مئوية «وعد بلفور» المشؤوم ..رشيد قويدر

الأحد 16 أبريل 2017 12:45 م / بتوقيت القدس +2GMT



في هذا العام، وتحديداً في (2/11) منه، تحل علينا مئوية «وعد بلفور» المشؤوم، وبدايةً، أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير والعرفان، لــ د. جورج جبور، للمهنية العالية التي تتسم بالشجاعة المقرونة بالقيمّ الإنسانية العالية، بكامل إلتزامات العدالة من موقع إهتمامه الثابت والشخصي، واللغة الحقوقية الراقية، وهو يطرح حقائقه البحثية التاريخية، والتفريق بين العدل والظلم، وهو من جعل من «مئوية وعد بفلور» معركة دبلوماسية وقانونية وحقوقية، ذات أبعاد أخلاقية وثقافية وفكرية وإنسانية، ونقلها للعرب لجعلها بالخلاصة معركة حقوقية سياسية، كتابه: «وعد بلفور» دمشق ـــــ الطبعة الثانية.

أقتبس من رسالته المفتوحة إلى القادة العرب في قمة شرم الشيخ (آذار/مارس 2015)، والتي حملت عنوانا: «أضع على جدول أعمالكم بنداً عنوانه: الإهتمام بمئوية وعد بلفور، التالي:

• لن أثقل عليكم بتعداد الكثير مما يمكن القيام به في مجال تبيان الظلم الذي وقع بالشعب الفلسطيني نتيجة ذلك الوعد (..) أكتفي بذكر نقاط خمس في جوهر الإهتمام بالمئوية، ثلاثة منها تخص التاريخ، وإثنتان منها للعمل منذ هذه اللحظة:-

• «رسالة خطها هرتزل في عام 1902، إلى رودس منشئ روديسيا البائدة، وهي في نصفٍ منها زيمباوي، يقول هرتزل في رسالته: لو كانت آسيا الصغرى في نطاق إهتمامك يا رودس (سيفيل رودس)، لكنت نفذت المشروع الصهيوني الذي أدعوك إلى تبنيه على نحو ما، نفذت به مشروعك في إفريقيا»، (لدى هرتزل المشروعان شقيقان بل توأمان، لو إهتم رودس بآسيا الصغرى ونفذ، لكان من الممكن لإسم فلسطين أن يصبح روديسيا وليس إسرائيل).

• «الرئيس الأميركي ويلسون هو والد مشارك في الوعد، وهو أيضاً صاحب مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو الناقم على الإتفاقات السرية ومنها إتفاقية: (سايكس ـــــ بيكو) الممهددة لوعد بلفور، وهو موفد بعثة (كينغو ــــ كرين) إلى بلاد الشام، لإستطلاعرأي السكان في أمر مستقبلهم، لا يمكن التوفيق بين إجازة ويلسون مسودة الوعد، وبين ثوابت سياسته المعلنة، إن إشهار هذا التناقض مفيد في ترسيخ إدراك أعمق لمحركات السياسة الأميركية، لا سيما في المنطقة العربية،  ولنلاحظ أن الثقافة العربية العامة لا تزال تعبر عن الإعجاب بويلسون في تنبيه مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو موقف صائب، لكنها تهمل عادة ما هو موقف صائب أيضاً، ومؤداه أنه كان هو نفسه أساسياً في حرمان الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره بنفسه. ولم يصدر وعد بلفور إلا بعد إجازة ويلسون له، ولا نجانب الحق إن قلنا إن الرئيس الأميركي والد مشارك في وعد بلفور».

