قرار الشعب ...محمد يوسف الوحيــدي

السبت 15 أبريل 2017 01:41 م / بتوقيت القدس +2GMT
قرار الشعب ...محمد يوسف الوحيــدي



حالة الإنكار ، هي حالة نفسية تصيب الفرد ، و المجتمع عند وقوع بلاء كبير من أي نوع ، تستمر هذه الحالة ، كردة فعل دفاعية من أجل الحفاظ على التوازن و الإتزان في مواجهة الضربات القوية . و الإنكار عادة يصيب الموهوم بقوته ، أو بثروته ، و يعكس إيمانه العميق بإستحالة إصابته بمرض مثلاً ، و أو سقوطه في إختبار ، أو هزيمته أمام خصمه ، فهو يرى ( فرداً أو مجتمعاً ، أو نظاماً سياسياً ) أنه أكبر من الهزيمة ، و أعلى من الرضوخ .. وهذا ما يسمى علمياً بالدفاعات النفسية أو الحيل النفسية هى عبارة عن مجموعة من الأساليب التي تستخدم بصورة لا واعية لمسايرة وتقليل التوتر الناجم عن أفكار سلبية كأن تكون تلك الأفكار فوق احتمالة، أو تكون نتيجة دوافع لا شعورية لا يعرف مصدرها أو رغبات غير مقبولة أو صراعات داخلية أو عدم قابلية إشباع احتياجات معينة، كما تفيد هذه الدفاعات في حماية الذات من التهديد ، أليات مسايرة الضغط. ومن هذه الآليات المستخدمة في إنكار الحقيقة أو التلاعب بها أو إعادة تشكيلها وهذا ما نلاحظ أنه يعتري  مجتمعنا الفلسطيني الغزي هذه الأيام ، و أيضاً ما تمارسه حركة حماس في التعامل مع أزمتها ، و المنطق العلمي يقول أن هذه الحالة ستؤدي قريباً إن لم تكن قد بدأت بالفعل بالدخول في مراحل أخرى هي :

القمع (الكبت ) محاولة دفن أو إخفاء الأحاسيس أو الأفكار المؤلمة من وعى الإنسان، بتشتيت الفكر ، و إثارة إشكالات جديدة كالكهرباء و الصحة و الحصار ، أو إفتعال أي أزمات و تصدير المشكل الرئيسي أو التهرب من مواجهته ، وهذه الأحاسيس أو الأفكار بدورها قد تعود لتظهر علي السطح بصورة رمزية.

التماهي(التوحد) وهو إدماج موضوع أو فكرة أو التوحد والتقارب اللاواعي مع الأشخاص الذين يحملون نفس الأفكار الإنهزامية أو المنكرة للواقع ، ولا يستهان بهم ، فقد يشكلون تياراً قوياً ، صحيح أنه مبني على فكرة هشة و حالة عصبية لا منطقية إلا أنهم يمكن أن يحدثوا تأثيراً كبيراً فيمن حولهم . و يلي هذه المرحلة حالة : التبرير وهو محاولة إيجاد سبب منطقى للسلوكيات أو الدوافع عن طريق اعطائها مبررات أو أسباب مقبولة، وبصفة عامة فإن القمع (الكبت) يعتبر الأساس أو القاعدة التى تنبع منها معظم الآليات الدفاعية الأخرى. ولكنه بالقطع لا يقدم أي حل لأي إشكال ، يبقى الوضع على ماهو عليه بل و أسوأ مما كان عليه إلى أن يصل إلى مرحلة اللامعقول ( الجنون أو الإنتحار أو الدمار و الفشل التام ) .

