هل نراهن على دونالد ترامب؟ حسين حجازي

السبت 18 مارس 2017 08:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 

جرى الاتصال المباشر الأول والمكالمة واتفق على اللقاء، هل تنفسنا الصعداء إذن؟ والجواب نعم. فقد كان العالم ولم يزل جميعه معنا، ولكننا كنا نرنو بأبصارنا الى أميركا وننتظر من سيد البيت الأبيض الجديد الإقدام على المبادرة، وها هو فعل وعلى طريقته مفاجئاً الجميع نحن والإسرائيليين معاً. وكان هذا مريحاً لنا ومزعجاً لبنيامين نتنياهو وجماعته، ورأينا نحن في ذلك إغلاقاً للحلقة او الدائرة او ردماً للثغرة، ووضع حدٍ بل نهاية مبكرة وربما صادمة لادعاء جوقة اليمين المتطرف الحاكم في إسرائيل عن الوهم الكاذب، والذي لا يخلو من صبيانية من ان ترامب لهم وجاء من اجل ان يعطيهم الغطاء التاريخي للخلاص النهائي والى الابد من العقيدة العالمية التي اسمها الدولة الفلسطينية. 
كان ذلك في الواقع أشبه بالقصص الغرامية والمفعمة بالغيرة بالتنافس على الحبيب، بعد أن تحول دونالد ترامب المثير للجدل ويا للعجب الى ان يصبح هو الحبيب، وبعد أن قال بنيامين نتنياهو عبارته عن الوعد مع التغيير التاريخي لمصلحة إسرائيل. قال الرئيس الفلسطيني أبو مازن وقد جاء دوره الآن ليعدل وجهة التغير التاريخي خاصية نتنياهو، انه يؤمن ويعتقد أنه مع دونالد ترامب سوف يحقق السلام التاريخي أي المعجزة. 
لكن سياسياً فلسطينياً أردنياً عريقاً هو طاهر المصري، سارع لتحذير الفلسطينيين أن مهلاً لهذا الحماس العاطفي لدونالد ترامب، خشية ان يكون الرجل يعد كميناً مُحكماً للفلسطينيين فمهلاً، ولم يقل الرجل كذلك الكمين الذي بدأ يكتشفه نتنياهو بعد لقائه في البيت الأبيض مع القيصر الجديد قبل شهر، حتى توقف نتنياهو عن الكلام بشأن التغير التاريخي وفلتان الاستيطان. وبات يرجو مبعوث ترامب ان يسمح له ولو الإيفاء بوعده لمستوطني عمونا. 
أي كمين يا رجل؟ واذا وضعنا جانباً هذا النوع من المكايدات على الطريقة الشعبية او حتى النكايات وإثارة الغيرة بين الخصوم السياسيين، وأطراف صراع ما من قبيل التودد الراهن لكسب ود دونالد ترامب، الذي يمكن أن يعتبر كوقوع في غرام الرجل بين ليلة وضحاها، او ما يعتبره المصري حماساً عاطفياً له من قبيل القيادة الفلسطينية يخشى ان يكون مخادعاً ومضللاً. 
فإنني أرى، أن للمسألة ربما وجهاً آخر يضرب في مكان آخر عميق في الجانب النفسي الدفين لأزمة الفلسطينيين في تجربتهم الطويلة ولكن المريرة مع الأميركيين، اذا كنا لم نستطع ان نستمع الى ادوارد سعيد بُعيد عقد اتفاقية أوسلو بقليل الى نفس الشكوك والتحذير نفسه الذي تبديه الآن، ليس لأننا لا نريد الاستماع او رؤية الصورة او لا نعرف أميركا على حقيقتها كما قال ادوارد سعيد. ولكن لأن شيئاً ما من قبيل الحدس الباطني او التاريخي هو الذي كان يصغي اليه عرفات ويصغي الى صوته اليوم أبو مازن، وهذا هو قوام الأزمة الفلسطينية مع أميركا التاريخية. 
كان للسياسة الأميركية التي يمكن وصفها او تسميتها بالتقليدية، وابرز ممثلين لها خلال العشرين عاماً الماضية بل كلينتون وبوش الابن وباراك أوباما، اقرب في نتائجها او محصلتها الى ما يقوله المثل الشعبي "باخذك الى شط البحر ولكنه يعود بك عطشان" . ولكن بعد مجيء ترامب والغموض الذي أحاط بموقفه فقد بدا لنا ان إعادة انضباطه او التزامه بهذه السياسة التقليدية لأسلافه، ولا سيما التزام حل الدولتين هو الهدف الرئيسي للسياسة الفلسطينية. وذلك في ظل ما أوحى به الرجل عن تمرده وثورته على سياسات أسلافه السابقين في البيت الأبيض في كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية. 
