حقائق تشكل المشهد الكامل للصورة ..بقلم: اسماعيل مهرة

الأربعاء 22 فبراير 2017 01:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
حقائق تشكل المشهد الكامل للصورة ..بقلم: اسماعيل مهرة



أطلس للدراسات 

من المعروف أن الحياة لا تعرف الفراغ ولا تتوقف، والتغيير المستمر هو أحد أهم الثوابت الكونية. وفي منطقنا على وجه الخصوص، إن التغيير هو الأكثر تسارعًا مقارنة بالمناطق الأخرى, لا سيما منذ بداية الصراعات الشمولية الكبرى في الكثير من بلدان الوطن العربي, ويعود الأمر لأسباب كثيرة من بينها؛ قوة جاذبية التدهور على سفح المنحدر، وضعف المصدات، والتأثير القوي للنفوذ الخارجي، والصراعات بالوكالة، والاستثمار الإسرائيلي كطرف حاضر بقوة وغائب عن علانية المشهد وله مصالح كبرى ولدية قدرات كبيرة بما راكم من نفوذ وقوة وتشبيك مع أطراف كثيرة عربية ودولية .

هذا التغير المتسارع يخلق حقائق تتحول إلى معطيات سياسية وأمنية واجتماعية وتصبح من بين المكونات الفاعلة والمؤثرة في القرارات والتوجهات, بحيث يغدو من الصعوبة بمكان تجاهلها وعدم ترجمتها في الواقع المتشكل مستقبلًا .

المكابرون فقط، وعديمو الإحساس بالمسؤولية، والفهلويون،  وأولئك الذين لا يؤمنون بالأهمية الكبرى لعامل الوقت، والذين يرفضون أن يتحملوا مسؤولية اخفاقاتهم وفشلهم، ويرفضون الاعتراف بعجزهم و عبثية سياساتهم؛ هم من يصرون على التعامي عن الحقائق المتشكلة وعن مخاطرها، ويقللون من شأنها ويستمرون بذات الخطاب وذات النهج وذات الأدوات, مما يفاقم الأزمات ويحولها إلى مصائب لا حول لنا ولا قوة تجاها, سوى لعن قدرنا والابتهال إلى الله أن ينجينا مما فعلت أيدينا .

في حين نام العرب، سواء مطمئنين أن عامل الوقت يعمل في النهاية لصالحهم, أو مستسلمين في الغرف المغلقة  ومكابرون أمام شعوبهم, فإن من كانوا مجرد عصابات ومليشيات سطو واغتصاب وقتل, استغلوا عامل الوقت بشكل جنوني وفرضوا أنفسهم على المنطقة وعلى العالم بقوة الفعل لا بقوة الحق؛ ونجحوا ليس فقط في التغلب على الواقع، بل وخلقوا وقائع قوية ووصلوا إلى ما هو أبعد من أحلامهم الأولى, ومع النجاح تزداد الشهوات والأطماع، لا سيما في ظل ضعف وهشاشة العدو, ومع ما يتشكل الآن من واقع وحقائق جديده تعزز هذا الاتجاه .

 واليوم يمكن لكل متابع أن يقف على مجموعة من الحقائق التي في حال ربطها مع بعضها البعض تساعد على رؤية الصورة بكامل أبعادها وفهم مآلات ميلها المستقبلية في حال استمرت اتجاهات الواقع ليس رغبة في بث حالة التشاؤم أو نشر الاحباط, لكننا بدافع قرع ناقوس التحذير من الخطر الكبير الذي تجاوز الخطوط الحمراء, نحاول أن نتبين مجموعة الحقائق الكارثية.

الحقيقة الأكثر خطورة هي تحول إسرائيل نتنياهو-  أي إسرائيل الأكثر يمينة وتطرفًا، والتي لا ترى في سلام العرب معها إلا استسلامًا لقوتها - إلى دولة شريكة في تحالف التصدي للنفوذ الإيراني والتصدي لكل أشكال التهديدات الأمنية. وترجمات هذا التوجه كثيرة جدًا، وكل يوم تكشف الصحافة الإسرائيلية والأجنبية عن صفقات ولقاءات وتعاون بين إسرائيل والأنظمة العربية. وهذا ما أعلنه نتنياهو قبل أيام أثناء لقاءه الأخير مع ترامب في البيت الابيض, حيث أعلن بوقاحة "أنه لأول مرة في تاريخ إسرائيل, لا يرى العرب في إسرائيل عدوًا، بل حليفًا لهم في حربهم ضد إيران وضد ارهاب داعش"، والمدهش أن لا الجامعة العربية ردت على التصريح ولا صدر ما ينفي الأمر من أى من الدول المقصودة.

الحقيقة الثانية, أن يوافق رئيسي أهم دولتين لهما علاقة بالقضية الفلسطينية على الاعتراف بيهودية الدولة وضم الكتل الاستيطانية الكبرى, وهذا ما كُشف عنه مؤخرًا وكُشف أمر القمة السرية في العقبة التي جرت في إبريل 2016 حيث جمعت بين كل من نتنياهو، كيري، الملك عبدالله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وكان إطار كيري هو الأساس السياسي للقاء.

