حل الدولتين وفرص تسوية القضيةالفلسطينية..اللواء ـ محمد إبراهيم ع

الجمعة 17 فبراير 2017 05:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
حل الدولتين وفرص تسوية القضيةالفلسطينية..اللواء ـ محمد إبراهيم ع



عندما نتحدث عن فكرة حل الدولتين فى إطار بحثنا عن أفضل أساليب حل المشكلة الفلسطينية يجب أن نؤكد بداية على أن هذه الفكرة ليست منحة وهبتها دولة أو مجموعة من الدول للفلسطينيين من أجل حل قضيتهم العادلة، وإنما تمثل أقل الحقوق التى يجب أن يحصل عليها الشعب الفلسطينى الذى يرزخ تحت الإحتلال الإسرائيلى منذ خمسة عقود ولا يزال يعانى من وطأة هذا الإحتلال كحالة فريدة فى هذا العالم الذى ينادى بالديموقراطية والحرية . 

من المهم أن نعود إلى تأصيل فكرة حل الدولتين وطرحها كوثيقة رسمية, فقد طرحت اللجنة الرباعية الدولية المعروفة بإسم QUARTET والمكونة من أربعة أطراف رئيسية (الولايات المتحدة – روسيا – الإتحاد الأوروبى – الأمم المتحدة) فى إبريل 2003 ما يسمى بخريطة الطريق تضمنت ثلاث مراحل تنتهي عام 2005 بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة تعيش فى أمن وسلام بجوار دولة إسرائيل. 

قامت الرباعية الدولية بتسليم الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى نسخة رسمية من هذه الخريطة وتم الشروع بالفعل فى تنفيذ المرحلة الأولى منها (مرحلة الإستقرار الأمني) بمشاركة مصرية فعالة ثم توقفت الجهود نتيجة العراقيل التي وضعتها إسرائيل (طرح شارون 14 تحفظاً عليها) ومحاولتها إختصار الحل الشامل بأكمله فى المرحلة الثانية فقط أى دولة فلسطينية بحدود مؤقتة حتى لا نصل إلى المرحلة الثالثة والأهم وهى مرحلة حل الدولتين الأمر الذى فطنا إليه ورفضته مصر وفلسطين والدول العربية. 

إذن فالإدارة الأمريكية الجمهورية فى عهد الرئيس بوش (الابن) هى التى تبنت رسمياً مبدأ حل الدولتين بالتنسيق مع الأطراف الأخرى, ومنذ ذلك الوقت كان هذا هو الفكر الذى سيطر على جميع التحركات الأمريكية، لدفع جهود السلام فى المنطقة وهى تحركات متعددة ومكثفة وتفصيلية وصلت إلى بلورة نقاط تفاهم إسرائيلية فلسطينية بموافقة أمريكية ولكنها تعثرت عقب سقوط حكومة أولمرت وتولى نيتانياهو السلطة عام 2009 وبالرغم من ذلك إستمرت الجهود الأمريكية حتى توقفت تماماً فى منتصف عام 2014 وحتى الآن. 

لم يحمل وصول إدارة الرئيس ترامب للحكم أية مخاوف جديدة بالنسبة لمدى التنامى المقبل فى العلاقات الإستراتيجية بين واشنطن وتل أبيب فهو أمر متوقع تماماً, ولم يساورنا القلق الحقيقى منذ تولى الإدارة الجديدة إلا عندما شاهدنا الجدية التى تتعامل بها واشنطن مع مسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس وحذرنا منها لأنها قضية شديدة الحساسية للأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية وبعض القوى الدولية، لأنها تهدد الاستقرار والأمن ليس في المنطقة فقط ولكن فى العالم. 

