المبادرة القطرية للمصالحة وآفاق نجاحها ...بقلم: د. أحمد الشقاقي

الخميس 13 أبريل 2017 11:23 م / بتوقيت القدس +2GMT



وصل المشهد الفلسطيني إلى أدق المراحل وأكثرها تعقيداً، وبعد أن أصبحت الأزمات عنواناً لمحافظات قطاع غزة، فإن الضفة الغربية والقدس المحتلة كذلك تمارس بحقهما أشد الهجمات الاستيطانية ضمن عملية تغيير الواقع ووأد مُخرجات التسوية. ومع اشتداد الأزمة فإن فرص الحلول المطروحة للنقاش تدور في ذات السياق وبعيداً عن التفكير في أدوات نجاح نوعية يمكن أن يكتب لها التوفيق حال انطلقت من إرادة وطنية دون اللجوء إلى ضغط الإقليم وحسابات المصالح الحزبية.

الأحاديث الإعلامية التي سربت فحوى المبادرة القطرية للمصالحة، والتي تحدثت عن حكومة وحدة وطنية تلتزم ببرنامج الرئيس، وتكون مدخلاً للانتخابات الشاملة، والدعوة لانعقاد المجلس الوطني،والتراجع عن قرارات المجلس التشريعي. لا تأتي بجديد حتى وإن تحدثت بشكل غير صريح عن موظفي حكومة غزة، كذلك فإن هذا الخيار قد كان عنواناً لفترة طويلة من مباحثات المصالحة المتنقلة بين العواصم، وسرعان ما كانت تتعرض للفشل كونها لا تضمن حالة الالتزام بما يتم التوافق عليه.

المبادرة القطرية التي يتم تناقل الحديث عنها في الأروقة السياسية، بالاقتران مع الدفع بحديث عن نفق من الأزمات المتواصلة، والتهديد بدخول غزة في مزيد من الفوضى ، يؤكد أن هناك إدارة لصناعة الأزمة وترتيباً لمسار الانقسام الداخلي، للوصول إلى معادلة فرض الحلول عبر التهديد!!

حماس من جهتها أكملت انتخابات أطرها السياسية والقيادية وقامت بتجديد الشرعيات التنظيمية في دوائرها، وهذا يعبر عن استقرار داخلي يؤهلها للخروج بموقف قوي قادر على اتخاذ قرار بالمصالحة الوطنية، في حين أن حركة فتح تعاني من عدم استقرار تنظيمي بسبب قضية المتجنحين، وتراجع لدور السلطة الفلسطينية التي كانت تقدم لفتح مزيد من الخيارات في رسالتها المباشرة والغير مباشرة إلى القواعد الشعبية، وبالتالي فإن جملة الأزمات التي تصيب القطاع وآخرها أزمة الرواتب قد عرضت فتح لخسارة كبيرة تتحمل القيادة السياسية للسلطة وحكومتها المسئولية المباشرة عنها.

أما ما يتعلق بالورقة السياسية الجديدة لحماس فإنها تحمل رسائل سياسية تتبنى من خلالها تكتيك المرحلية تحت عنوان الحفاظ على الغاية الإستراتيجية التي تنطلق منها؛ كونها حركة مقاومة ضمن برنامج التحرير الوطني. هذا البرنامج السياسي الذي تقدمه حماس والذي يوجه رسائل إلى القطاعات المحلية والإقليمية والدولية، يوفر لحماس رصيد جديد في تعاملها مع المتغيرات بالمنطقة، وتقدم من خلاله تصوراً يمكنها من رفع عبء الاتهام الموجه إليها كونها أحد أذرع جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي تقدم نفسها كجزء أصيل من التيار الوطني الفلسطيني.

هذه اللغة السياسية تعني استعداداً من قبل حماس للقبول بحكومة وحدة وطنية تحت مظلة برنامج الرئيس وفق ما تقدمه المبادرة القطرية، لكن ما يثير التساؤل هل سيكون المدخل الحكومي الأنسب لتطبيق المصالحة؟ بعد أن فشلت تجربة حكومة الحمد الله، وقدمت نموذجاً سيئاً لإمكانية أن تتجاوز حكومة توافقية الأزمات الفلسطينية. هذه الحكومة كان مطلوباً منها تحقيق الانسجام بين وزاراتها في الضفة وغزة، والتحضير للانتخابات الشاملة، والانطلاق بعملية الاعمار. وللأسف فقد فشلت في كافة ملفاتها ولمسنا تراجعاً كبيراً في سياق عملها وفق مستويات عملها الثلاث.

قد يكون من الأنسب مواصلة مزيد من الضغط باتجاه الانطلاق في المصالحة الفلسطينية من خلال بوابة منظمة التحرير الفلسطينية لعدة اعتبارات، كونها الجسم الفلسطيني الذي يحظى بتوافق كافة القوى الوطنية عليه، وإن كان هناك ملاحظات يمكن تجاوزها بما يسمح بمشاركة حماس والجهاد والإسلامي.

لكن ملف منظمة التحرير الفلسطينية يتحكم في مفاصله "سيادة" الرئيس صاحب السلطات الخمس، وعلى المنظمة أن توضح الأسباب التي تعوق انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وكذلك ما يعوق انعقاد اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني.

هذه الاستفسارات التي لا تجد إجابات رسمية من قبل القيادة السياسية الفلسطينية، تؤكد أن الاستعراضات السياسية في ملف المصالحة هي شغل للوقت، بانتظار تغير دراماتيكي يغير قواعد المشهد السياسي، ويمكّن الأطراف من مواصلة المزيد من المناورات في ظل انعدام الثقة بالنفس، وبالآخر وسط الخسائر الشعبية لكل من طرفي الانقسام.

الترقب الشعبي لمزيد من المعاناة أضحى حديث الشارع الأول، ودرجة الأمل بتمكن القوى السياسية من تحقيق انجاز يعود بالحالة الفلسطينية إلى مسارها تكاد تكون معدومة، لذلك فمواصلة الحديث عن لجنة من هنا أو هناك لتحقيق مصالحة أو ما شابه، هو استهتار بمعاناة وآلام الناس. طريق المصالحة عنوانه الرئيس، وزيارته لغزة لا تحتاج إلى موافقة الشقيق، بل إلى قرار مسئول، ونقاش الأجندة الوطنية لا يستدعى تدخل الإقليم، بل استيعاب الآخر وفتح مسارات العمل السياسي أمام الجميع بما يحفظ الثوابت ويكمل مسيرة النضال الفلسطينية نحو التحرير.