لحماس اقول ...جميل عبد النبي

الإثنين 16 يناير 2017 10:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
 لحماس اقول  ...جميل عبد النبي




                                                                                                                                                                      
ْسأقول ما أدرك تماماً أن الكثيرين من متابعيكم لصفحتي أو من سيرى منشوري هذا لن يصدقه ، أو لن يصدق بعضه على الأقل ! لأن التفكير الحزبي الذي هو قاسم مشترك تقريباً لمعظم الحزبيين ، لا يرى فيمن هو خارجه إلا خصماً يتربص به أو يتمنى هلاكه ! 
هنا سأجزم أن هذه الرؤية الحزبية ليست سوى وهماً خلقته الأحزاب ، لتجعل منه حصناً تحيط به منتسبيها ، وغشاوة تحجب عن أعين المنتسبين المساكين أيّ خير من خارج الحزب المقدس ، فأنا مثلاً وأنا من منتقدي حماس ، ومن غير المعجبين بآدائها لا الحكومي ولا الحزبي ، ولدي الكثير من التجارب الخاصة التي عايشتها بنفسي مع حماس ، تدفعني للتشبث برأيي ، لكن هل هذا يعني أنني أكره حماس وأتمنى زوالها من المشهد السياسي أو المشهد الفلسطيني ؟! قبل أن أجيب : أجزم أن الكثيرين من منتسبي حماس سيقولون : نعم وبكل تأكيد ! ويؤسفني ان أقول : بأن هذا الذي أنا متأكد منه ليس سوى انعكاس لما نتمناه للآخرين ، ونظن الآخرين يتمنونه لنا .
سأجزم هنا مرة أخرى : أنني لا اكره حماس ، ولا أتمنى زوالها من المشهد الفلسطيني بل العكس ، وسأبين أسبابي في ذلك ، ولكن دعوني هنا أشير إلى أنني أتحدث عن نفسي كمجرد عينة للكثيرين الذين أعرفهم ، والذين ينتقدون حماس بما يفوق ما أفعله ، لكنهم متوافقون معي على ما سأقوله .
إذن فأنا هنا مجرد عينة ، يمكنكم اتخاذها معياراً لن أؤكد أنها للجميع ، ولكنها يقيناً للكثيرين وربما للغالبية .
أولا : وهذا ما أعرف أنكم لن تصدقوه ، فإنني أحب كل أبناء شعبي الفلسطيني ، وحماس ليست بنت الفضاء ، ومنتسبوها ليسوا مخلوقات تنزلت علينا من كواكب أخرى ، فهم أبناء أمهاتنا ، وسكان أزقتنا ، ودائما نحن وإياهم تحت وطأة الظلم الصهيوني الذي ندفع ثمنه من أعمارنا ، ومن فلذات أكبادنا ، فالطبيعي إذن أن لا يكره فلسطيني فلسطينياً مهما كانت الظروف ،،، هل ستصدقون ؟ لست متأكداً ! والأرجح عندي هو النفي ، لكن لا مانع ،،، فليست هذه هي المسألة التي أراهن عليها ، لكني ذكرتها لأنها تعبر عما أؤمن به والحرية تعود لمن يريد التصديق أو النفي .
ثانياً : لا أريد لحماس أن تختفي من المشهد الفلسطيني لعدة أسباب أخرى منها :
1. وجود حماس كحركة قوية في الساحة الفلسطينية ، وغيرها أيضاً من الفصائل الفلسطينية سيحمي ساحتنا من تغوّل التفرد ، الذي لا يجني إلا فساداً ، فمتى امتنع التدافع حضر الفساد والتأسُّن ، بينما متى وجدت المنافسة الحقيقية ، فهذا يعني ضماناً لتطوير الآداء وتحسينه ، وسيكون الشعب هو المستفيد ، والعكس صحيح أيضاً فمتى انعدم التنافس وابتلينا بالتفرد ، فسيطفو العفن وسيتراكم الفساد ، لذلك فأنا أكره تفرد غيركم وبالمثل أكره تفردكم .
2. البدائل الأخرى لا تمثل الخيار الأمل الذي نصبوا إليه ، فحركة فتح مثلاً التي أراها الأكثر قدرة على استيعاب التنوع الفلسطيني ، مبتلاة بكل أمراض الأحزاب ، ولا يمكن إنكار ما تعانيه من الفساد في الكثير من المستويات ( وإن كان الفساد لم يعد حكراً على فتح ) هذا ناهيك عن الانقسام الداخلي الذي تمثله ظاهرة دحلان ، والذي لا يمكن الاستهانة به ، والذي – أيضا – يشكل خطراً على وحدتها ، فهذه هي فتح – التي لا أكرهها طبعاً – لا تصلح كبديل منفرد ، ولقد جربناها في السنوات التي سبقت سيطرة حماس على السلطة ، ولم تقدم لنا نموذجاً ديمقراطياً مريحاً ، لأنها أيضاً كانت منفردة ، وبالتالي فإن زوال حماس الكامل من المشهد سيأتينا بفتح منفردة ، ولا شيء أسوأ على الديمقراطية والشفافية من التفرد .
