القمة العربية في الأردن استثنائية في أهميتها وتوقيتها على قاعدة حل الدولتين ..حسين حجازي

السبت 25 مارس 2017 10:00 ص / بتوقيت القدس +2GMT



يتفق الجميع على ان القمة العربية التي تعقد بعد أيام في الأردن هي قمة عربية استثنائية في أهميتها باعتبار ما يتوقع او ينتظر منها، وذلك لجهة الموضوع الرئيسي على أجندتها وهو الموضوع الفلسطيني، بغض النظر وبالرغم من الأزمات العربية المشتعلة في سورية والعراق واليمن وليبيا. 
ولعلها قمة وضع النقاط على الحروف فيما يخص الموقف العربي الجماعي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتسوية هذا الصراع على حد سواء. قمة يُنتظر منها ان تقول هذا هو الموقف نقطة وأول السطر، فيما يتعلق بالمفهوم المؤطر للمبادرة العربية وما هو تعريف الإطار لهذه التسوية او السلام الإقليمي. وبهذا المعنى فهي قمة توجيه الرسائل لمن يعنيهم الأمر الى الإدارة الأميركية الجديدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، وهي الأطراف الثلاثة التي تُكون الى الجانب العربي متوازي الأضلاع في هذه اللعبة، التي على ما يبدو تقترب الآن من الدخول في لحظتها الحرجة او التاريخية. 
وان بات معروفاً ان الرجال الثلاثة الذين يمسكون بمفاتيح او مقاليد الموقف العربي في هذه اللعبة، هما الملك عبد الله راعي هذه القمة والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني أبو مازن، فان التوافق بينهم هو العامل الحاسم. وكان واضحاً هنا ان متغيرا جديدا حدث في الآونة الأخيرة هو الذي غير المعادلة الجيو استراتيجية ككل إزاء المنظور السياسي لحل الصراع بعد حالة من الضباب والبلبلة، وان هذا المتغير كان الاتصال الذي أجراه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع أبو مازن، والذي وضع حداً لوهم الالتفاف او تجاوز الموقف الفلسطيني، وهو المتغير الذي تبخرت او تبددت معه لعبة بنيامين نتنياهو عن أُلهية او مناورة الحل الإقليمي البديل عن الحل الفلسطيني الذي هو حل الدولتين. 
الى القاهرة إذن بعد فتور استمر أشهراً بدعوة صريحة ورسمية من الرئيس السيسي الى أخيه الرئيس أبو مازن، وذلك بفضل الوساطة الأردنية. ولكن لأن دافعاً قوياً وان كان غير مرئي او مستتر من شأنه ان يمحو او ينفي الأسباب وراء هذه الأزمة، بعد ان طرأ على الظروف المعطاة، ما يستوجب العودة الى النص القديم وعدم الخروج عن هذا النص. وكان واضحا انه حتى تصريحات السيد إسماعيل هنية يوم الأربعاء الماضي لا تخرج عن هذا السياق، لتأكيده اللافت ان لا دولة في غزة وان غزة جزء من الدولة الفلسطينية. وهذا يعني في هذا التوقيت المهم ان «حماس» تقول وترسل رسالة واضحة لمن يعنيهم الأمر، «ونحن أيضا حماس لن نتساوق مع هذه المناورة ولن نمررها». ونحن نأخذ او نشير الى هذا التصريح في هذا السياق تحديدا بصورة مجردة عن الملابسات والانتقادات التي يمكن ان توجه لحماس، بشأن بدء عمل لجنتها الإدارية في غزة حتى وان بررت ذلك على لسان بعض المتحدثين باسمها ان هذه الخطوة لا تعني سوى التوجيه والمراقبة. 
والسؤال هنا هل كان ذلك بفضل الشيخ تميم بن حمد أمير قطر، الذي ربما همس في أذنه الرئيس أبو مازن في زيارته الى الدوحة التي تبعت زيارته الى القاهرة، والمقصود بذلك تصريح هنية المشار اليه؟ لإغلاق الثغرة المتمثلة بالانقسام  الفلسطيني ولو شكليا، او ضبابية موقف حماس وعزوفها السابق عن اتخاذ موقف واضح او قاطع من التداول الإعلامي والسياسي، الذي كان يجري من وراء الكواليس حول سيناريو الدولة الفلسطينية في غزة؟. 
