عن قرار المعاشات ..صادق الشافعي

السبت 15 أبريل 2017 08:31 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عن قرار المعاشات ..صادق الشافعي



لم يبدُ الانقسام أكثر قبحاً وأكثر أذى مما بدا عليه في الأيام التي أعقبت قرار الحكومة حول الرواتب. القرار مس بمقدّسين: لقمة عيش المواطن، ووحدة النسيج المجتمعي الوطني.
لقمة العيش كانت عزيزة وضيقة «من دار أبوها» ولأسباب كثيرة معروفة لا تنقصها الأسباب الذاتية والداخلية، والقرار جاء ليزيدها ضيقاً. زيادة في القهر، فقد أتت الزيادة من اولي الأمر.
أما وحدة النسيج المجتمعي، فقد ظلت عصية صامدة ومتماسكة في وجه كل المؤامرات والظروف والمنغصات، وستظل كذلك بالتأكيد. ودون الغوص في النوايا والخلفيات، فقد جاء مس القرار بها عن طريق عدم شموليته، وعن طريق عدم الشرح والتوضيح الضروري قبل وقت كاف من إصداره.
الشروحات للقرار ولمحدوديته إنْ لجهة نِسب الخصم وبنوده
او عدم ديمومتها او محدوديتها، او لجهة الأسباب القاهرة المسببة لها، جاءت متأخرة من كل الجهات.
جاءت بعد صدور القرار، وبعد تشكل حالة جماهيرية واسعة وشاملة (بما فيها هيئات وأعضاء حركة فتح) ترفض القرار وتدينه وتشكك بالخلفيات والدوافع والاستهدافات من ورائه. ولأن الشروحات جاءت بهذا الشكل فانها لم تقابل بالاقتناع والقبول، وفسرت بأنها تبريرات لفعل مرفوض، خصوصاً وأنها لم تقدم ولا حتى وعداً بتجميد تطبيق القرار حتى تتم اعادة دراسته ولشرحه وتوضيحه.
يصعب التصديق أن سبب القرار كما تقول الحكومة هو فقط الضائقة المالية التي تمر بها السلطة الوطنية والحكومة، مع الإقرار بوجود هذه الضائقة حقيقة وفعليا ووجوب علاجها.
لو كان الأمر كذلك فقط، فان في حكومة الوفاق الوطني وأجهزتها من الخبرات والخبراء ولديها من التجارب ما يمكنها من معالجة هذه الضائقة بإجراءات وقرارات أفضل بكثير من قرارها المفاجئ المذكور.
 كان يمكنها، وبالأحرى يجب عليها، ان تشرح للناس الضائقة المالية التي تمر بها وأسبابها بشفافية وصراحة. ولن تكون الحكومة في موقع اللوم لو تعرضت الى ممارسات وخروقات موجودة فعلاً يقوم بها طرف فلسطيني من موقع القوة والسيطرة، وتسهم في حصول الضائقة وفي إضعاف القدرة على مواجهتها.
وكان يمكنها ان تحضر الناس لاحتمال اضطرارها للجوء الى بعض الإجراءات القاسية، وان تعطي لنفسها وللناس، الوقت اللازم من التحضير لاستيعاب هذا الأمر وتقبله. وكان يمكنها المبادرة بالغاء، او تجميد، لبعض الامتيازات والعلاوات التي تعطى للرتب الوظيفية، العالية بالذات، بداية من الإطارات الوظيفية المحيطة بها.
وكان الطبيعي والمفروض ان توزع الاستقطاعات من الراتب، على كل الـ 162000 موظف في كل وزاراتهم وأجهزتهم ومناطقهم، بدلا من قصرها على 54000 الف موظف فقط، كلهم من قطاع غزة. لو حصل التوزيع بهذا الشكل لانخفضت النسبة التي يتحملها كل موظف الى حوالي 10% بدلا من 30% يتحملها الموظف في غزة فقط.