• «تصريح بلفور العنصري عام 1916 عن سمو الصهيونية التي يبرر لها ممارسة العنصرية القاتلة على الفلسطينيين، أتى هذا التصريح بعد إصدار "الوعد" بعامين، ومؤداه أن الصهيونية مهما كانت، مصيبة أم مخطئة، إنما هي قيمة سامية من قيمّ الحضارة الغربية، وينبغي الأخذ بها دون الإلتفاف إلى رغبات سبعمائة ألف من سكان فلسطين. كان لهذا التصريح دوره في إقناع عصبة الأمم بالموافقة على ما أصبح صك الإنتداب  على فلسطين عام 1922». إن هذا  الإعلان هو مفيد دولياً، على الصعيد التاريخي والثقافي والإعلامي والمعنوي، في تنمية وعي دولي، يؤدي في النتيجة إلى إبلاغ  الفلسطينيين بعض حقوقهم، ويقول  د.جبور:-     «لنتذكر: بحسب القانون الدولي كان الإسترقاق شرعياً، وكذلك كان الإستعمار بطلاً، تبدلت الأزمان والأحكام».

ويعرض د.جبور في رسالته نقطتين للعمل:

• «يجب تشجيع فكرة المطالبة بالإعتذار عن الوعد، هي فكرة جليلة ينهض بشرف القيام بها حشدٌ من المتطوعين على إمتداد العالم، أحييهم».

• «يحسن حث الهيئات الثقافية العربية، وفي طليعتها إتحاد الجامعات العربية، لتنفيذ إقتراح وافقت عليه عام 1989 الدول العربية والإفريقية، من خلال التعاون بين منظمتيهما، بإنشاء مؤسسة لدراسات الإستعمار الإستيطاني المقارن في العالم، كانت لي عملية التنفيذ، رسالة في  15 كانون الثاني/ يناير 2007 إلى أمين عام الجامعة، وكان جواب عنها في 8 آذار/مارس 2007، ولا ريب أن الرسالة وجوابها محفوظان في ملفات الجامعة، قدمت الإقتراح إليكم عبر الحكومة السورية عام 1971، والتفاصيل الدقيقة يتضمنها كتابي: (نحو علم عربي للسياسة) ــــــ دمشق الطبعة الثالثة 2010.

• كلمة ختامية:- «الإهتمام بمئوية وعد بلفور، ووضعه على جدول أعمالكم ضمير الإنسانية فيكم، وتضعه أيضاً المادة الأولى في العهدين الملزمين من شرعة حقوق الإنسان».

ونحن نذكر هذا، لا بد من التنويه أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس تكلم في مؤتمر القمة عن «مئوية وعد بلفور» في مؤتمر القمة العربية، ــــــ نواكشوط، ـــــ تموز ـــــ يوليو 2016، ضد الحكومة البريطانية ورفع قضية ضدها لتتحمل مسؤولياتها إزاء ذلك بعد قرن من الزمن، ونرى إن أهمية تحويل ذلك، تكمن بنقلها إلى آليات وحملات حقوقية مدروسة على مستوى دول العالم، في سياق المعركة القانونية الحقوقية والأخلاقية والسياسية والتاريخية، من جانب آخر تذكر الرسالة التي وجهها د.جورج جبور، وهو آنذاك رئيس اللجنة العربية لمناهضة العنصرية، إلى رئيس وزراء بريطانيا، وأوردتها جريدة «البعث» في 3/10/2002 وذلك تحت العناوين التالية:

• بماسبة إقتراب الذكرى الـ   لوعد بلفور المشؤوم، رسالة إلى طوني بلير ـــــ رئيس وزراء بريطانيا:-

إعتذرت بلجيكا عن دورها في مقتل لومومبا والكونغوليين، فمتى تعتذرون عن دوركم في محاولة قتل فلسطين؟

• يوم 16/11/2002 وعلى إمتداده، تصدرت الأخبار العالمية تصريحات للسيد جاك سترو وزير خارجية بريطانيا في حينها، أدلى بها إلى مجلة «نيو ستيتمان» البريطانية، ذكر بها ما يلي:-

«إن وعد بلفور، والضمانات المتناقضة التي منحت للفلسطينيين سراً، في الوقت نفسه الذي أعطيت به للإسرائيليين، تشكل، مرةً أخرى، حدثاً مهماً بالنسبة إلينا، لكنه ليس مشرفاً كثيراً»..

