إسرائيل في الموروث الثقافي الأمريكي..د. جمال الفاضي

الإثنين 13 فبراير 2017 11:15 ص / بتوقيت القدس +2GMT



توصيف وتعريف سر العلاقة ما بين إسرائيل والولايات المتحدة أربك الكثير من العاملين في حقل العلاقات الدولية ، فمنهم من قال عنها علاقة الأم بالولد، ومنهم من قال إنها زواج كاثوليكي لا ينفصل، وآخرين قالوا عنها علاقات ومصالح مشتركة، وبعضهم قال إنها دولة تمثل قيم المجتمعات الغربية في بؤرة دول متخلفة واستبدادية، وأنها تمثل مركز أمامي لليبرالية الغربية في بحر من التخلف الرجعي العربي والإسلامي، ولكن معظم الأمريكيين يرون في إسرائيل مثلهم، وانها مشروع نبيل وأن الأيديولوجيا التي أتت بها هي من أرقى النظم الأخلاقية، وأن الكثير منهم يشعرون بوجود رابط عاطفي وسيكولوجي خاص مع إسرائيل والصهيونية وكأنهم جزء من وجود الولايات المتحدة.

وفي محاولة لاستحضار بعضاً من تاريخ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، سنجد أن العلاقة ما بين المجتمع الامريكي والأقلية اليهودية لها جذور في التاريخ الامريكي، وهي ذات علاقة قوية ومتينة لا تعود لقيام دولة إسرائيل، وإنما تعود إلى ما قبل ذلك بكثير مما أثر على طبيعة التزام الولايات المتحدة وتبنيها لإسرائيل، فالأقلية اليهودية شاركت في تكوين الأمة الأمريكية، وشاركت في جميع القيم الثقافة الأمريكية التي لازالت تتغنى وتتباهى بها الولايات المتحدة ليومنا هذا، كما أن قادة اليهود انحازوا وبشكل كلي للنخبة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الأمريكية، وقد بلور جراء هذا التداخل في المجتمع الامريكي وجود منزلة رفيعة وذات قيمة داخل السلم الاجتماعي للطوائف الدينية والعرقية التي كان لها السبق في تشكيل منظومة القيم والافكار فيما سمي بالعالم الجديد (قارة أمريكيا)، وقد أتاح طبيعة تشكيل النظام السياسي الأمريكي ومازال لليهود دور اجتماعي وسياسي تقاطع مع المصالح اليهودية وقيمهم.

وهو ما أكد "وليم كوانت" الذي عمل مستشاراً للأمن القومي الأمريكي خلال فترة الرئيس "كارتر" عندما قال إن ثمة استعداد مسبق في الثقافة الأمريكية للعمل في مصلحة إسرائيل، وأن هناك حالة تشابه بين الأمريكيين والإسرائيليين، فكل منهما سعى للاستيطان، ويرى كثير من الكتاب الأمريكيين، أن الأمريكيين يرون شيئاً في أنفسهم في إسرائيل من حيث التشابه في طريقة قيام الولايات المتحدة وإسرائيل، فكل من الولايات المتحدة وإسرائيل استنبطت تراث الأخرى في ذاتها، ويقول "فواز جريس" وهو أستاذ أكاديمي يعيش في الولايات المتحدة إن إسرائيل غالباً ما تصور انها تجربة مشابهة للتجربة الأمريكية التي اٌنشئت على حساب شعب آخر، وأن كلا البلدين تأسس من قبل أناس هاجروا من أوروبا بحثاً عن الحرية الفردية والازدهار الاقتصادي. وقد كان لليهود دورهم في بناء المجتمع الجديد وساهموا في بنائه، وقد كان للغة العبرية الأسبقية في التدريس في جامعة هارفرد منذ بدايات تأسيسها في القرن السابع عشر، وقد تراكم هذا الدور مع الأيام والسنين إلى أن أصبحت مشاركة اليهود في العملية السياسية الأمريكية أحد الأسس التي يعتمد عليها النظام السياسي الأمريكي، مما زاد من تأثيرهم وقدرتهم على نتائج هذه العملية، كذلك كان لليهود علاقات ذات طبيعة دينية خاصة بالمجموعات المسيحية الصهيونية المتطرفة المتمسكة بالعهد القديم.

إن غالبية الاستطلاعات ترى ان على الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً بالولاء لإسرائيل وبالحفاظ عليها، وقد نجحت الطائفة اليهودية في أن تكون من أكثر الطوائف نجاحاً وتنظيماً مكنها من أمتلاك القدرة على التعايش والاندماج في مجتمع انصهرت فيه كل أنواع الطوائف، فيما يقيت الطائفة اليهودية ضمن قالبها اليهودي الخاص دون انصهار في المجتمع الأمريكي. وفي متابعتنا للجمعات اليهودية والمنظمات الداعمة لإسرائيل نجد أنها تؤكد دوماً أن هناك صلات ثقافية وأيديولوجية وسياسية وأصول مشتركة بين الأمة اليهودية والأمة الامريكية بالإضافة لوجود علاقات استراتيجية وعسكرية بالغة الأهمية.

اسرائيل حاضرة في الموروث الثقافي الامريكي، فوجود "ترمب" أو "أوباما" أو "بوش" أو غيرهما لن يوثر على العلاقة التكافلية بين البلدين، فمخطئ أو مضلل من يظن أن امريكيا ستنسى هذا الإرث الثقافي المشترك مع إسرائيل وتنحاز للشعب الفلسطيني كانت هي نفسها سباقة في تجربة شبيهة مع شعب آخر وهم الهنود الحمر مارست ضده كل أنواع الظلم .