بدا لنا مجرد الحفاظ على هذه السياسة التقليدية في لحظة ما، هي الغاية ومعيار التوازن الذي يعني تقويض المشروع اليميني الإسرائيلي المتطرف، او أقله تثبيته وعدم تمدده وخصوصاً عبر الاستيطان. لكن في واقع الامر وفي الحقيقة الدفينة في داخلنا غير المعبر عنها، فإننا كنا نتوق الى هذه اللحظة التي يمكن ان يأتي بها رئيس للولايات المتحدة، ينقض فيها على هذه السياسة التقليدية المترددة والمتواطئة مع إسرائيل، والتي تقوم على الخيانة والخذلان والجبن على حد وصف جون ديوي الفيلسوف الأميركي أبو البراغماتية، وينصفنا أخيرا وينصف مظلوميتنا وقد شعرنا ذلك جزئيا ولكن "متأخراً جداً وقليلاً جداً" كما لاحظ رشيد الخالدي الأستاذ الجامعي ورفيق ادوارد سعيد، مع مبادرة جون كيري أواخر عهد أوباما وتمرير قرار مجلس الأمن الدولي 2334. 
فهل شعور غامض او حدس ربما جماعي هو الذي نسمعه في دواخلنا كصوت يأتي من بعيد؟ هو الذي يملي علينا هذا الرهان ربما المختلف عن سوابقه على هذا الرئيس الإشكالي والمثير للجدل؟ والذي يمكن تصوره هو من يأتي أخيراً في نهاية القصة المأساوية حاملاً السيف وممتطياً الحصان، ليقول بصوت عال: أنا إذن من ينهي هذه المشكلة التي أعجزت العالم، أنا من يحل اللغز الذي عجز عن حله الجميع. وكل ذلك من اجل الإنسانية، وسوف ترون فالى تحقيق الصفقة الكبرى او التاريخية (تصفيق). 
هل نقول له لا؟ ام نقول له: عافاك يا بطل، امض الى الأمام ونحن معك. ولكن ما الفارق اليوم بين الرجل وأسلافه الثلاثة الآخرين الذين اقروا بحل الدولتين، ولكن السلام والدولة الفلسطينية لم يأتيا؟ والجواب واضح اليوم ان هذا رجل وقد صنع حوله مهابةً لا يمكن المزاح معه من قبل إسرائيل او اللعب عليه من الخارج من قنوات الضغط الموازية، وليس للوبي اليهودي أي فضل مالي عليه. ويبدو انه يؤمن بما يقول، وكرر هذا القول في لقائه قبل أيام أمام ولي ولي العهد السعودي في البيت الأبيض، من انه راغب ومصمم على إنهاء هذا الصراع. 
وهذا التصميم هو ما نريد ان نراه حقاً وما يزعج نتنياهو وجماعته، الذين وصفوا محاولات جون كيري بنوع من الهزء والسخرية اللاذعة بل الجارحة، بقولهم: هل يعتقد انه هو المسيح المخلص؟ ومن اين نزل علينا؟ فليتركنا وشأننا. ولن يجرؤوا على قول هذا الكلام الآن لترامب، ماذا يعتقد نفسه المسيح المخلص؟. 
وبعد ثلاثة أيام فقط من اتصاله بالرئيس أبو مازن ليؤكد انه هو الشريك، وانه لا يتجاهل القيادة الفلسطينية. ارسل على عجل يوم الاثنين مبعوثه الى ما يسمى عملية السلام، لكي يعد له التقرير الميداني ويبني عليه ترامب خطته ومبادرته، وعلى مدى ثماني ساعات على مرتين اجتمع مع بنيامين نتنياهو، وعلى مدى ثلاث ساعات اجتمع في المقاطعة مع أبو مازن. 
ومن الكلمات التي عقب بها على اجتماعاتهم مع هذا المبعوث المثابر والمجتهد، الذي استطلع الجغرافيا كما كل من رأى الاستماع اليهم ومقابلتهم، نستطيع ان نستخلص الآتي: 
قال نتنياهو إن المناقشة بينهما كانت صريحة ومعمقة وصريحة تفيد معنى التعبير عن وجود الخلافات، وان اتفاقاً او تفاهماً حول البناء في الاستيطان لم يتم. وكان ترامب قال له علنا ان ارضهم أي مساحة الضفة صغيرة ومحدودة أصلا، والمسألة واضحة ان الرجل ومبعوثه يفكران بحل الدولتين، وهذا هو مغزى التشديد على منع الاستيطان. 
اما الفلسطينيون فقد قالوا كلمات تظهر ارتياحاً أكثر، تحدثوا عن محادثات إيجابية جداً ومشجعة وبناءة، ويمكن البناء عليها. وقال الرئيس الفلسطيني بوضوح انه يؤمن بإمكانية تحقيق السلام التاريخي برعاية ترامب. وكان هذا فرق واضح في الانطباعات التي خرج بها كلا الطرفين من لقائهما بالمبعوث الرئاسي. لقد بدأت الساعة الكبيرة على الحائط تدق في التحرك الى الأمام، وفي القمة العربية أواخر هذا الشهر في عمان موعد مهم.