مؤتمر باريس وإعادة تسويق التفاوض الثنائي !مهند عبد الحميد

الثلاثاء 17 يناير 2017 08:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 

سبعون دولة وخمس منظمات دولية اجتمعت في مؤتمر باريس لتقول: إن إقامة دولة فلسطينية في حدود أراضي 67 ضمن حل الدولتين هو الخيار الوحيد لإنهاء الصراع. 
المؤتمر حدد مرجعية تحتمل أكثر من تفسير للعملية السياسية هي قرار مجلس الأمن 242 الصادر العام 1967، وقرار 338 الصادر العام 1973، وقرارات مجلس الأمن الأخرى ذات العلاقة، ومبادرة السلام العربية للعام 2002 كإطار شامل لحل الصراع. 
ودعا بيان المؤتمر إلى وقف الأعمال الأحادية التي تهدد بإفشال الحل،  المقصود «الاستيطان» كما أوضح وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت. 
ووعد البيان بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي المطلوب لإنجاح الحل. هكذا اكتفى المؤتمرون بتحديد الهدف والمخاطر والمرجعية، وبإناطة متابعة الموضوعات المختلفة إلى «مجموعات عمل». 
لكن المؤتمر أعاد مهمة تحقيق الحل إلى تفاوض ثنائي فلسطيني إسرائيلي مكرراً بذلك الآلية التي لم تتمخض عن شيء على امتداد 25 سنة ماضية، لأنها قدمت تفويضا للدولة المحتلة سمح بإلغاء الزمن المقرر لإتمام الحل وسمح بإفراغ العملية السياسية من مضمونها، بل وباستخدامها كغطاء لمضاعفة الاستيطان وتعميق الاحتلال والسيطرة الأمنية على شعب آخر. 
مؤتمر باريس لم ينجح في تدويل الصراع بعد إخفاق التفاوض الثنائي، وبعد الاتفاق تقريبا على أن الاحتكار الأميركي الإسرائيلي للعملية السياسية قوض مقومات الحل. 
بناء على ذلك، كان المطلوب الانتقال من تفاوض ثنائي فاشل بامتياز، إلى تفاوض بمشاركة الدول الكبرى - على غرار مفاوضات 5+1 حول السلاح النووي الإيراني - مع قطبي الصراع، كضمان لضبط العملية السياسية وإيصالها إلى نهاياتها المطلوبة.  
لم يُحدِث مؤتمر باريس هذه النقلة المطلوبة والضرورية، عندما أعاد الكرة إلى ملعب التفاوض الثنائي الفاشل والذي لا يملك قطبه الأقوى «دولة الاحتلال» غير صناعة الفشل وتدمير العملية السياسية ومعها حل الدولتين. إن إعادة التفاوض الثنائي ما هي إلا استجابة للموقف الإسرائيلي الذي يرفض الشراكة الدولية منذ مؤتمر مدريد العام 1991 وحتى اليوم. المعنيون بإنهاء الاحتلال وبعد كل ما حدث من إخفاق وخداع وإضاعة الوقت، يهمهم اعتراف وإلزام الحكم الإسرائيلي القومي والديني المتطرف  بقرارات الشرعية الدولية وبالقانون الدولي كي يبدأ التفاوض الثنائي ؟ 
ذلك أن التفاوض بين طرف يتبنى أيديولوجيا تتغنى «بحق» «الشعب  اليهودي» في أرض «إسرائيل الكاملة» التي «حررها» جيش الدفاع، و»بحقه» في الاستيطان في كل مكان، وباستعداده للتفاوض فقط على حكم ذاتي محدود الصلاحيات «لعرب» «يهودا والسامرة»، وبين طرف فلسطيني يتبنى قرارات الشرعية الدولية ويقبل بتطبيقها وصولا إلى الحل، مسألة لا معنى لها غير تأمين الغطاء لفرض السيطرة التامة.  
لا يوجد أي تقاطع بين الأيديولوجيا الدينية القومية، وبين الشرعية الدولية المؤسسة على القانون الدولي، بل يوجد تنافر يقود إلى الفشل المؤكد والى احتدام الصراع واستفحال التناقضات وصولا إلى الانفجارات التي ستؤثر في مجمل الساحات الإقليمية والدولية. 