ولن يُفهم كل ذلك أي هذا التبدل في المواقف الذي يحدث قبل عقد القمة العربية، الا اذا فهمنا او أدركنا المأزق او الصدمة التي تلقاها بنيامين نتنياهو، وبعد هذه الصدمة تغير كل شيء بما فيه هروب نتنياهو فيما يشبه إعلان إفلاسه السياسي الى حل حكومته وإجراء انتخابات مبكرة.  
هل احد كان يصدق قبل شهرين فقط من تولي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض واطلق نتنياهو على عهده صفة المخلص والمستقبل والغد الجديد مقابل أوروبا، التي نعتها بالماضي والأمس الذي انتهى الى غير رجعة او أسف؟ هل كان احد يصدق ان نتنياهو الساذج والواهم  لن يجد أمامه الآن سوى الهرب من دونالد ترامب؟ لعدم قدرته على المواجهة معه كما دأب على فعل ذلك مع أسلافه سوى فتح الباب والهروب الى الانتخابات من اجل كسب المزيد من الوقت، لعل معجزة تحصل في غضون ذلك وتطيح الدولة الأميركية العميقة بسيد البيت الأبيض الجديد الذي بدأت فرائص نتنياهو ترتعد منه. لا احد كان يتوقع ذلك ولكن هذا ما حدث. 
وهل يصدق احد انه بسبب الخلاف المفتعل أصلا يمكن حل الكنيست الإسرائيلي والذهاب الى الانتخابات؟ وهو لم يصدقه حسب استطلاعات أجرتها صحيفة معاريف61% من الإسرائيليين انفسهم. صحيح انه في احدث المعلومات المسربة حول فساد الرجل انه وصل الى حد الطلب من صاحب يديعوت أحرنوت، ان يكتب احد محرري هذه الصحيفة تقريرا يشوه صورة خصمه نفتالي بينت وحزب البيت اليهودي، وهذه إشارة واضحة لهوس الرجل بالإعلام.  
لكن هذا السبب غير قابل للإقناع وكذا السبب او الدافع الأخير عن محاولة الرجل إعادة خلط الأوراق الداخلية في إسرائيل، هربا من ضغوط تحقيقات الشرطة معه. وهو سبب لا يقنع الا السذج ذلك ان الانتخابات لا تحول دون مواصلة الشرطة هذه التحقيقات، كما يحدث الآن في فرنسا مع ممثلي اليمين فرانسوا ثيو وماري لوبين. 
وإذ يبدو الرجل عالقا في أزمة مبكرة مع دونالد ترامب حول الاستيطان، من دون ان يكلف نفسه ترامب الجبار حتى مجرد معاودة الاتصال به، فان محمود عباس كما العاهل الأردني الملك عبد الله يبدوان كما انهما يحضران لهذه القمة لكي تكون قمة استثنائية وغير عادية حقا، لتقديم رؤية العرب الفاصلة فيما يخص عملية السلام قبل لقائهما والرئيس السيسي مع ترامب. وبدأ خط سير الرئيس أبو مازن من لبنان الذي استُقبل من كل الأطياف السياسية، بمزيج خفي من الحنين للزمن الفلسطيني الذي كان يعطي لبنان بعدا مهما في السياسة العربية والدولية، وما يشبه التظاهرة الإعلامية والسياسية الداخلية.  
ومن موقف الرئيس ميشيل عون الداعم الى قطر ومنها الى بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي، وجنيف مجلس حقوق الإنسان ومن ثم دعوة المستشارة الألمانية لإبلاغه ربما شيئا بعد لقائها مع دونالد ترامب. 
وهل كانت مصادفة في هذا التوقيت إعلان الفرنسيين والأوروبيين عن النية باستئناف عقد المؤتمر الدولي للسلام في نسخته الثانية استكمالا لاجتماعه الأول؟ وهي رسالة واضحة من الأوروبيين من انهم عازمون على تحقيق رؤيتهم لحل الدولتين، وهذه الرسالة لم تكن موجهة لإسرائيل وحدها ولكن الى ترامب أيضاً والى العرب قبيل موعد قمتهم. ويتضح اليوم اكثر من أي وقت مضى عدم صحة الفرضيات، التي كانت تتردد من ان الأزمات في المنطقة من شأنها ان تضعف او تنفي أولوية المسألة الفلسطينية وأهميتها على جدول الأعمال العربي او الدولي على حد سواء، وهذه القمة يمكن ان نصفها الى حد ما بأنها قمة من أجل فلسطين.