موظفو السلطة في غزة بين داعم أوروبي مأفون وحُلم مدفون ا.علاء منصور

الإثنين 06 فبراير 2017 12:59 م / بتوقيت القدس +2GMT
موظفو السلطة في غزة بين داعم أوروبي مأفون وحُلم مدفون  ا.علاء منصور



مما لا شك فيه أن القرار الأوروبي بوقف المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية المخصصة لرواتب الموظفين بقطاع غزة له دلالات ومؤشرات هامة على طبيعة التعامل الغربي مع السلطة الفلسطينية في المرحلة القادمة, وهو يتقاطع بشكل أو بآخر مع التوجه الأمريكي الجديد حيال السلطة الفلسطينية خاصة بعد تولي الإدارة الأمريكية الجديدة بزعامة ترامب زمام الحكم, وما أعلن عنه من توقيف المساعدات المالية الأمريكية التي أقرها الرئيس الأمريكي السابق (أوباما ) قبل مغادرته البيت الأبيض بأيام قليلة, ويتناغم كليا مع قرارات سابقة للكونجرس الأمريكي بوقف المخصصات المالية للسلطة الفلسطينية لتوجهها لمنظمات الأمم المتحدة سواء لكسب العضوية الأممية أو لإدانة الجرائم والاستيطان الصهيوني على الأرض الفلسطينية.

فالسلطة الفلسطينية أنشأت باتفاق دولي صادقت عليه الدول الغربية قبل الشرقية, وكان من المُقدر غربياً وأمريكياً لولادة السلطة الفلسطينية في تلك المرحلة خلق حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي بالشرق الأوسط, خاصة وأن حالة الغليان والانتفاضة الشعبية الفلسطينية لا طريق لإخماد لهيبها سوى الحل السياسي ولو كان حلاً مدفوع الأجر مسبقاً عبر الدعم المالي الغربي, بدلاً من تكبد خسائر امتداد اللهب لمناطق عربية أخرى تفقد فيها الرأسمالية الغربية مصالحها في مناطق نفوذها وسيطرتها الاقتصادية والسياسية أولاً, ومحاولة ناجعة لوقف انهاك القدرات الاقتصادية والتنموية والعسكرية لصنيعتها اسرائيل ثانياً, وعلى هامش تلك السياسة وعملاً بهذا المنطق المتعارف عليه غربياً واسرائيلياً طلب رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو من الإدارة الامريكية السابقة بزعامة أوباما ومن والكونجرس الأمريكي الافراج عن الأموال المجمدة المخصصة للسلطة الفلسطينية بعد توجهها لنيل الاعتراف بدولة فلسطين بالجمعية العامة للأم المتحدة خوفاً من تدهور الأوضاع واشتعالها بالضفة الغربية المحتلة.

لقد لعب الاتحاد الأوربي دوراً كبيراً لحظات الاشتعال وتأجج نيران الصراع, وبرزت سياسته واضحة جلية معتمدة على اعطاء المهدئات والمسكنات المغلفة ببريق الحرية والعدالة والانسانية مع الابتعاد قدر الامكان عن العلاجات المجدية والنافعة لاستئصال الاحتلال واجباره على الرحيل عن الأرض والانسان, ومن ضمن المهدئات التي تبناها ودعمها الاتحاد الأوربي بعد أحداث الانقسام الفلسطيني التي عصفت بقطاع غزة هي تمويله لخطته الهادفة لتحقيق الشفافية والنزاهة وترشيد النفقات والمعروفة باسم بيجاس في عهد الحكومة الفلسطينية التي ترأسها (سلام فياض), وقامت تلك الخطة بالأساس على فكرة تقليص عدد موظفي قطاع غزة عبر ما اصطلح على تسميته بالتقاعد المبكر وصرف مخصصاتهم المالية عبر آلية بيجاس الأوروبية.

