عزيزي القائد يحيى السنوار ..د. مجدي جميل شقورة

الأربعاء 12 أبريل 2017 08:14 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عزيزي القائد يحيى السنوار ..د. مجدي جميل شقورة



تعيش فلسطين هذه الأيام، وقطاع غزة على وجه الخصوص، ظروفاً ليست بالغة الصعوبة فحسب، بل كارثية، ولا يتعلق الأمر بقطاعٍ واحدٍ من قطاعات المجتمع، وإنما يشمل كل القطاعات مجتمعة، ولا يمس الأمر شريحة اجتماعية واحدة، ولكنه يستهدف كل شرائح المجتمع، بكل ألوانه وأطيافه السياسية والاجتماعية، وتزداد الأمور صعوبة على وقع الحصار الذي ينفذه الاحتلال على غزة منذ ما يزيد عن عشرة أعوام، وعلى وقع الانقسام السياسي الذي يؤزم الأمور أكثر وأكثر، وعلى وقع التهميش المقصود والمتعمد الذي يُمارس بحق غزة التي اعتبرتها كل الحكومات الفلسطينية منطقة كوارث ومنطقة منكوبة، ولا يبدو في الأفق بوادر حلٍ للمعضلة التي أوقع الكل الفلسطيني نفسه فيها، بسبب التعصب للرأي وإدعاء المعرفة والاعتقاد بأن المسار الذي يتبعه كل طرف هو الكفيل بتحقيق حلم التحرر والاستقلال الوطني.

تستعد غزة في الشهور القادمة لسلسلة جديدة من الإجراءات والسياسات التي تخطط لها قوى اقليمية وقوى عظمى، والقضية بالأساس تستهدف وجود حركة حماس في الحكم في قطاع غزة، في إطار نظرة شاملة لمجابهة ظاهرة الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، والأخبار التي تتوارد تؤكد أن ما يجري اتخاذه من قرارات بحق غزة هو مقدمة لسلسلة أخرى من القرارات التي يسعى من وضعها إلى ضرب غزة في مقتل، لجعل إدارة حركة حماس في غزة في مواجهة مباشرة مع مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع، يفتقد هؤلاء لكل أسباب العيش الكريم، ويعانون أشد المعاناة من ظروفٍ كارثية، فكيف وما يخطط للقطاع يضاعف (وربما يُكعّب) من معاناة الناس ويجعل العيش في غزة مستحيلاً، ومن المتوقع أن يتلو هذه الاجراءات تصعيد من نوعٍ آخر، يُغري حركة حماس بالبحث عن افتعال أزمة مع إسرائيل، بنيّة تحريك ملف غزة ومشكلاتها، وتكون هنا الضربة القاضية التي ستتم برضى أطراف اقليمية ستغسل يديها سريعاً وتنفضها من غزة وهمومها، والمجتمع الدولي الذي يرى في أمن إسرائيل خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، فكيف السبيل إلى التعامل مع ظرفٍ كهذا؟.

أخي أبو إبراهيم

أعرف أنك رجلُ شجاع، وأعرف أنه لا تعوزك الوطنية والأنفة والكبرياء، فقد كان المناضل سامي أبو سمهدانة يردد في المعتقلات أنك "توزع قبضنة على فلسطين كلها"، وأدرك أنك تحمل رؤية متكاملة لسبل الخروج من المأزق، وأتفهم كما غيري أن لديك من يسدون لك النصيحة ويقدمون لك المشورة ولا يبخلون عليك بالرأي، ولكن الأمر جد خطير، والمسألة تقتضي أن يتم النظر إلى الأمور بعين الجدية والموضوعية والرؤية بعيدة المدى، والمرحلة تحتاج وتستحق أن تناور بكل الوسائل المتاحة، وأن تخرج بغزة من عنق الزجاجة، وأن تنجو بأهلك من أزمات ستعصف بهم حتماً، والمستهدف هنا رأس الكفاح المسلح الفلسطيني، ورأس القدرة على المواجهة والممانعة والقرار المستقل، والمرجو هنا ألا تستهل عهدك في رئاسة حركة حماس بحربٍ مدمرة أو بانهيارات مجتمعية أو بعاصفة لا ترحم الضعفاء من شعبك الصابر والمغلوب على أمره، والمرجو كذلك أن تنتصر لأبناء شعبك في غزة، وأن تحيا غزة في عهدك حياة العدالة والمساواة وسيادة القانون والفصل بين السلطات والاجتهاد من أجل تأمين حياة أفضل نسبياً لأهلك الذين يعانون أشد من المعاناة، ويتحملون برباطة جأش قل نظيرها في هذا العالم شظف العيش ومرارة الوقوع تحت ضغوط الاحتلال والانقسام والتهميش.

