وفاة مارتن ماكغينيس: الايرلندي الثائر والصديق الوفيِّ لشعبنا الفلسطيني ..د.احمد يوسف

الأربعاء 22 مارس 2017 12:43 م / بتوقيت القدس +2GMT
وفاة مارتن ماكغينيس: الايرلندي الثائر والصديق الوفيِّ لشعبنا الفلسطيني ..د.احمد يوسف



وفاة رئيس الوزراء السابق لإيرلندا الشمالية مارتن ماكغينيس؛ الزعيم السابق للجيش الجمهوري الايرلندي، والذي سبق وأن حقق خطوة تاريخية قبل عشر سنوات بقبوله دخول الحكومة مع عدوه اللدود سابقا إيان بيسلي من الحزب الوحدوي. وجاء قراره في اطار عملية السلام في إيرلندا الشمالية، التي انهت ثلاثة عقود من العنف قتل خلالها الألاف من سكان البلاد.

في نوفمبر 2006، سافرت إلى بلفاست، حيث كنت قادماً إليها من لندن بعد زيارة لعدة أيام التقينا فيها عدداً من أعضاء مجلس العموم واللوردات، وجمعنا بهم أكثر من حديث داخل البرلمان وخارجه، حيث تحدثنا باستفاضة عن حركة حماس التي قد فازت في الانتخابات التشريعية وفاجأت العالم باكتساحها لتلك الانتخابات، ولكن – للأسف - لم تكن هناك الكثير من المعلومات المتوفرة عنها لدى الكثير من صنَّاع القرار والنخب السياسية والإعلامية في بريطانيا، وأن كل ما لدى الساحة السياسية عن الحركة هو ما قامت إسرائيل بترويجه عنها من خلال الميثاق، وهو أنها حركة متطرفة تريد إبادة إسرائيل، واستهداف اليهود في كل مكان، وأنها مدرجة على قوائم الإرهاب العالمي!! أي ما يكفي لشيطنة الحركة، وقطع الطريق أمام كل من يفكر بالتواصل معها من الدول الغربية.

لقاءات عدة أجريناها مع وسائل الإعلام البريطانية وبعض السياسيين في العاصمة البريطانية، ثم كانت محطتنا الثانية في إيرلندا الشمالية للقاء ببعض قيادات الجيش الجمهوري (IRA) والحديث مع قيادة حزب "الشين فين"، ومن بينهم كان مارتن ماكغينيس.

كانت فرصة اللقاء مناسبة مهمة بالنسبة لي كسياسي ومستشار لرئيس الوزراء، حيث أتاحت لي ولصديقي النائب سيد أبو مسامح الاستماع باستفاضة لتجربة هؤلاء المناضلين، الذين اعتمدوا أسلوب الكفاح المسلح لسنين طويلة كان فيها مارتن من ماكغينيس أشد المحاربين الذين قادوا المواجهات مع القوات البريطانية، ثم في مرحلة لاحقة وبعد أن رضخت لندن لمطالب الثوار صار ماكغينيس من أبرز دعاة السلام وحقن الدماء، وقد نجح في إقناع رفقاء السلاح بإمكانية تحقيق ما كانوا يتطلعون له ولكن هذه المرة عبر المفاوضات، والتي ابتدأوها من موقع القوة والاقتدار، وأدت بهم في نهاية الأمر للتوصل إلى اتفاق السلام المعروف بـ (Good Friday)، حيث وضع الجميع السلاح جانباً، وأطلقوا العنان للمتحاورين للجلوس معاً والتفاهم حول أشكال الحلول، والعمل على تعبيد الطريق لإنهاء كل الخلافات وبناء الثقة لكي يتحقق التعايش بين جميع سكان البلاد، والذين تعود أصول بعضهم كبريطانيين للعهود الاستعمارية منذ احتلال الجزيرة قبل مئات السنين.

تحدثنا مع ماكغينيس؛ والذي كان – آنذاك - نائباً لرئيس حزب (الشين فين)، ودعوناه بعد أن استمعنا له ورفاقه في الحزب لزيارة قطاع غزة، وقد وعد الرجل خيراً، ولكننا علمنا أنه حاول القدوم إلى القطاع، ولكن السلطات الإسرائيلية لم تعط إشارات ترحيبية للزيارة. لذلك، أرسل آخرين من قيادات الحزب ومن بينهم رئيسه جيري آدم، والذي التقيناه واستمعنا له مطولاً في غزة.

اليوم يرحل مارتن ماكغينيس إلى العالم الآخر، تودعه دموع الملايين من الايرلنديين وأحرار العالم، وقد ترك خلفه أثراً في ذاكرة  الكثير من شعوب العالم، التي قاومت الاحتلال وواجهت استكبار الدول الاستعمارية، بأن الشعوب من حقها أن تقاتل، وأن تتحدى صلف المستعمرين وجبروتهم.

وكما هو معلوم، فإن إيرلندا هي دولة استعمرتها بريطانيا قبل 800 سنة، وضمتها إلى مملكتها العظمى، وظل الايرلنديون يطالبون بالحرية والاستقلال عبر البندقية حيناً ثم بالمفاوضات السلمية حيناً آخر، وقد تمكن شعبها من نيل الاستقلال وإقامة جمهورية إيرلندا على جزء كبير من أرضه، فيما واصل ماكغينيس ورفاقه الطريق لاستكمال مشروع الحرية والاستقلال لتحرير ما تبقى من أرضهم تحت الاحتلال.. إن ماكغينيس وفي مرحلة تاريخية من سنوات النضال يعتبر واحداً من أبرز من رسموا خريطة التعايش والتفاهم والاستقرار والأمن في إيرلندا الشمالية، ومن أهم من وضعوا ملامح الرؤية لمرحلة ما بعد الاستعمار.

لهذا الثائر والمناضل والمقاتل العنيد نقول: وداعاً، لقد أحبك كل من عرفك أو زار بلادك من الفلسطينيين، ولقد تركت أثراً وسيرة نضالية طيبة للكثير من المضطهدين والمستضعفين حول العالم، مفادها: مهما عظمت قوة المحتل وجبروت حالته الاستعمارية، فإن إرادة الشعوب لن تفهر، وأن مقاومتها ستنتصر في النهاية طال الزمن أو قصر، وسوف تأتي لشعوبها بالحرية والاستقلال.