3. في ظل تنامي ظواهر التطرف الديني ، فإنني أكاد أجزم أن حماس هي الجهة الفلسطينية الأكثر قدرة على مواجهتها ، لكنها تستطيع أن تفعل ذلك أو أن تشارك فيه سواء وهي داخل السلطة أو خارجها ، أما الاستغناء عنها تماماً فأظنه وهماً ، لذلك أيضاً نحن بحاجة لوجود حماس .
4. لا يمكن إلا الافتخار ببطولات كتائب القسام ، حتى وإن لم نتفق على شكل وأدوات ومستوى المقاومة التي يحتاجها واقعنا الفلسطيني ، حيث أؤمن بأننا لا يجب أن نتجاوز السقف الذي نستطيع تحمل تبعاته ، والذي لا يأخذ صبغة الجيوش شبه النظامية ، فيما الحقيقة أن ما نملكه من العتاد لا يساوي ربما 1/1000000 مما يمكله الاحتلال ، وبالتالي ستكون له اليد الطولى في المواجهات النظامية ، وسيحدث خراباً ودماراً يفوق قدرة الناس على التحمل ، كما حدث في الحروب السابقة ،،، ومع ذلك فبطولات القسام وتضحياته تبقى مفخرة لكل فلسطيني يؤمن بحقه في استرداد حقه .
هذا ما لدي ، لا تقبلوا مني قضية الحب والكره ، واقبلوا تقديري السياسي .
تحت هذا العنوان ، وتحت هذه الحقيقة أتحرك - وغيري – كفلسطيني يهمه الشأن العام ، ويجد لزاماً عليه أن يشير إلى ما يستحق الإشارة ، وينتقد ما يستحق النقد ، وتحت هذا العنوان أيضاً أقول لحماس : إنكم ارتكبتم خطأً فادحاً حينما توهمتم أنكم قادرون على الجمع ما بين الحكم والمقاومة ، في سلطة مسقوفة بالاحتلال ، وبأن خطأكم هذا قد أدخلنا في نفق مظلم لا نكاد نرى له آخراً ، ولن تستطيعوا الخروج منه إلا بأثمان باهظة ، من دماء شعبكم ، ومن ثوابت مبادئكم ، إن بقيتم مصرين على مواصلة مشوار الخطوة الخطأ ، لقد بات واضحاً أن جهات عديدة لن تسمح لكم بالنجاح ، لكنكم ستبقون انتم المدانون في نظرنا أيضاً ، حتى مع وجود هذه الجهات ، لأنكم من اتخذ القرار ، ولم تسمعوا يومها لأي نصيحة من أي أحد ، وكان عليكم أن تقرأوا تبعات خطواتكم ، وأن تفكروا بامتلاك بدائل ، تسمح باستمرار وتيرة الحياة لشعب يكاد يفقد رغبته في الحياة .
وبالمناسبة كل مبرراتكم لم تعد مقنعة ، فلا الشعارات تستطيع أن تسد الجوع ، ولا كل خطب الدنيا ولا كل فتاوي شيوخ الأرض يمكنها أن تقنع جائعاً بأنها تصلح بديلاً عن رغيف الخبز .
ارجعوا خطوة إلى الخلف ، وإن كان مبرركم هو المقاومة ، فالمقاومة ليس عليها قلق الآن ، وسلاحها يحميها ، شريطة أن يظل بعيداً عن الشأن الداخلي أو التناحر الفصائلي ، وتستطيعون من خارج السلطة ، أو على الأقل دون تصدّرها ، أن تعرقلوا ما ترونه تفريطاً ، ولستم بحاجة للبقاء في واجهة سلطة هشة ستضعكم وجهاً لوجه في مواجهة جماهير شعبكم ، التي سندافع عن حقها في التظاهر السلمي ضدكم ، إن قصرتم في حقهم ، وأنتم يقيناً مقصرون في الكثير من القضايا ، ولا تجعلوا من خيار المقاومة محلاً لمساومة المواطن على حقوقه ، فإما أن يسكت على تقصيركم ، وإما فإن تلبية حاجاته ستمس المقاومة !!! كما أشبعنا بعض منتسبيكم في الأيام السابقة .