مطلوب منك أخي أبو إبراهيم أن تستعيد الحاضنة الشعبية للكفاح الذي تمثله، وهذه الحاضنة كي تعود ينبغي أن تفتح بنفسك حواراً مع مختلف الأطياف السياسية وقوى المجتمع المدني في قطاع غزة، وأن تقترب من هموم المواطن، وأن تسعى إلى تحقيق العدل من خلال استشعار هموم المواطن واحتياجاته ومتطلباته للعيش بكرامة، والأهم من كل ذلك أن تسعى إلى خلق شراكة سياسية تفتح الأبواب أمام فرص الخروج من المأزق، وأن تجتهد في طي صفحة الماضي البغيض، وأن تعيد الوحدة الوطنية التي عاشها أهل غزة لسنواتٍ طويلةٍ بشكل قادها إلى أن تكون ذروة سنام الحركة الوطنية الفلسطينية، وأن تبذل جهوداً أكبر في تحقيق المصالحة المجتمعية، والانفتاح على الجارة الشقيقة مصر، لأن العلاقة بين جمهورية مصر العربية وقطاع غزة تمثل حائط وجدار صدٍ مهمٍ للغزيين، وتشكّل ضمانة أساسية لخروج غزة من أزماتها، والأمر يتطلب أعلى درجات التعاون مع مصر والتنسيق معها، وقبل كل ذلك التواصل مع كل طاقة فلسطينية تنطلق من معاناة غزة وأهلها، وأن تجعل يدك ممدودة لمصالحة تاريخية نحن في أمسّ الحاجة إليها.

أخي أبو إبراهيم

نتطلع إلى صيفٍ آمنٍ على الأهل في غزة، وتفويت الفرصة على من يريدون لها أن تتحول إلى كومة من الركام، أو أن يبتلع البحرُ أهلها، ونتطلع إلى مجتمعٍ خالٍ من الأمراض الاجتماعية المختلفة، ونقي وطنياً، وقادر على استنهاض الحالة الوطنية لاستعادة البوصلة، والخروج من النفق المظلم الذي أدخلنا فيه ساسةٌ مغرورون لم يهمهم إلا مصالحهم ورؤاهم التي فضّلت الخاص الحزبي الضيق على العام الوطني الرحب والواسع، ودورك الآن أن تضع غيرك في مأزق، وأن تقول للقوم تعالوا وتحملوا مسؤلياتكم نحو غزة وأهلها، فلا أحد يستطيع أن ينازعك سلطانك في غزة، وتمرير فكرة "تعالوا إلى كلمةٍ سواء" التي يمكن لها أن تكون فرصة تاريخية تجعل غيرك في مواجهة مع الرأي العام، وتضيف إلى رصيدك الوطني أسهماً جديدة، وتنجيك من غضب الناس وحزنهم، فالكلمة الأولى والأخيرة في مسارات حاضرنا ومستقبلنا هي للشعب الفلسطيني الذي يدفع كل فواتير الصبر ويحصد في كل مرة مرارة الحروب وفواجعها.