د. جبور أرسل رداً في اليوم ذاته، أرسله إلى وكالات الأنباء والصحف، لم تنشره سوى جريدة «النور» الأسبوعية الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوري الموحد، وذلك في عددها بتاريخ 20/11/2002 قال بها د. جبور:ــ
«... إن حديث وزير خارجية بريطانيا، السيد جاك سترو، الذي إعترف فيه بأخطاء بريطانيا التاريخية، وبخاصةً وعد بلفور، خطوة ممتازة في الإتجاه الصحيح». وطالب بالبناء على هذه الخطوة، وذلك بأن يعتذر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى الفلسطينيين العرب، وللإنسانية عن الوعد، وطالب بالتباحث دبلوماسياً للوصول إلى حل في فلسطين التاريخية يعتمد على شرعة حقوق الإنسان، وهو الحل الذي توصلت إليه الأطراف المختلفة في جنوب إفريقيا».

إن مطالبة بريطانيا بالإعتذار عن الوعد، هو مطلب محق وعادل، لجأت إليه شعوب عديدة وحكومات، إن بسبب إستعمارها لشعوب، وتعاملها اللإنساني مع أصحاب البلد، مع تقديم إعتذارات، المسألة هنا لا تتعلق بالماضي، بل تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، بعد أن أتضحت بكل جلاء الممارسات وإجراءات الأبارتيد الإسرائيلية الممنهجة ذات الجوهر العنصري المستمر والممنهج، يؤكد ذلك ما دعت له منظمة (اليونسكو) (تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، قرار بشأن الأصول العربية في القدس، وذلك لدحض الأسطورة الصهيونية في روايتها الكاملة، وكذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 كانون الأولى/ ديسمبر 2016 بشأن وقف الإستيطان الإسرائيلي الإستعماري في الأراضي الفلسطينية.

إن ما قامت به «إسرائيل» ومنذ تأسيسها هو خارج الشرعية الدولية، وعلى الضد من القانون الدولي، والقانون الإنساني الدولي، بدءاً من القرار الذي أسس لها رقم 181 عام 1947، والذي قفزت عنه وتجاوزته، بإحتلالها فلسطين التاريخية كاملةً، ومعها أراضٍ عربية في الجولان السوري، وجنوب لبنان، وكذلك القرار 194 عام 1948 المتعلق بحق العودة، والقرار 242 عام 1967، والقرار 338 عام 1973، حيث يطالب القراران  الإنسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967.

لقد جاءت إستقالة السيدة ريما خلف، المدير التنفيذي لـ «الأسكوا» اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربيّ آسيا من منصبها، لتشير إلى الإتجاه لما بعد الإستقالة، إلى ردود الفعل الدولية إزاء ممارسات إسرائيل، والتي أخذت تميل لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، وإلى التظهير الواضح لإتجاه المواقف الدولية، والمطلوب إعلاء صوت التضامن الدولي من قبل أهل القضية ذاتهم أولاً، وصولاً إلى إجراءات المقاطعة الثقافية والأكاديمية والسياسية والإقتصادية لـ «إسرائيل» وسحب  كل ماله علاقة بالإستثمارات، وفرض العقوبات، لإجبارها على الإنصياع لقواعد القانون الدولي..

كما أن «مئوية الوعد» ومطالبة بريطانيا بالإعتذار، يمكن لها أن تحرك الساحة القانونية الدولية والدبلوماسية الدولية لصالح القضية الفلسطينية والقضايا العربية، وهو جزء من المعركة القانونية الدولية، التي لم تأخذ الإهتمام الكافي، بنقل القضية ذاتها ليحملها المجتمع الدولي وقواه المتنفذة لتتخذ مسؤوليتها بذلك.