محاولة لفهم سياسات ترامب الانتقائية وعدائه للفلسطينيين ..محمد ياغي

الجمعة 27 يناير 2017 05:42 م / بتوقيت القدس +2GMT



 


في أقل من أسبوع من تتويجه رئيساً للولايات المتحدة، قام ترامب بمنع مواطني سبع دول عربية وإسلامية من دخول الولايات المتحدة، امتنع عن إدانة إعلان الحكومة الإسرائيلية ببناء 2500 وحدة استيطانية في الضفة الغربية، يدرس تجميد قرار للرئيس السابق أوباما بتحويل 221 مليون دولار للوكالة الأميركية للتنمية الدولية مخصصة لمشاريع بنية تحتية في الضفة وغزة، وتدرس حالياً إدارته إصدار قرار تنفيذي بوقف أي مساهمات أميركية للمنظمات التابعة للأمم المتحدة التي تؤيد حقوق الفلسطينيين.
من غرائب الأمور أن الدول التي مُنِع مواطنوها من دخول الولايات المتحدة تجمعها ثلاثة قواسم مشتركة: جميعها (سورية، العراق، ليبيا، اليمن، السودان، الصومال، وإيران) لم يكن لمواطنيها دور في أيٍ من العمليات الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة. جميعها لا توجد لترامب استثمارات فيها. وغالبيتها كان للولايات المتحدة دور أساسي في المأساة التي تعيشها شعوبها (العراق، ليبيا، سورية، واليمن).
عداء ترامب لحقوق الفلسطينيين وتأييده لحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل غير مسبوق. 
مثلاً، جميع الإدارات الأميركية السابقة لم تمتنع عن انتقاد سياسات الاستيطان الإسرائيلية بما فيها إدارة بوش الابن التي جرى في عهدها إعطاء الضوء الأخضر لحكومة شارون بتدمير السلطة الفلسطينية. 
لم تقم أي إدارة أميركية سابقة بتعيين سفير في إسرائيل يشجع علناً سياسات الاستيطان في الأراضي المحتلة. 
ولم يقم أي رئيس أميركي في السابق بتعيين ممثل شخصي له لرعاية عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين كان يتبرع من أمواله لجيش الاحتلال الإسرائيلي. 
جاريد كوشنر، ممثله الشخصي لعملية السلام، كان حتى تسلّم ترامب مهامه قبل أيام عضواً فاعلاً في مجلس إدارة منظمة تسمى "أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي". 
كان يخدم فيها متطوعاً خمس ساعات أسبوعياً وقام بدعمها بمبالغ مالية وصلت إلى 325 ألف دولار منذ العام 2010 بحسب أكثر من مصدر إعلامي. 
عداء ترامب لحقوق الفلسطينيين غير مفهوم أيضاً. هو مثلاً لم ينجح في انتخابات الرئاسة بتأييد من حزبه الجمهوري المؤيد لإسرائيل أو من اللوبي الإسرائيلي الفاعل في الولايات المتحدة. 
على العكس، اللوبي الإسرائيلي كان أقرب لهيلاري كلينتون من ترامب، وأصوات غالبية اليهود ذهبت لكلينتون.
ترامب أيضاً له العديد من المصالح والشركات في العالم العربي والإسلامي، ولا توجد له مصالح تجاريه واضحة في إسرائيل.
هنالك ثلاثة احتمالات تفسر هذا الحب الجارف لدولة الاحتلال وقراره الانتقائي بمنع مواطني الدول العربية والإسلامية السبع من دخول الولايات المتحدة.
أولاً: ترامب جعل من عدائه للمسلمين و"المهاجرين" عنواناً رئيساً في حملته الانتخابية، وهو يريد أن يقول لقاعدته الانتخابية بأنه ملتزم بما وعد. 
اختياره لدول معينة، باستثناء إيران، قائم على فرضية أن هذه الدول لم تعد موجودة ولا تمتلك قرارها السياسي، وهي بالتالي لا تمتلك إمكانية الرد بقرار مماثل يمنع مواطني الولايات المتحدة مثلاً من دخول أراضيها أو بقرار يوقف التعاون الأمني معها. 
ترامب بالتالي يريد الادعاء على حساب شعوب هذه الدول المنكوبة أصلاً بسبب سياسات بلاده بأنه قد بَر بوعده لناخبيه، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقات بلاده مع دول عربية وإسلامية أخرى يمكن الاستفادة منها تجارياً وأمنياً، ولا تتسبب في أي ضرر لشركاته.
ترامب لا يكذب فقط على قاعدته الانتخابية، ولكنه يتصرف بلا أخلاق أو ضمير ويعاقب شعوباً تستحق كل اهتمام إنساني ممكن بسبب ما عانته وتعانيه من ظلم وقع عليها بسبب سياسات الولايات المتحدة نفسها. 
