الصمت.. الخيار الأسوأ في حل الخلافات الزوجية

الجمعة 27 يناير 2017 06:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
الصمت.. الخيار الأسوأ في حل الخلافات الزوجية



وكالات / سما /

لا تخلو الحياة الزوجية من الخلافات والمشكلات وهو أمر طبيعي، بحسب المختصين في علم النفس، إلا أن ما يحدد شكل ومصير العلاقة بين الطرفين هو طريقة تعاملهما مع بعضهما وسلوك كل واحد منهما تجاه الآخر عندما تكون هناك مشكلات تخص علاقتهما. ويعتبر المختصون في العلاقات الأسرية والعلاقات بين الأزواج أن العلاقة الصحية بين الزوجين هي التي تبنى على الحوار والنقاش وعلى الحديث في كل المواضيع والقرارات اليومية والمستقبلية.
وتقول العديد من الدراسات إن طريقة التواصل بين الزوجين تعد العامل الرئيسي الذي يحدد توافقهما من عدمه، وبالتالي يتحكم في نجاح أو فشل العلاقة الزوجية، وتحذر هذه الأبحاث من مخاطر اتخاذ الصمت طريقة في التعامل الدائم مع الشريك، وفي المقابل تنصح باعتماده بشكل مؤقت عند نشوب شجار بين الزوجين كوسيلة لتهدئة الطرف الآخر واحترام شعوره بالغضب لتجنب تصعيد المواقف وتعقيد الخلاف.


وكانت دراسة برازيلية قد أظهرت أن لجوء أحد الطرفين للصمت عندما يكون الطرف الآخر غاضبا لا يعتبر ضعفا بل هو سلوك حكيم يدفع الطرف الغاضب إلى الهدوء ومراجعة النفس، وبالتالي ينظر إلى موضوع الخلاف بعمق أكثر، الأمر الذي يجنب الزوجين المزيد من تأزيم الوضع لذلك فهو يعد صمتا إيجابيا يجب على الطرف الآخر تقبله وتفهمه. واعتبرت الخبيرة البرازيلية الدكتورة مارينا سامبايا، المدرّسة في كلية العلوم الإنسانية في الجامعة الفيدرالية البرازيلية، أن الصمت هو حالة نفسية انعكاسية يتوجب احترامها، موضحة أن الصمت المؤقت قد يكون بمثابة حالة علاجية على جانب كبير من الأهمية، نتعلم من خلالها التحكم بالأعصاب والتحلي بالصبر.
ولا يعد خيار الصمت خاصية من خصائص الأسرة العربية، بل يمكن القول إنه بمثابة الظاهرة العالمية التي تهدد الحياة الزوجية، حيث وجد أستاذ علم النفس الأميركي كيبلن ويليام في كتابه “قوة الصمت”، الذي تضمن خلاصة أبحاث دامت حوالي 30 عاما، أن نسبة 67 بالمئة من المتزوجين يعانون من مشكلة معالجة الخلافات بالصمت. 


واعتبرت مختلف الأبحاث في الدول الغربية أن الصمت المستمر بين الزوجين له تأثير مدمر على العلاقة؛ فهو يوصد الباب أمام كل أشكال التواصل ما يوصل الطرفين إلى حالة من الملل وعدم الرضا نتيجة تجاهل أحدهما لحل الخلافات بالحوار.
ويغرق هذا التجاهل للحوار العلاقة الزوجية في دوامة البرود والفتور ويقتل مشاعر الطرفين تجاه بعضهما بمرور الوقت، وقد ينتج عنه في مرحلة أولى انفصال عاطفي يؤدي في ما بعد إلى انفصال فعلي بالطلاق أو إلى الاستمرار في علاقة لا روح فيها تقوم على القيام بالواجبات ومواصلة التعايش في نفس البيت من أجل الأبناء لا من أجل العلاقة بين الزوجين التي من المفترض أن تكون قائمة على العواطف والانسجام والحوار.
ويؤكد المختصون في علوم التربية والأسرة أن الأطفال يتأثرون سلبا بغياب الحوار بين والديهم إلى جانب تأثرهم بالأجواء المملة والنكدية في البيت التي يبثها الصمت بين أفراد الأسرة، وأنهم يحرمون من تعلم أبجديات الحوار مع الآخر، ما يكوّن لديهم شخصية انطوائية عاجزة عن التواصل مع الآخر وبناء علاقات سليمة مع أفراد الأسرة وأيضا مع محيطهم الاجتماعي.


وغالبا ما يوصل الصمت بين الزوجين حياتهما المشتركة إلى الانتهاء بالانفصال. وكانت نتائج دراسة حول الطلاق في المجتمع السعودي نُشرت عام 2013، قد أكدت أن 79 بالمئة من حالات الانفصال في المملكة العربية السعودية سببها اختفاء الحوار بين الطرفين وعدم تعبير الزوج عن عواطفه للزوجة، حيث كشفت الإحصائيات أن 9 سيدات من كل 10 يعانين من مشكلة صمت الأزواج.
واستنتجت أن الخرس الزوجي يبعث على مشاعر اليأس وتترتب عليه أزمة حقيقية بين الزوجين تنتج بدورها مشكلات صحية ونفسية واجتماعية تؤثر عليهما وتطال الأبناء.


وما ينفك المختصون في علم الاجتماع وعلم النفس يرددون القول إن الحوار يظل عصب الحياة الزوجية وهو الوسيلة الأفضل لنجاح الزواج ولبناء أسرة متوازنة وسعيدة، مؤكدين أن الحوار يجب أن يشمل المسائل اليومية لكافة الأفراد وأن يشمل الملاحظات والعتاب واللوم، كما يشمل الثناء على الآخر والتعبير عن المشاعر بين الزوجين مهما كانت ودون مغالطات، وذلك لضمان التواصل عبر إصلاح الأخطاء في التعامل والسلوك وتثمين العادات السليمة والقرارات الصحيحة التي يؤتيها الزوج أو الزوجة.


ومن خلال البحث في انعكاسات الصمت على الحياة الزوجية في المجتمعات العربية، نلاحظ أولا أنه ارتقى إلى درجة الظاهرة التي انتشرت في جل المجتمعات العربية والتي غرقت فيها الكثير من الأسر، وثانيا أنه من بين أهم أسباب الطلاق، وفي تصريحات الأزواج يؤكد غالبيتهم أن الصمت ليس خيارا تلقائيا بل إنه اضطرار لأنهم عجزوا عن بلوغ التوافق مع الطرف الآخر بالحوار، وأن تجاربهم الفاشلة والمتكررة في التحاور جعلتهم يلجأون إلى الصمت ويعتمدونه كطريقة أقل ضررا من الحوارات التي تنتهي إما بالشجار أو بتأجيج مشاعر الغضب والخلافات.
وفي المقابل، يشبه علماء الاجتماع والأسرة الصمت بأنه بمثابة السرطان الذي ينتشر في جسد الإنسان ويقتله تدريجيا، مؤكدين أن الصمت يفعل نفس الشيء داخل الأسرة ويظل يقتل مشاعر الشخص تجاه شريكه تدريجيا إلى أن يوصله إلى حالة من الملل واليأس تجعله يفضل القطيعة النهائية بالطلاق.