقاء والنمو والتطور هي تلك الدول التي تدرك مكانة البحث العلمي وتعمل على توظيفه بشكل دائم ومستمر لخدمة بقائها واستمرارها.
منذ عقود خلت أرجع العرب تفوق إسرائيل إلي قوتها العسكرية والاقتصادية وعلاقتها الإستراتيجية بالولايات المتحدة الامريكية، وانكشافها على تكنولوجيا الغرب، وبالرغم من دور وأهمية الدعم الغربي المقدم إلى إسرائيل في شتي الميادين، سواء العسكرية أو الاقتصادية أو التكنولوجية، هذا ويعود النمو المطرد لإسرائيل إلى عوامل عدة: ممثلة في الكيفية التي تستغل مواردها البشرية واستثمارها لتلك الموارد،كذلك فان البيئة الاسرائيلية تعتبر بيئة جاذبة للاستثمارات المالية وللكفاءات من المهاجرين اليهود، على خلاف البيئة العربية التي تعتبر بيئة طاردة للكفاءات، مما يساعد على هجرة الادمغة من البلاد العربية، وبالتالي حرمانها من العنصر البشري المبدع، ولتحقيق التكامل بين ما سبق يأتي دور النظام السياسي، ففي اسرائيل يديرون نظامهم السياسي وأوضاعهم ومجتمعهم من خلال العمل على تجاوز نقاط الضعف (المساحة و قلة عدد السكان) عبر السعي إلى تصدير مشكلاتهم للخارج والسيطرة الدائمة على تناقضاتهم الداخلية.
هذا وتتجند الاكاديميا الاسرائيلية لخدمة المشروع الصهيوني، ففي مجال البحث العلمي ودوره المهم في عملية التطوير، وعلى سبيل المثال فان الجامعات الاسرائيلية نشرت 12 الف مقال علمي عام 2011 أي ما نسبته 1% من مجمل الانتاج العلمي العالمي، إضافة لذلك يشكل البحث العلمي 4% من الناتج القومي في اسرائيل وقد يكون الاعلى في العالم ، وتأتي اسرائيل في المرتبة 15 من حيث جودة المقالات العلمية .
وتعمد الدولة العبرية إلى ترسيخ البحث العلمي داخل الوزارات والهيئات الرسمية وغير الرسمية بحيث يتبع لها مراكز بحثية ذات تأثير جلي في وضع السياسات.
تلك المراكز تنقسم إلى عدة اقسام تسعى جميعها لإنتاج المعرفة العلمية وتنافس نظيراتها في العالم حيث يمكن اعتبار تلك المراكز والمؤسسات البحثية خزانات للفكر بكافة انواعه.
القسم الاول: مراكز أبحاث جامعية: هذه المراكز البحثية تتبع للجامعات الاسرائيلية بحيث تعمل على تقديم توصياتها لصناع القرار في مجالات مختلفة منها الصراع العربي الاسرائيلي إضافة للمجال الاستراتيجي والعسكري.
القسم الثاني: مراكز أبحاث تابعة للقطاع الخاص : لها من الاهمية و الامكانيات ما يميزها ويجعلها قادرة على تقديم معلومات و توصيات للنخب الاسرائيلية في مجالات عدة.
القسم الثالث: مراكز أبحاث حكومية: لكل مؤسسة حكومية أو وزارة في اسرائيل مركز أبحاث يشرف عليه متخصصون هدفهم تقديم التوصيات وفق الاختصاص.
القسم الرابع: المؤسسة العسكرية: تهتم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بتفوقها النوعي ولذلك تدرك مدى أهمية البحث العلمي في ضمان استمرار هذا التفوق، وقد يكون جل ما تسعى إليه تلك المؤسسة هو احتكار قراءتها للواقع وبناء علي ذلك عمدت إلى إنشاء مراكز وهيئات بحثية داخل الجيش للمساعدة في تحقيق أهدافها، تلك المراكز البحثية تمتلك آليات وأدوات للتقييم والتفكير والتخطيط.
على أية حال يشغل البحث العلمي مكانة مرموقة داخل إسرائيل ولا ضير من الاحتذاء بالنموذج الإسرائيلي في البحث العلمي لطالما في ذلك خدمة لأوطاننا التي هي أحوج ما تكون إلي الاستثمار في التعليم العالي والعمل على ضرورة توفير بيئة بحثية مشجعة على الإبداع وإطلاق حريات المناقشة والفكر وتسهيل انسياب الأفكار من خلال المراكز البحثية الأمر الذي من شأنه إعادتنا على الطريق وتحقيق قفزات علمية تمكننا من اللحاق بركب الحضارة الإنسانية .
باحث دكتوراه/ في العلوم السياسية