حماس و على مدى عقد من الزمن ، أحالت قطاع غزة ، إلى كيان خاص جداً بكل ما تعنيه الكلمة ، فسيطرتها على الأوضاع لم تتوقف عند السيطرة السياسية و الإدارية ، بل تعدت ذلك إلى القبض على منابع الإقتصاد و الحياة المادية لكل إنسان يتحرك على سطح أرض قطاع غزة .. أضف على كل هذا و قبل كل هذا ، إستخدام الدين و الخطاب السماوي الرباني ، في تبرير و تدعيم و تشريع أي تحرك ، و العملية لم تبدأ بما يسمى الإنقلاب أو الحسم العسكري في 2007 ، بل بدأت قبل ذلك بسنوات ، و بشكل ممنهج و مدروس من خلال الجمعيات الخيرية  و الرعاية للأيتام و عيادات الصحة و نوادي الرياضة  ومن خلال السيطرة على ( حركة المال و الإستثمار و التجارة ) ، فقلما تجد صرافاً لا يتبع أو ينتمي مباشرة أو على علاقة بالترتيب الإقتصادي للجماعة .. و تطور الأمر إلى السيطرة على تجارة الأراضي و العقارات ، و من ثم على التجارة و البقالة ( زيت، سكر ، طحين ، حليب .... ألخ ) و الموارد كالغاز و البنزين و السولار و غيرها .. بل و تجارة الدواء و إنشاء أو السماح بنشاط شركات أدوية معينة لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالجماعة ، ومن ثم جاء الإنقلاب أو الحسم ليضع التوقيع النهائي على هذا الملف ، و يبدأ تنظيم إستغلال كل ما فوق الأرض ، و بعد ذلك يباشر إستغلال ما تحت الأرض ، بداية من الأنفاق ( التهريب ) العامة و التي سيطرت عليها مجموعات من المهربين أو أسر بأكملها تتوارث ( المهنة ) و كان الحل هو أن تقوم حماس بالسيطرة بأساليب الترهيب و الترغيب تارة و عقد الصفقات و المشاركة تارة أخرى إلى أن وضعت يدها تماماً على هذا المصدر تحت الأرضي تماماً ، و أضافت إليه ( خطوط رسمية ) للتهريب و إختلطت المفاهيم بين التهريب بغرض ( الصمود الإقتصادي ) و التهريب بغرض ( المقاومة المسلحة ) .. بالطبع ه1ا العمل التحت أرضي إقتضى خلق أساليب تحت أرضية للتواصل و العمل ، و ترتيب عمل شبكات إتصال خاصة ، سواء للعمل المقاوم أو العمل من أجل ( الصمود ) !! و إقتضى أيضاً الكثير من ( تبطين ) الأمور ، و إلإنتشار و التغلغل في المجتمع  المباني  و غير هذا بشكل تضفيري متشابك ..

كل هذا حدث تحت أعين السلطة ، و رقابتها دون القدرة على السيطرة عليه أو وقفه لأسباب بعضها ذاتي ، و بعضها موضوعي .. و بعضها بين هذا و ذاك و على أسس صراعات محددة بين الأجهزة و القوى السياسية و بين الفصائل المنتمية لمنظمة التحرير ، و هذا ما ساعد حمــاس بشكل كبير في شق طريقها بسهولة و يسر  ، و أن تتوج نجاحها و تشرعنه بالسيطرة عبر صناديق الإنتخاب ، و بطريقة ديمقراطية شفافة ، و بتشجيع أو بضغط  أمريكا التي أرادت في حينه أن تتسع رقعة التمكين للتيار الديني ليس فقط في فلسطين بل في المنطقة العربية كلها ، و زينت لنا أهمية الديمقراطية ، فكان لها ما أرادت ، و إختبر الشعب سواء في فلسطين أو غيرها من البلدان العربية ، و فهم بالتجربة العملية معنى التعامل و الحكم الديني أو شبه الديني ..

هذا الإنتشار و التفشي و التمكن ، جعل من الصعوبة بمكان التفكير بتفكيكه ، أو حله بمجرد إتخاذ قرار بالحصار أو حتى المواجهة . من هنا ، فواقع الحال يقتضي أن تقوم كافة الأطراف المتنازعة بتغيير جذري في أسلوب التعامل مع الأزمة و أول شئ يجب أن تقتنع به و تؤمن به هذه الأطراف ، هو إستحالة إقتلاع طرف لطرف آخر . و عدم جدوى التفكير بالإقصاء أو الإلغاء ، و الأفضل هو تحويل الخلاف إلى خلاف ( خصومة سياسية ) وليس ( عداء و تخوين ) ، و أن يستفيد كل طرف من الخلافات كقوة دافعة و رافعة للكل الوطني بدلاً من الإيمان بأنها   تملك الحق و الحقيقة وحدها و ما دونها تنظيمات أو تيارات و فصائل خارجة و غريبة و يجب أن يتم تدميرها .

ثانياً : أن يرسخ في الوجدان ، إيماناً عميقاً ، بأن الشعب هو الفيصل ، وهو الحكم ، وهو من يختار من يحكمه بالكيفية التي يريدها وفق إيمانه ببرنامج واضح ، وخطة مقنعة ، و هو الذي يقرر مستقبله الوطني ، عبر برنامج التيار الديني الرباني ، أو البرنامج الوطني القومي . و على الطرف الذي لا يقع عليه إختيار الشعب أن ينصاع ويستسلم لحكم الأغلبية تماماً ، و يخرج من الصورة أو يشارك في الأداء العام وفق نسبة تمثيله الشعبي ، بشكل ديمقراطي سليم ، ولا يستخدم قوته العسكرية  أو قدرته السياسية و علاقاته الدولية في ضرب الأغلبية أو حصار أو قهر إرادة الشعب .

و الطرف الذي لا يريد أو يقبل قرار الشعب بهدوء عبر الإنتخابات ، فعليه مواجهة قرار الشعب بغضب في الشارع ، و الحقيقة التاريخية تقول أن من يواجه الشعب ، حتى ولو على الطريقة الستالينية ، هو الخاسر و البقاء و النصر و الحكم دائماً ، للشعب .