حتى لا نخسر المزيد مع ترامب ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 07 فبراير 2017 03:29 م / بتوقيت القدس +2GMT



 



تحاول إدارة ترامب ترجمة وعود الحملة الانتخابية "الشعبوية" إلى أفعال، غير عابئة بردود الفعل الداخلية والخارجية الكبيرة المعترضة على تلك السياسات. جاء قرار ترامب بمنع دخول رعايا سبع دول عربية وإسلامية ليفتح معركة سياسية وقضائية غير مسبوقة، كان من نتيجتها الأولية تجميد قرار البيت الأبيض وهز أركان إدارة ترامب التي بدت متخبطة.
يلاحظ أن ترامب بدأ بالسياسات التي اعتقد أنها قابلة للتطبيق دون أن تحدث جلبة ومشاكل، نعم، بدأ بإجراءات عنصرية تمس شعوبا منكوبة ومستباحة بكل أنواع الحروب والقمع الدموي معتقدا أن إجراءاته ستكون محط قبول كثيرين.
كانت زاوية نظر ترامب وهو يوقع المرسوم هو الحلفاء من دول وأنظمة لا تقيم أي وزن لحقوق الشعوب المدنية والإنسانية.
ولم يخب أمل ترامب في هذا النوع من الحلفاء الذين تشاركوا معه في منع سفر كل من تنطبق عليهم تلك الشروط العنصرية، أو لم يبدوا أي نوع من المعارضة له، ولا أي نوع من التضامن مع المنكوبين، في الوقت الذي غصت فيه المطارات الأميركية بالاحتجاجات المناهضة للمنع.
الشعب الفلسطيني يقع في رأس قائمة المستهدفين التي وضعتها إدارة ترامب، وهو مرشح للاستهداف في المدى المباشر، لاسيما وأن سياسة ترامب تلتقي مع سياسة حكومة نتنياهو وائتلافه اليميني العنصري الحاكم، ذلك الائتلاف الذي شرع في استثمار فوز ترامب باعتماد بناء 6660 وحدة استيطانية جديدة، وأعلن عن بناء مستعمرة جديدة، والشروع ببناء جدار فصل عنصري بطول 42 كيلو مترا لعزل مدينة الخليل، فضلاً عن التسريع في اعتماد قوانين مصادرة الاراضي الفلسطينية.
في حال كهذه سنكون بين مطرقة نتنياهو وسندان ترامب وما قد يترتب على ذلك من كوارث جديدة.
قد لا تختلف السياستان الترامبية الأميركية والإسرائيلية على الجوهر، لكنهما تتباينان في التوقيت والاخراج نظراً لتداخلات القضية الفلسطينية بالنسبة للأميركيين.
التباين عبر عنه بيان البيت الأبيض حين قال: نحن غير مقتنعين بأن المستوطنات تشكل عقبة أمام السلام، ولكن بناء مستوطنات جديدة وتوسيع القائمة خارج حدودها "قد" لا يفيد "السلام" الذي "ترغب" في تحقيقه.
وإذا كان حرف "قد" في اللغة العربية يحتمل في النص الأميركي أن يكون الاستيطان غير مفيد، وفي الوقت ذاته يحتمل أن يكون مفيدا!، (قد بحسب المعجم حرف يفيد التوقع: قد ينزل المطر، ويفيد التقليل: قد يصدق الكذوب! من يدري! اصبحنا تحت رحمة "حرف"، يذكرنا هذا بالحرف الذي كان له فعل السحر في قرار 242: الانسحاب من أراض في النص الانجليزي، والانسحاب من الأراضي في النص الفرنسي للقرار.
لنا أن نتخيل ذلك "السلام" الذي ستصنعه إدارة ترامب إذا استخدمت أكثر من حرف ومعنى .
إدارة ترامب لا تعتقد أن الاستيطان ضار، ولأنه كذلك، فقد أرسلت تهديدا شديد اللهجة للقيادة الفلسطينية تحذرها من عواقب تقديم ملف الاستيطان إلى المحكمة الجنائية الدولية، فإذا أقدمت القيادة الفلسطينية على تقديم الملف للجنايات الدولية، فإن الادارة ستغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وتتعامل معها كمنظمة إرهابية، وستقطع كل أشكال الدعم المادي للسلطة وستعلن الحرب على المنظمة والسلطة لتكمل الحرب التي أعلنها تحالف "نتنياهو بينت ليبرمان".