نتنياهو الذي رفض اقتراح كيري رغم قبول العرب به, طالب العرب بالانفتاح أكثر على إسرائيل وتعزيز السلام الاقليمي, هذا فضلًا عن المخاطر المترتبة على عقد قمة لها علاقة بفلسطين ويغيب عنها عمدًا الممثل الفلسطيني، وهي تمثل بالنسبة لنتنياهو وللأمريكان قبولًا عربيًا مبدئيًا بمطلب يهودية الدولة وقبولًا بالحدود الجغرافية للدولة التي اقترحها كيري, قبولًا عربيًا دون تقديم أدنى موقف إسرائيلي .

الحقيقة الثالثة، تكمن فيما يترجم الآن بقوة من تعاون قوي عربي إسرائيلي على المستوى الأمني، على الأقل، من قبل مصر والأردن فيما يتعلق بمحاربة داعش وتدريب قوات الجيش الحر, وقد اعترف ليبرمان، قبل يومين، اعترافًا مواربًا عن مسؤولية إسرائيل باغتيال مقاتلي داعش الخمسة في احدى قرى سيناء, الذين تم اغتيالهم عبر مهاجمتهم بطائرة دون طيار، ومن المعروف أن مصر لا تمتلك طائرات مسيرة عن بعد قادرة على التسلح واطلاق الصواريخ, وهو أمر بلا شك يعزز ويوثق تعاونًا بعيدًا عن القضية الفلسطينية .

 الحقيقة الرابعة، المصالح الإسرائيلية التي تتعزز على الجبهة السورية. فالتعاون بين إسرائيل والمتمردين لا يحتاج لبراهين وأدلة ولم يعد خافيًا. وقد اعترف بذلك علانية وزير الحرب السابق يعلون, وباتت المصالح الإسرائيلية في سوريا حاضرة بقوة في كل المحادثات التي أجراها نتنياهو مع بوتين سنة 2016،  ويبدو أن التفاهم عليها كان سر نجاح مجمل التفاهمات الروسية الإسرائيلية فيما يتعلق بسوريا.

هذا وقد طالب نتنياهو مؤخرًا إدارة ترامب فيما يتعلق بالملف السوري, وكان الملف الثاني من حيث أهميته على طاولة قمة ترامب نتنياهو, بالعمل على إبقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيلية, فضلًا عن المطالبة بتأمين منطقة القنيطرة درعا من أي نفوذ ايراني او أي نفوذ معادي لإسرائيل, أي أن المطامح الإسرائيلية ليس فقط في استثمار انهيار سوريا لنيل موافقة عالمية للسيادة الإسرائيلية على الهضبة, بل ومشاركة إسرائيلية في تشكيل سوريا الجديدة .

 الحقيقة الخامسة, هي في الانحياز الأمريكي الكامل والعلني والصريح لإسرائيل وتأثيره على الدول الغربية، وتراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية, وانفتاح العواصم الغربية والدولية أمام تل ابيب, بغض النظر عن جرائم تل ابيب وتنكرها لأبسط حقوق الانسان المتعلقة بالفلسطينيين وتنكرها للإجماع الدولي الخاص بحق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره واقامة دولته على الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67 .

الحقيقة السادسة, هي الانقسام الحمساوي الفتحاوي والصراعات الفتحاوية، وتراجع ثقة الشعب الفلسطيني, لا سيما في الضفة, بالفصائل الفلسطينية, وتراجع الثقة بالمشروع الوطني الفلسطيني, وما يترتب على ذلك من تراجع إرادة المقاومة، وزيادة علامات الاستفهام حول مستقبل السلطة ومستقبل حركة فتح ما بعد أبي مازن. ومن جهة أخرى، تعزز حضور دولة غزة في الفضاء السياسي العام وتعززها في الواقع, في ظل تشجيع كبير في الأجواء على البحث عن حلول بديلة لحل الدولتين.

 نعم الواقع المتشكل فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا هو واقع مرير برغم وجود بصيص ضوء في نهاية النفق الطويل, واقع يبعث على التشاؤم على مستوى مستقبل قضيتنا ويجعلنا نعتقد أننا في مرحلة اللاعودة, الأمر الذي يوجب على كل ذي ضمير وطني أن يقرع ناقوس الخطر المحذر من نجاح المؤامرة التي استهدفت التخلص من قضيتنا منذ عشرات السنين, لكن المسؤولية الكبرى في انقاذنا أو اغراقنا هي مسؤولية الفصيلين الأكبرين, مسؤولية قادة حركتي حماس وفتح, الذين نأمل أن يرتقيا إلى مستوى المهمات والتحديات ويدركا هول الكارثة ويمتلكون إرادة التصدي والتحدي بما يستلزمه ذلك من انهاء الانقسام وإعادة بناء البيت الفلسطيني على أسس ديموقراطية وحدوية .