بريطانيا لازالت رهينة عقليتها الاستعمارية د. جمال الفاضي

الأربعاء 18 يناير 2017 02:03 م / بتوقيت القدس +2GMT



هناك دائماً حقيقة قد تظهر في أحيانٍ، وقد تختفي في أحيانٍ أخرى بين ثنايا الذاكرة نتيجة حالة من الزحام الفكري، ولكن الحقيقة الماثلة،والتي يجب أن تبقى دائماً حاضرة أمامنا،ما قاله مستشار "توني بلير" للسياسة الخارجية، "روبرت كوبر" إن التحدي الأهم  لعالم اليوم، أن تعتاد على فكرة المعايير المزدوجة.

ففي ما بيننا نحن الغربيين، نتعامل على أساس القوانين والتعاونالمفتوح، ولكن حين نتعامل مع دول ذات طراز قديم خارج قارة أوروبا الحديثة، نحتاج اللجوء إلى طرق خشنة،من خلال القوة، الهجوم الوقائي، الخداع، وكل ما يلزم للتعامل مع أولئك الذي لا يزالون يعيشون في القرن التاسع عشر، في كل دولة بعينها. ففي ما بيننا نحافظ على القانون، ولكن عندما نعمل في الغابة، علينا أيضا أن نستعمل شرعة الغاب. فالمطلوب إذن نوع جديد من الاستعمار، نوع مقبول في عالم حقوق الانسان والقيم العالمية. نستطيع أن نحدد معالمه، إنه استعمار مثل كل أنواع الاستعمار، يهدف إلى فرض القانون والنظام، ولكنه يعتمد اليوم على الأساس الطوعي.

هذه هي بريطانيا التي رفضت البيان الختامي لمؤتمر باريس، ستبقى هي بريطانيا الاستعمارية، وهذا ما اكده "توني بلير" أيضاً عندما قال: كانت بريطانيا قوة عظمى في شؤون العالم لعدة قرون، ولا يوجد مواطن مخلص يرغب في التنازل عن هذه المنزلة.

اليوم تسير بريطانيا على نفس النهج ونفس المسيرة، فلم يمنعها مرور مئة عام على وعد بلفور, وقدمت كل عوامل نجاح انشاء دولة اسرائيل عام 1948، وتسببت بكل أنواع الظلم التاريخي للشعب العربي الفلسطيني، من الاستمرار في دعم وحماية إسرائيل وتأكيد عقليتها الاستعمارية واضطهادها للشعوب غير الغربية.

وكان آخر نموذج لهذه العقلية المليئة بالطبقية والعنصرية تحفظها على البيان الختامي لمؤتمر باريس المتعلق بالقضية الفلسطينية, حيث رفضت التوقيع على البيان الصادر عن المؤتمر، وادعت في بيان لخارجيتها، انها لا تتوافق مع ما جاء فيه، وان لا قيمة للمؤتمر دون مشاركة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وهكذا تثبت بريطانيا منذ وعد بلفور قبل مائة عام , وحتى اليوم التي تحكمها حكومة يمينية بقيادة "ماري تيريزا" , أنها هي نفس بريطانيا الاستعمارية ، وهي لازالت تشجع على العنصرية، وضد إقامة دولة فلسطينية مستقلة وهي الحاضن الأخر مقابل الولايات المتحدة لإسرائيل، ولم تستخلص الدروس والعبر من التاريخ، ولم تحاول تراجع ذاكرتها الاستعماريةوتكفر عن خطاياها تجاه الشعب الفلسطيني، وأنها مازالت رهينة لعقليتها الاستعمارية المقيتة، فهل لنا من وقفة مع الذات المطمئنة مع الآخر في العالم الغربي .