يمكن المراهنة بثقة انه لو تمت معالجة الأمر كما تمت الإشارة او بأمثلة وطرائق شبيهة اخرى، فان الناس سوف تتفهمه، وتتجاوب مع ضروراته بصبر وتحمّل.
يؤكد على ذلك تجارب سابقة استمرت إحداها لبضعة شهور، قبل ان تنفرج الأمور وتدفع الحكومة للموظفين كل المتأخرات.
 المسألة ليست ضائقة مالية لدى السلطة الوطنية قد تصل الى الأزمة.
انها نتيجة شديدة المرارة من نتائج الانقسام الذي يربض على صدورنا وأنفاسنا منذ الانقلاب قبل عشر سنوات، ويزداد في كل يوم تعمقا وانتشارا، كما يزداد مرارة وقهرا ومعاناة تطال كل أهل الوطن، كما يزداد خطره الماحق على وحدة النظام السياسي الفلسطيني- وربما المجتمعي- وعلى قضيتنا ونضالنا الوطنيين.
القرار حول الرواتب اقرب ما يكون الى انذار موجه الى حركة حماس لفك قبضتها الخانقة على القطاع وتحكمها المطلق بكل اموره واوضاعه، والعودة الى حضن وحدة الوطن والمواطنين ووحدة الحكم والحكومة، والانصياع لارادة الناس عبر انتخابات ديموقراطية ودورية.
يؤكد هذا الفهم جوهر الشروحات والتوضيحات التي صدرت عن الحكومة وعن بعض الجهات الاخرى.
ويؤكد هذا الفهم بشكل أوضح، المطالب التي يحملها الوفد الذاهب الى غزة والتي تتمحور حول:
إلغاء الهيئة التي شكلتها «حماس» مؤخراً لادارة القطاع (حكومة الأمر الواقع)، تسليم حكومة الوفاق وزارات غزة وتمكينها من القيام بمسؤولياتها، تسليم المعابر للحكومة، ثم الغاء مجموع القرارات/ التشريعات التي اصدرها المجلس التشريعي في غزة، خصوصا مع الحديث ان هذه المطالب ليست للتفاوض، بل للقبول فقط.
اذا كان من حق حكومة الوفاق الوطني التمسك بحقها ومسؤوليتها في حكم قطاع غزة، ومن حقها رفض سيطرة حركة حماس المطلقة عليه ورفض الإجراءات التي تفرضها، بالذات تلك التي تمس حياة الناس وتخرج عن النظام، وفي الأساس، تخرج عن وحدة الحكم والحكومة والتعدي على صلاحياتها ومسؤولياتها.
اذا كان كل ذلك، وغيره، من حق حكومة الوفاق، فان قرارها حول الرواتب، قد أعطى مردوداً عكسياً، وتم تجييره بدرجة كبيرة لصالح حركة حماس على عكس ما خططت وغير ما ارادت.
لا يبدو ان الأمور ستتوقف عند هذا الحد. 
فحماس أعلنت رفضها المطالب المعلنة وقبل وصول الوفد، والحكومة لم تعطِ اي مؤشر انها في وارد إعادة النظر في قرارها حول الرواتب، واللجنة التنفيذية للمنظمة غائبة عن اي دور، والتنظيمات لا تملك غير الاجتماعات والمناشدات و..... وأزمة الكهرباء وتكلفتها وسعرها وكل أبعادها تدق الأبواب وتطرح نفسها بقوة وبعمق خلافي خطير ومنذر. 
المؤسف ان الأزمة تحصل في وقت يستعد فيه أسرانا البواسل لإعلان إضرابهم الشامل بعد غد، وما يتطلبه الإضراب من توفر أعلى مستوى من وحدة وتماسك الموقف الوطني (الشعبي والمجتمعي والرسمي) ليكون في أعلى جاهزيته لإسناد الإضراب بكل الوسائل.