ونأتي إلى النقطة شديدة الخطورة التى من الصعب معالجتها بسهولة لأنها تمس جوهر حل القضية الفلسطينية حيث أشارت التصريحات الصادرة عن الرئيس ترامب فى أعقاب المؤتمر الصحفى الذى عقده مع نيتانياهو يوم 15 فبراير الحالي، إلى أن هناك تراجعاً واضحاً فى الموقف الأمريكى إزاء فكرة حل الدولتين بالرغم من أن هذه التصريحات لم تتضمن رفضاً صريحاً أو قاطعاً للفكرة ولكنها تحمل فى طياتها أن واشنطن لم تعد متحمسة لهذا الخيار وسوف تدرس خيارات أخرى تصل إلى حد البحث عن حلول فى إطار إقليمي أوسع. وفى هذا المجال لابد أن أوضح مجموعة من العوامل الهامة : 

1- هناك تجاوز شديد فى الموقف الأمريكى تخطى مسألة بحث قضايا بعينها سوف تحسم فى المفاوضات مثل الإستيطان والقدس وقفز إلى نقطة حرجة تنسف كل أمل فى أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة تعيش إلى جوار دولة إسرائيل. كما أن هذا التراجع لم يشمل الموقف الأمريكى فقط بل شمل أيضاً المواقف التى سبق أن عبر عنها نيتانياهو وأيد فيها حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية بشروط محددة رغم أن سياسات حكومته تتنافى تماماً مع هذا المبدأ . 

2- أن هذا الموقف يشجع الحكومة الإسرائيلية على إتخاذ مواقف متشددة يمكن أن تصل إلى حد ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها وهو ما عبر عنه الرئيس الإسرائيلى مؤخراً وعدد من وزراء حكومة نيتانياهو مع التمهيد لضم هضبة الجولان السورية. والموقف الأمريكي بهذا الشكل يغلق المجال أمام تحقيق طموحات الشعب الفلسطينى بأن تكون له دولته المستقلة ولكنه يفتح مجالاً آخر أمام هذا الشعب للبحث عن وسائل أخرى يحقق بها أهدافه حتى لو كانت وسائل يراها العالم غير شرعية أو يصفها بأعمال إرهابية . 

3- أن المطالبة باستئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية فى هذه الحالة تصبح أمراً عبثياً مادام الهدف النهائى للمفاوضات أو مايسمى END GAME غير محدد خاصة وأن الفلسطينيين والعرب قبلوا تماماً إقامة دولة فلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة على مساحة قد تقل عن 22بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية . 

إذن فالمسألة أصبحت شديدة الوضوح وهى أن حل الدولتين لم يعد وارداً بالشكل الذى كنا نأمله من الإدارة الجديدة وتحديداً لم يعد هو الطريق الأمثل من وجهة نظرها لتحقيق السلام في المنطقة. ولذا بات من الضرورى قيام واشنطن الآن بتوضيح رؤيتها الكاملة لتسوية القضية الفلسطينية بمعنى إذا كان مبدأ حل الدولتين ليس فى أولوياتها فعليها أن تحدد ماهو البديل المتاح حتى لو كان خيار الدولة الواحدة (مع إستبعادى تماماً لإمكانية تنفيذه على أرض الواقع) حتى نستطيع أن نبلور تحركاتنا بناء على هذه الرؤية الأمريكية . 

في الوقت نفسه أصبح على الدول العربية مسئولية كبيرة تفوق مسئولياتها فى الفترات السابقة فكل المبادرات والرؤى العربية حول إقامة دولة فلسطينية أصبحت محل اختبار حقيقي في ضوء الموقف الأمريكي الجديد, ومن ثم لم يعد لدينا خيار سوى سرعة التحرك مع الإدارة الأمريكية فى معركة سياسية لن تكون سهلة متسلحين بموقف عربى واحد وهو حتمية إقامة دولة فلسطينية مستقلة كأساس لإستقرار وأمن المنطقة التى تمثل ركيزة رئيسية للمصالح الأمريكية, ولابد أن تصل واشنطن إلى قناعة بأن حل الدولتين يمثل موقفاً عربياً موحداً لا تراجع عنه مع الاستعداد لبدء مفاوضات فلسطينية إسرائيلية تؤدى إلى تحقيق هذا الهدف, مع التأكيد على أن مسألة دمج إسرائيل في المنظومة الإقليمية لن يتم إلا بإقامة الدولة الفلسطينية, كما يجب على الجانب الفلسطينى أن يبدأ الآن بالتنسيق مع الجانب العربى فى تحديد البدائل المتاحة إذا وصل الأمر إلى طريق مسدود وأعتقد أنه لا يزال يمتلك بعض الوسائل الفعالة إذا ما أحسن استخدامها . 

 

ضو المجلس المصري للشئون الخارجية