ثانياً: إدراج إيران ضمن هذه الدول السبع أيضاً مرتبط بحملته الانتخابية التي هاجم فيها الاتفاق المتعلق ببرنامجها النووي. 
ترامب لا يملك إلغاء الاتفاق لأنه اتفاق دولي ومعتمد من مجلس الأمن. بمنع مواطني إيران من دخول الولايات المتحدة هو يرسل رسالة مفادها أن سياساته "متشددة" تجاه إيران، وأنه صديق حميم لإسرائيل أكثر من أي رئيس أميركي سابق (كما قال في خطابه أمام الإيباك أثناء حملته الانتخابية). 
هذا المنع لا يؤثر على الحكومة الإيرانية، وهو يدفع الشعب الإيراني للالتفاف حول حكومته لأنها تكشف الوجه القبيح لإدارة ترامب في عدائه للشعب الإيراني. 
حتى لو لم تتخذ حكومة إيران إجراءات بالرد مثل منع المواطنين الأميركيين من دخول بلادها، يكفيها غباء هذه الإدارة التي توحد الشعب الإيراني ونظامه السياسي.
ثالثاً: عداء ترامب للفلسطينيين يجب البحث عنه بعيداً عن قاعدته الانتخابيه. كما أوضحت سابقاً يهود أميركا لم ينتخبوه. 
حكومة نتنياهو رفضت الاحتفاء به عندما كان مرشحاً للرئاسة. هو مثلاً لم يزر إسرائيل خلال حملته الانتخابية لأن إسرائيل فضلت ترك مسافة بينها وبينه لاعتقادها بأنه لن يفوز بالانتخابات.
نتنياهو أيضاً خلال حملة ترامب الانتخابية اضطر للإعلان بأنه ضد عنصرية ترامب تجاه المسلمين حتى يميز نفسه عنه.
القاعدة الانتخابية في الوسط الأميركي المتدين والتي تناصر إسرائيل عادةً، كانت مع خصم ترامب "تيد كروز" وهذا الأخير رغم تأييده المطلق لإسرائيل وخسارته للمنافسة، بقي معادياً لترامب وأعلن أنه لن ينتخبه. 
هذا يعني أن جزءا من المتدينين الأميركيين لم يقوموا بانتخاب ترامب وربما أعطى بعضهم صوته لكلينتون أو لم يدل بصوته. 
تأييد ترامب لإسرائيل، أيضاً لا يمكن أن يكون مبنيا على أرضية أيديولوجية. ترامب لا يمتلك أيديولوجية وهو بلا أخلاق. 
ما هو مؤكد أن ترامب على المستوى الشخصي والتجاري محاط بنخبة من "اليهود الأميركيين" المتطرفين الذين يؤمنون بأن فلسطين، كل فلسطين، هي ملك لإسرائيل. 
بعض هؤلاء مثل سفيره في إسرائيل، المحامي ديفيد فريدمان، مرتبط بعلاقات عمل مع ترامب منذ زمن بعيد. بعضهم الآخر مرتبط معهم بعلاقات نسب وعمل مثل كوشنر، زوج ابنته. 
ما هو أيضاً مؤكد أن ترامب يدرك أهمية اللوبي الإسرائيلي في أميركا وهو بالتالي حريص على إرضاء إسرائيل بكل الطرق الممكنة من أجل الحصول على تأييد هذا اللوبي الذي قد يضمن له تأييد عدد كبير من نواب الكونغرس في ظل عدم تمتعه بتأييد كبير داخل حزبه الجمهوري. 
مصالح الفلسطينيين بهذا المعنى تُقدَم قربانا لإسرائيل ولليهود المتشددين من أجل نشاطات ترامب التجارية ومن أجل فوزه بدعم اللوبي الإسرائيلي بهدف إخضاع خصومه. 
ترامب يشكل خطراً كبيراً على القضية الفلسطينية وعلى مصالح العديد من البلدان العربية ولهذه الأسباب بالضبط لا بديل عن تبني سياسات لمواجهة الخطر القادم من إدارته. 
الاستراتيجية الأكثر تأثيراً بالطبع هي وجود موقف موحد من الدول العربية برفض هذه السياسات: مثلاً مواجهة قرار منع مواطني بلدان عربية من دخول الولايات المتحدة بقرار يمنع مواطني الولايات المتحدة من دخول البلدان العربية جميعها. 
لكن مثل هذا القرار يبدو مستحيلاً. بعض قادة الدول العربية أشادوا بكفاءة تعيينات ترامب للمواقع الحكومية، وبعضهم ينتظر تحديد موعد لهم لرحلة الحج إلى واشنطن، وآخرون يأملون فقط أن يكون ترامب قد نسيهم في زحمة انشغاله بأجنداته العديدة.
ما يتبقى للفلسطينيين هو الصمود أمام هذا الإعصار، انضمام فلسطينيي الخارج للحركة العالمية المناهضة لترامب وسياساته بمجملها، ومحاولة السلطة الفلسطينية حشد الحلفاء المتضررين من سياسات ترامب للوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.