إن العودة للتفاوض الثنائي في ظل تشبث دولة الاحتلال بأيديولوجيا دينية متطرفة، ما هي إلا وصفة سحرية لمفاقمة الصراع، أو الاستسلام الفلسطيني للرؤية الأيديولوجية الاسرائيلية في حلتها الجديدة، وهذا غير ممكن ولا متوقع، وفي حالة استسلام أي قيادة فلسطينية فإنها سرعان ما تنعزل عن شعبها وتكف عن تمثيله والتعبير عنه. 
إذاً، ما هي وظيفة تكرار التفاوض الثنائي الذي دعا إليه مؤتمر باريس يوم 15 كانون الثاني 2017؟ لا أظن أن أحدا من المؤتمرين شابه ظن بتغير السياسة الاسرائيلية التي تنبري الآن لمعاقبة الموافقين على قرار مجلس الأمن 2334 ومعاقبة الموقعين على الموافقين على قرار اليونسكو حول المسجد الأقصى، ومعاقبة مجلس حقوق الإنسان العالمي، ومعاقبة المنظمات الحقوقية الاسرائيلية، جنبا إلى جنب مع معاقبة سكان حي جبل المكبر عقابا جماعيا انتقاميا لأن شابا منفردا قام بدهس جنود إسرائيليين. النظام الدولي استفاق متأخرا - وبعضه لم يستفق كبريطانيا - على أثر التوحش الإسرائيلي الخطير لتأجيج الصراعات في أكثر من مكان وعلى صعود قوى التطرف الإسلامي كانعكاس لصعود قوى التطرف الإسرائيلي وما يعنيه ذلك من تهديد مصالح العديد من الدول، وعلى أزمة الهجرة والاستقرار في تلك البلدان. 
أراد المؤتمرون في باريس أن يفرملوا اندفاعة الرئيس ترامب الذي من شأن التزامه بوعوده الانتخابية أن يشعل النيران في الكثير من الأماكن وفي منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة إذا نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإذا شَكَّل الغطاء للتوحش الإسرائيلي. 
لمؤتمر باريس صلة بالاصطفاف والاستقطاب الدولي بين يمين متطرف عنصري مرشح للصعود إلى سدة الحكم وبين القوى التقليدية السائدة في الغرب. 
إن قطع الطريق على اليمين الدولي المتوحش واليمين الإسرائيلي جزء منه وكبح اندفاعته وصعوده هو الهدف الأساسي لمؤتمر باريس. 
والذي يبدأ بالاعتراض على فرض حل الفصل العنصري الكولونيالي كأمر واقع، وشطب القضية الفلسطينية من الأجندة الدولية، وإعادة التحالف مع دول عربية استنادا إلى قواعد سياسية جديدة. 
مؤتمر باريس وبيانه لم يتجاوز حدود وظيفة حاجز اعتراضي على الترامبية وامتداداتها الاسرائيلية. 
هل سينجح المؤتمر في كبح اندفاعة ترامب واندفاعة نتنياهو المتجددة التي لسان حالها يقول «على خرابك نحيا»؟ وهل وصلت الحال الفلسطينية عبر قرار مجلس الامن 2334 وبيان مؤتمر باريس وقرارات الجمعية العامة وقرار اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان إلى بر الأمان؟ أن تحظى فلسطين بدعم معنوي وسياسي وقانوني بهذا المستوى من الإجماع الدولي فهذا يعتبر مكسبا مهما، لاسيما وانه يقترن بإحاطة دولة الاحتلال بعزلة وبغضب دولي.  
مكسب يمكن استخدامه في تصعيد النضال الوطني ضد الاحتلال وانتهاكاته المتلاحقة، وفي إعادة بناء البيت الداخلي الفلسطيني وإعادة بناء التحالفات العربية والدولية في سياق ممارسة الضغط والعقوبات ضد الاحتلال. القرارات والبيانات لا تكون بديلا عن اشتقاق سياسة فلسطينية تتلاءم مع التحولات الإسرائيلية والاقليمية والدولية. 
سياسة توظف التأييد الدولي الراهن، وتستعد للاندفاعة الاسرائيلية في زمن الترامبية لتقويض الحقوق ومقومات التحرر. 
لا يمكن الركون لمؤتمر لم يتجاوز قواعد العملية السياسية، ولا لقرارات لا تجد طريقها إلى الترجمة وتحويل الأقوال إلى أفعال. 
ولكن يمكن الإفادة منها في إطلاق مبادرات وفي مقاومة التوحش.
Mohanned_t@yahoo.com