لا حل ولا حكم مع الانقسام ! رجب أبو سرية

الجمعة 17 مارس 2017 09:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
لا حل ولا حكم مع الانقسام ! رجب أبو سرية



 

 

سواء أقدم المجلس التشريعي في غزة على تنفيذ ما "يفكر" فيه من تشكيل لجنة إدارية لإدارة قطاع غزة، أم لا، فان حركة حماس، التي تشكل كتلتها النيابية الأغلبية في المجلس التشريعي الثاني، ما زالت تدير وتحكم قطاع غزة _ سواء كان هناك عنوان حكومي لها، كما كان الحال، إلى ما قبل ثلاث سنوات، حين تم التوصل لاتفاق الشاطئ، وتشكيل حكومة التوافق الوطني، أو لم يكن _ بطريقتها، والتي يبدو أنها هي الطريقة الصحيحة، التي تختصر الطريق إلى الحكم والتحكم، من حيث أنها تهتم بالجوهر ولا تتوقف عند حدود الشكل، الذي عادة ما يهم أناسا، ليست حركة حماس منهم، على أي حال.
حتى في الدول والبلاد المستقلة، عادة ما تظهر قوى سياسية أو مجتمعية، تشكل ما يمكن وصفه بالدولة داخل الدولة، أو بحكومة الظل، أو إلى آخر ما هنالك من أوصاف وألفاظ، تصف وجود أحزاب أو قوى تتمتع بقوة النفوذ والتأثير، بحيث تحكم من وراء الكواليس أو من تحت الطاولة، دون أن تحتاج إلى عنوان صريح، وعادة ما تكون مثل هذه القوى أكثر تأثيرا وأعظم حكما من حكومات كثيرة تحكم "بالاسم" وهي في الحقيقة بلا حول ولا قوة !
وحتى لا نبتعد كثيرا، يمكننا الإشارة إلى السلطة الفلسطينية نفسها، التي كنا قد رفضنا، أن نقر بأنها سلطة حكم ذاتي، لأننا كنا نتطلع _ وما زلنا _ إلى أن تتحول بالتدريج إلى حكم مستقل بتحرير الأرض من الاحتلال، بهذه الطريقة أو تلك، ورغم أن نصوص اتفاقات أوسلو التي أنتجت السلطة الفلسطينية، تحدثت عن مسؤولي حقائب لسلطة الحكم الذاتي، إلا أننا _ ونكاية في الاحتلال _ ومن اجل تثبيت منطق وثقافة الاستقلال الوطني، قلنا عن مسؤولي الحقائب وزراء، ولم يظهر "مصطلح" ولا حتى منصب "رئيس وزراء" السلطة إلا عام 2003، وهو منصب لا يعتبر رأس نظام السلطة، لأن السلطة تعتمد النظام الرئاسي وليس البرلماني.
المهم انه ربما كان أفضل لنا، لو انه لم تكن هناك حكومة سلطة فلسطينية، وكنا كفلسطينيين نحكم ونقرر مصير أرضنا وشعبنا بأنفسنا، كما كان الحال مثلا، حين كان أبو عمار في بيروت، وكان يطلق البعض على مركزه القيادي أسم حكومة الفاكهاني، أي ربما كان أفضل لنا أن نظفر بالجوهر، وندع الشكل، الذي كنا قد اخترعناه لتحقيق الغاية المنشودة، تماما كما كان أبو عمار قد أعلن الاستقلال عام 1988، في الوقت ذاته الذي أعلن فيه منصب رئيس دولة فلسطين، رغم أن دولة فلسطين لم تكن قائمة بالفعل على الأرض.
أولا وأخيرا، وفي كل الأحوال، المهم هو كيف نذهب على طريق تحقيق هدفنا الرئيسي، وهو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا المحتلة عام 1967، وتوحيد شعبنا ثقافيا ومن ثم سياسيا، سواء كان ذلك داخل حدود أرض الدولة المحتلة تلك، أو في كل مكان.
في الحقيقة إن فصل العشر سنوات الماضية، والذي كان قد شهد منذ العام 2006، دخول المعارضة الفلسطينية وفي مقدمتها حركة حماس نظام السلطة السياسي، كان وما يزال فصلا معطلا ومعيقا للتقدم الفلسطيني على طريق تحقيق التحرر والاستقلال، فالمعارضة بدخولها النظام السياسي للسلطة الناجم عن اتفاق أوسلو الذي كانت عارضته منذ توقيعه، كان وضع حدا للانقسام السياسي بين السلطة والمعارضة، لكنه احدث انقساما جديدا بين سلطتين !
يعني كأنك يا أبو زيد ما غزيت، ومنذ أن وقع الانقسام، وبعد فصل من تواصل الحرب الإعلامية التي أظهرت أن نظامي الحكم الفلسطينيين، إنما هما نظامان عدوان، أو خصمان، وبعد جهود متواصلة وبعد تدخل أكثر من طرف عربي، تحولت العلاقة بين نظامي حكمنا إلى إدارة الانقسام، ولم تنجح مطلقا في وضع حد له أو إنهائه، وأكثر ما وصلت إليه كان إعلان الشاطئ، الذي بعده وبناء عليه أعلن إسماعيل هنية استقالته من" منصب" رئيس حكومة غزة !
ورغم تشكيل حكومة التوافق الوطني، التي اعتبرت حكومة الكل الوطني، حكومة "دولة فلسطين تحت الاحتلال" في الضفة والقدس وقطاع غزة، إلا أنها لم "تحكم" فعليا قطاع غزة، بحيث بقيت سلطة حكم ذاتي في الضفة، وحكومة على الورق في غزة.
وكما قلنا في بداية هذا المقال، بأنه سواء أعلنت "حماس"عن لجنة لإدارة القطاع أم لا، فان الوهم المتجدد هو الذي ما زال يوحي للبعض هنا، بأنه يمكن كسر الحصار عن غزة، وللبعض هناك، بأنه يمكن إجبار الاحتلال على الرحيل دون إنهاء الانقسام، أو في ظله.
وقد مرت عشر سنين، لابد أنها كافيه تماما، حتى يقتنع كل من" خف عقله" بإمكانية تحقيق شيء على الأرض في ظل هذه الحالة، فقد كان في البيت الأبيض جورج بوش الابن، ومن ثم جاء باراك اوباما، والآن دونالد ترامب، كذلك كان في تل أبيب أهود أولمرت، ومن ثم بنيامين نيتنياهو وما بينهما، وكانت هناك سورية وليبيا ومصر، ولم نتقدم قيد أنملة، وبالتفاصيل يمكن القول كثيرا بهذا الصدد، ورغم أن الحديث عن لجنة إدارية في غزة، ربما جاء في سياق مماحكة بعد الإعلان عن إجراء الانتخابات المحلية في الضفة دون غزة، ورغم انه يمكن أن يوحي بوجود من يوافق داخليا على مشروع دولة غزة، إلا أن الثابت هو أن الانقسام مستمر، وان "الوهم" بإمكانية انتزاع شيء من إسرائيل، في ظله، وفي ظل العجز عن إطلاق انتفاضة أو مقاومة ولو كانت مجرد احتجاج أو تظاهر شعبي ضد الاحتلال، يداعب مخيلة بعض أركان" الحكم" الشكلي هناك، وبعض أركان الحكم "الخفي" هنا، وهنا تكمن المعضلة والمشكلة، واللهم لا عزاء للأغبياء ولا للضعفاء، ولا لعاشقي "الكبرة" يعني السلطة، حتى لو كانت على خازوق !
Rajab22@hotmail.com