لم تعتمد إدارة ترامب على الترهيب بالعصا فقط، بل تحاول استخدام الجزرة أيضا.
فهناك أطراف فلسطينية وعربية تتحدث عن "تغيير في لهجة ترامب تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو لن يستطيع القفز عن حل الدولتين وعن اعتبار الاستيطان عقبة أمام العملية السياسية، وهو بصدد اتخاذ موقف رسمي من الاستيطان كما يقولون.
لكن هؤلاء الذين يحاولون إنعاش الأوهام حول سياسات إدارة ترامب أسقطوا رغبتهم على مواقفه التي لا تحتمل اللبس ولا توجد قراءة مغايرة لها.
فهذه الإدارة لن تسمح بقرارات أخرى ضد إسرائيل والمقصود هنا ضد الاستيطان، وستعلن الحرب على قيادة المنظمة إذا ما طرحت ملف الاستيطان على الجنائية الدولية، والاستيطان في أحسن الأحوال غير محبذ إذا كان بصيغة مستوطنات جديدة وتوسعا خارج مساحة المستوطنات، ولكنه في كل الاحوال لا يشكل عقبة أمام "السلام"! وإذا كانت إدارة أوباما السابقة اعتبرت الاستيطان عقبة أمام العملية السياسية وانه يهدد حل الدولتين، ومارست بعض الضغوط السرية بصيغة نصائح على حكومة نتنياهو، لكن الأخيرة نجحت في مضاعفة الاستيطان وفي ممارسة تطهير عرقي في مدينة القدس ومناطق ج التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، فما حسب إدارة ترامب أن تفعل.
أغلب التقديرات تقول إن رؤية ترامب لما يسمى السلام ستنطلق من دمج الاستيطان بالسلام خلافاً لشعار "لا سلام مع الاستيطان".
لم يتطرق المستبشرون خيراً بإدارة ترامب للثمن الفلسطيني المطلوب لقاء تأجيل نقل السفارة الأميركية إلى مدينة القدس ووعود في الهواء لرعاية عملية سياسية تؤدي إلى حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ومقابل حتى اعتراف إدارة ترامب شكلاً بحل الدولتين كما اعترف به بوش الابن من قبل، وكما اعترف نتنياهو بحل الدولتين في مؤتمر هرتسليا.
لم يقولوا إن المقايضة الأميركية المطلوبة هي عدم تقديم فلسطين ملف الاستيطان أمام المحكمة الجنائية، والمؤسسات الدولية الأخرى بانتظار الحل الأميركي الموعود بنسخته الترامبية، وما يعنيه ذلك في الشروط الراهنة من تأمين غطاء فلسطيني للاستيطان والنهب والابارتهايد والهيمنة الاسرائيلية.
ولم يقولوا إن إدارة ترامب خفضت مستوى التعامل مع القيادة الفلسطينية، فلم تعد الادارة تتصل أو تستقبل اتصالات رسمية فلسطينية، بل تقدم رسائل التهديدات عبر القنصل الأميركي العام في القدس، وتستقبل رسائل القيادة عبر رجال أعمال فلسطينيين في واشنطن.
قليلون في هذا العالم يراهنون على الترامبية كشكل جديد للحكم، ولا حاجة للتعريف بكل الذين ابتهجوا بصعود ترامب وقدموا أوراق اعتمادهم له.
ومن المنطقي القول لا توجد مصلحة للشعب الفلسطيني في الذهاب إلى خندق الترامبية التي قدمت برنامجها المعادي والمستفز لكل الشعوب بما في ذلك لأكثرية الشعب الاميركي.
على الضد من ذلك فإن الشعب الفلسطيني هو جزء من المعسكر المناهض والمتنامي للترامبية وسياساتها العنصرية والمتوحشة.
لا يوجد أي مبرر لهدر الوقت الفلسطيني بانتظار وعود ترامب وحلوله الداعمة قطعا للاستيطان والاحتلال والابارتهايد.
لتذهب القيادة بلمف الاستيطان إلى الجنايات، وليفتح الشعب الفلسطيني وقواه الحية جبهة النضال ضد الترامبية في فلسطين كجزء من الجبهة العالمية ضد التوحش السياسي والاقتصادي وضد إرهاب الدولة والإرهاب الأصولي الابن المسخ للتوحش والقهر.
Mohanned_t@yahoo.com