وبات من المألوف عن السياسة الأوربية بالشرق الأوسط عامة وبالقضة الفلسطينية خاصة تماهيها دائماً مع المحرك الأمريكي وتقاطعها مع توجهاته, وعدم امتلاكها الاستقلالية والتفرد بعيداً عنه, ولم يكن جديداً أن تتقاطع هذه المرة أيضاً مع السياسية الامريكية الجديدة حيال الدعم المالي للسلطة الفلسطينية وعقابها على توجهاتها الأممية, وحتى لو كان من باب الرأفة والانسانية الغربية بوقف المساعدات المالية المخصصة لموظفي قطاع غزة وتحويلها للفقراء والمساكين بالقطاع المكلوم, فهل سقط الشعور بالإنسانية والرحمة والشفقة على فقراء غزة ومساكينها من الاتحاد الأوربي فجأة؟ ولماذا لم نشاهد هذه المشاعر الأوربية الانسانية لفقراء غزة وعموم قاطنيها حين سقطت الأبراج والبيوت على رؤوس ساكنيها بفعل آلة الحرب الاسرائيلية؟, أم هو مخطط غربي جديد لتحويل جموع الموظفين الذين تمسكوا بقرار الشرعية الوطنية لمعوزين بعد أن قذفهم القريب وجافاهم البعيد؟!, بل هو في الحقيقة وسيلة ضغط وتعبير جلي عن نوايا مبيته للجم التوجه الفلسطيني نحو المحكمة الجنائية الدولية وادانة المحتل الغاصب, ولكبح جماح الدبلوماسية الفلسطينية ومحاولتها الجارية بوضع المنظمة الدولية أمام مسئولياتها وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية, بعد نجاحها باستصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي أدان سياسة الاستيطان والتهويد الاسرائيلية.

لقد بات موظف السلطة والمواطن الفلسطيني الشاب الذي ينتظر تحقيق حلمه بوظيفة حكومية يستطيع عبرها صناعة أمل بسيط بالاستقرار المعيشي والوظيفي والذي هو حق من حقوقه الأساسية في الحياة, يجد ذاته في بحر متلاطم الأحداث, تذهب فيه آماله وطموحاته أدراج الرياح عبر الشفافية والنزاهة الأوربية تارة, وبإلباس المساعدات المالية الأوربية ثوب الطهارة والانسانية بتحويلها لفقراء ومساكين غزة تارة أخرى, مروراً بوقف وتجميد أموال السلطة الفلسطينية عند كل شاردة وواردة سياسية لا تروق للاحتلال الاسرائيلي, وليس آخراً بمحاولات الحكومات الفلسطينية المتعاقبة سد العجز بالموازنة ومحاولات التقشف عبر تقليل النفقات المخصصة للقطاع الحكومي والتي يكون لموظفي غزة الشرعيين الحظ الأوفر فيها.

وفي ظل عدم وجود جسم نقابي يدافع عن حقوق الموظفين والعاملين بالوظيفة العمومية, يجب أن يبقى القانون الفلسطيني (قانون الخدمة المدنية) هو الناظم لحقوق الموظفين وعملهم, وفي حين نجد تلاشي الترقيات أو التعيينات والوظائف الجديدة للقاطنين في غزة, وفي ظل سيل الاستقطاعات المالية التي تعرض لها موظفي القطاع الحكومي في غزة, تتفاقم أزمتهم بقرار أوروبي يلبس ثوب المعوزين والفقراء سرعان ما وجد آذان وأبواق محلية تردد بعيداً عن رجاحة التفكير وحُسن التدبير, ولكن القرارات الأوربية عادة ما تكون مدروسة, ولعل وراء الأكمة ما وراءها, عملاً بتجذير حالة الانقسام الفلسطيني وترسيخه.

فقيادة السلطة الفلسطينية مطالبة باتخاذ قرارات حكيمة لا تنال من حقوق موظفيها ومن شرعيتها الوطنية في قطاع غزة, عبر وضع خطوط حمراء تكفل للموظف الفلسطيني حقوقه الغير قابلة للتصرف, بحيث لا تبقى قضية الإحالة للتقاعد المبكر والاستقطاعات المالية سيف مسلط على رقاب الموظفين يلوح به القاصي والداني, اضافة لتأكيد وتجذير الالتزام الوطني الفلسطيني بضرورة التمسك بغزة كجزء لا يتجزأ من الكل الفلسطيني وعدم ترك أهلها وموظفي الشرعية يواجهون المحن وحدهم ويكتوون بنار القريب والبعيد, مع الاستمرار في التوجه للمنظمات الدولية للجم الاحتلال, والابتعاد بالسياسة الفلسطينية عن دور المتلقي لإملاءات الغرب وسياساته, والتحول لدور المُؤثر وليس المؤثر به, والتلويح بأن الساحة الفلسطينية ليست كغيرها من الساحات, اليمنية أم السورية أم الليبية, والتي لم تترك بصمات تُذكر على المصالح الغربية والاسرائيلية, فنحن مازلنا نمتلك محرك استقرار المنطقة من عدمه, ولا سبيل أمام الحكومة الفلسطينية سوى مطالبة الاتحاد الأوربي باحترام التزاماته بصفته جهة مانحة يمكن الاعتماد عليها ليكون له دور فاعل مستقبلا بحل الصراع لا تعميقه وتشتيت قضاياه .

أ. علاء محمد منصور

كاتب وباحث بالدراسات السياسية