تأمين حقوق غزة، وتأمين الحماية لسورية ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 11 أبريل 2017 04:33 م / بتوقيت القدس +2GMT



حدثان يحتاجان إلى وقفة، الأول الظلم الذي لحق بموظفي قطاع غزة، والثاني مقتل أبرياء سوريين بالغاز السام والخلاص الكاذب الذي تقدمه إدارة ترامب.
تأمين حقوق غزة: بداية يمكن القول، إن القرار الذي اتخذته «حكومة الوفاق» التي يترأسها د. رامي الحمد الله لم يقتصر تأثيره على قطاع غزة، بل مَسَّ كل مواطن فلسطيني معنويا ووطنيا وإنسانيا.
فالتردي الاقتصادي المتواتر في قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي الدائم، والعجز الذاتي، والقصور الفلسطيني متعدد الأطراف، بات يهدد حياة وسلامة وكرامة واستقرار هذا المكون الأساسي من مكونات الشعب والوطن الفلسطيني، الذي سينعكس سلبا على كل المكونات. 
الكل يعرف أن القطاع يعاني من اختلالات أساسية في مجال (الكهرباء والماء  والصحة والوقود والعمل وحرية التنقل والحركة ومستوى المعيشة). 
نظريا، كان المطلوب إغاثة القطاع وإيجاد الحلول بحد أدنى، أوعلى الأقل وقف أي تفاقم إضافي لازماته الطاحنة. 
عمليا، اتخذت إجراءات (قرارات الحكومة) التي زادت الطين بِلّة وفاقمت الأزمة. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، هل توقفت الحكومة عند التداعيات السياسية والاقتصادية والإنسانية لقرارها باقتطاع نسبة غير محتملة من رواتب موظفي قطاع غزة؟  
وجود أزمة مالية خانقة كما تقول حكومة الوفاق، أمر غير مختلف عليه، ولكن معالجة الأزمة بدءا بالعصب الحساس المتمثل بتخفيض كبير لرواتب موظفي قطاع غزة، هذا هو محط الخلاف. 
أولا، لأن التخفيض لم يشمل كل موظفي السلطة في الضفة والقطاع، بل اقتصر على موظفي غزة، وهذا يجافي العدل والمساواة. 
تقول الحكومة إنها خفضت من موازنات أجهزة الأمن، هذا جيد، لكنها لم تخفض رواتب العاملين والموظفين، وبخاصة الرواتب العليا. 
لم توقف الترفيعات البيروقراطية التي تعتمد على المدة الزمنية والشواغر في الهيكلية وليس على الحاجة والكفاءة. 
ولم تمس بنظام التقاعد المبكر السابق براتب كامل لفئة العسكريين، ذلك النظام الذي لا يوجد له مثيل في العالم. 
لم تقترب من رواتب الوزراء والوزراء السابقين، وأعضاء المجلس التشريعي «العاطلين عن العمل»، ولم تقترب من الوظائف العليا عموما. 
بناء على ما تقدم يجوز القول إن الحكومة تعاملت بمعايير مزدوجة في اقتطاع الرواتب، والمعايير المزدوجة أمر في غاية الخطورة؛ لأنها تعني التمييز بين الموظفين، وعدم التشارك في الأعباء، وتعني إحداث شروخ في النسيج المجتمعي والوطني. 
قد يقول البعض إن موظفي قطاع غزة موظفون بلا عمل، ولأنهم لا يعملون ويملكون وقتهم كاملا فإن ذلك يوجب الاقتطاع من رواتبهم. 
لا شك أن وجود موظفين بلا عمل لفترة طويلة من الوقت مشكلة تمس قيم العمل وتؤدي إلى تشوهات وبخاصة للفئات الشابة، وكان ينبغي التوقف عند هذه المشكلة منذ بدئها وإيجاد الحلول لها، لكن هذه المشكلة لا يتحمل مسؤوليتها الموظفون وحدهم، بل إن المسؤولية الأولى تقع على السلطة التي كرست بنية وظيفة عمومية لا تعمل في الضفة والقطاع مع استثناء قطاعي «التعليم والصحة» وأجزاء قليلة  من مؤسسات أخرى. 
ولا يغير من واقع البطالة المقنعة دوام الموظفين الشكلي في مكاتبهم دون عمل. 
كان قرار الرد على انقلاب حماس باستنكاف الموظفين عن العمل خاطئا ومأساويا، وكان تساوق حماس معه واستبدال موظفي فتح بموظفيها هو الوجه الآخر للخطأ الذي دفع ثمنه الموظفون بخسارتهم القيمة العليا للعمل المنتج. 
وعملت السلطتان بعكس تطور العمل البشري الذي تمرّد على الاستغلال استنادا لمبدأ «من كل حسب مقدرته ولكل حسب حاجته». 
بقي القول، ينبغي التراجع عن قرار الحكومة الظالم وغير المتوازن، والبحث عن بدائل تستند إلى التشارك في الحقوق وفي الأعباء، ووضع سلم أولويات، مثلا الموظفون الذين أوجدوا بدائل لهم، ولهم مصادر أخرى، ليسوا كالموظفين الذين لا يملكون غير الراتب، ووضع خطة إنقاذ استنادا إلى خبراء شعبيين - قلبهم على الشعب - وليس خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين.  

تأمين الحماية للشعب السوري 
ما حدث في سورية أشبه بعمل سريالي، أطفال وأبرياء ومن فئات عمرية أخرى يموتون بغاز السيرين في بلدة خان شيخون التي تعرضت للقصف. 
البعض انقطع قلبه حزنا وغضبا بقطع النظر عن الطرف الذي ارتكب الجريمة، والبعض الآخر حّيد انسانيته متدثرا بالانكار وبإسقاط المسؤولية على الآخر.
البعض يسيس البعد الانساني، فهو إنساني مع من يؤيده سياسيا، وغير إنساني مع من يعارضه سياسيا، وتلك طامة كبرى، ثم اكتمل المشهد السريالي بحزن ترامب الذي جسده بقصف 59 صاروخ توما هوك على قاعدة طيران سورية. 
وتوزع الاقطاب بين مؤيد لترامب والتعامل معه كمنقذ ومنتصر للانسانية، وبين شاجب ورافض للعدوان الاميركي. 
المؤيدون لترامب جاؤوا من موقع الانتقام من النظام  الذي اطلق الغاز بحسب المنظمات الدولية.  
المؤيدون للنظام وحلفه الايراني الروسي استنكروا العدوان الأميركي لكنهم تجاهلوا مجزرة الغاز المروعة وضحاياها الأبرياء - اكثر من 20 تنظيما لبنانيا وفلسطينيا اصدرت بيانا ضد العدوان الاميركي ولم يأتوا من قريب أو بعيد على ذكر الضحايا  بكلمة واحدة -. 
أحد الممانعين عبر بدقة عن ذلك الموقف بالقول: لن ابتز إنسانيا لتغيير موقفي السياسي. 
هكذا، لم يتزحزح احد عن مواقفه رغم متغيرات من نوع سحب تركيا والعديد من الدول الاوروبية وإدارة ترامب لشعار اسقاط بشار الاسد والقبول به كجزء اساسي في الحرب ضد داعش والنصرة. 
وهو ما شجعه على استخدام الغاز. لقد التقت اميركا وتركيا والغرب وإسرائيل والخليج في اصطفاف ميداني موحد مع  روسيا وايران وحزب الله والمليشيات الشيعية. 
لكن اليسار النيو ليبرالي الذي ينتمي للقطب الاول واليسار القومي الذي ينتمي للقطب الثاني لم يعترفا بالتقاء القطبين، لأن الايديولوجيا لا تسمح  بالاعتراف. القصف الاميركي للقاعدة السورية المقترنة بخطاب الدفاع عن حقوق الانسان والديمقراطية أعاد الانظار للذين جاؤوا إلى حكم العراق على ظهر دبابة أميركية، مع استعداد بعض المعارضين السوريين لركوب دبابة اميركية من جديد، لكن التاريخ لا يتكرر فهو يأتي في شكل مأساة مرة وفي شكل مهزلة مرة أخرى. 
بيد أن عدوان إدارة ترامب وجريمة غاز السيرين التي ارتكبها النظام الاسدي بحق الابرياء لم يغيرا من قواعد اللعبة لدى الكبار.
فالحرب ضد الارهاب لها هدف واحد هو اقتسام سورية بين القطبين، ولا مكان للشعب السوري ومصالحه في تلك القسمة الحقيرة؛ لذا فإن الخروج من القطبين هو الشرط الحاسم لانقاذ سورية وشعبها من الاستباحة والاقتسام. 
ان تأمين الحماية للشعب السوري، ووقف الحرب وسحب المليشيات وطرد الارهاب ووقف التدخلات الخارجية ومحاكمة مجرمي الحرب ومرتكبي المجازر هي العناصر الجديدة المشتركة التي تعيد الاستقطاب الجديد من اجل سورية مستقلة وديمقراطية.   
Mihanned_t@yahoo.com