أسئلة مشروعة و الكهرباء مقطوعة !! محمد يوسف الوحيـدي

السبت 14 يناير 2017 02:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
أسئلة مشروعة و الكهرباء مقطوعة !!  محمد يوسف الوحيـدي



المراقب للأحداث الأخيرة التي إجتاحت قطاع غزة ، و الذي حول الحراك الشعبي لياليه الباردة ، و حواريه المعتمة ، إلى أجواء ساخنة ، على وقع صوت الحناجر و الهتافات ، و لمعة الرصاص فوق الرؤوس و تحت الأرجل ، و أجرى الدماء التي كادت أن تتجمد في العروق بفعل الضرب بالهراوات  ، و المتابع منا للمقالات و التحليلات التي واكبت هذا الحراك ومازالت ، بضغط عال ، و بفولت مرتفع ، ربما تدور و تثور بدورها بعض الأسئلة المشروعة في راسه ، فعلى سبيل المثال :

  • هل الحراك الشعبي و التظاهرات هدفها حل إشكال إنقطاع الكهرباء و رفض أساليب شركة التوزيع ، أم أنه حراك قد يصل إلى درجة إنتفاضة أو موجة ثورية رافضة لحكم حركة حماس لقطاع غزة ؟
  • هل هناك جهات سياسية و تنظيمات تقف خلف تأجيج هذا الحراك و تلك التظاهرات ، أم أنها عفوية شعبية تعبر عن سخط عام على وضع بائس ؟
  • هل يلقي هذا الحراك ، باللائمة على شركة الكهرباء أم على حماس أم على الدولة / السلطة أم على الجميع دون إستثناء و يوزع عليهم الغضب بالتساوي ؟
  • هل هناك أي إحتمال أن تتطور هذه الفورة لتصبح ثورة تقلب الأوضاع راساً على عقب و تعيد قطاع غزة إلى أحضان الدولة / السلطة الشرعية ؟
  • هل لدى حماس تقدير موقف ، و تعرف كيف تعالج الأزمة و تمسك بتلابيبها بداية و تعرف نهايتها ؟

الحقيقة ، ربما هناك إجابات خجولة ، على الكثير من هذه التساؤلات ، داخل كل واحد فينا ، يصرح بها أحياناً ، و يحاول أن يتستر على حقيقتها أحياناً أخرى ، و السبب أن مزيج الأمل و الخوف  و شح البدائل ، و إضطراب الساحة السياسية و التنظيمية بل و الإجتماعية الفلسطينية  إستطاعت أن تولد هذه الحالة من الفوبيا لدينا ، أفراداً و جماعات ، حت أصبحنا نسأل أسئلتنا لأنفسنا و نخاف من أنفسنا أن نجيب عليها بصراحة .. أصبحنا آحاداً تحمل أضاداً ، و أصبحت أي قضية و كل قضية مجرد سلعة تتداعى لها كافة الأطراف ، رسمية و غير رسمية ، لتحويلها إلى منتوج ربحي ، أو إعلامي إعلاني .. هي حراك شعبوي طفق نتيجة وصول الغمط و "الإستحمار" للشعب درجات لا تحتمل ، نعم ، هي حراك يعبر عن سخط جماعي ، لما تقوم به ابعاض إما إنها ترتزق على بيع البشر و أحلامهم و مستقبلهم و ألمهم ، أو هي من الغباء بمكان و قلة الحيلة و سوء الإدارة بحيث تعجز عن تصريف الأمور بشكل يحافظ على الكرامة ، و يدبر الأمور ، بينما يتستر خلف كلمة ( مقاومة و صمود و صبر ) و غيرها من الشعارات .. و من الواضح أن جهات سياسية لم تتدخل في التحريض أو إقناع الناس بالخروج ، و إن حاولت و مازالت تحاول ركوب الموجه بغرض الإستثمار السياسي لا أكثر و لا أقل و لم تتعلم أنها و إن نجحت فذات الناس سينقلبون عليهم بنفس الطريقة أو أشد ... أما السؤال الصعب و الذي نتهرب منه ، و نحاول أن لا نجيب عليه فهو إشكالية أن هذا الغضب الشعبي موجه بالتحديد و بالمقاس و على قدر قالب شركة الكهرباء ليس إلا ، أم هو ضد حركة حماس التي تتسلط على قطاع غزة و الغزيين غلبة و إحتكاراً و تَسيُّدا و ربطاً للمصالح الإقتصادية و المعيشية ، بشكل عميق و مستمر على مدى عقد من الزمان ؟ عل الإجابة الأكثر منطيقة هي أن شركة الكهرباء تمثل ( المشهد و النموذج ) الذي  ( يفش ) فيه الناس غلهم ، و يبدو أن الرسالة الرئيسة للتظاهر هي كما يقول المثل الشعبي الدارج " الكلام إلك يا جارة و إسمعي يا كنة ." ... أما عن إحتمالية تطور الفورة إلى ثورة ، تغير و تقلب و تشقلب ، فهذا إحتمال بعيد ، أشبه بالحديث عن العنقاء و أبو رجل مسلوخة و غيرها من الأوهام و الخرافات ، لأن وجود حماس ، غير أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النسيج السياسي و الإجتماعي الفلسطيني ، و إقتلاعه  غير ممكن بل و سيؤدي إلى تشوه الجسد الفلسطيني بالكامل ..

و بالإضافة لما أسلفنا بأن حماس أدارت القطاع على مدى عشر سنوات ، ركزت خلالها السيطرة و أحكمت القبضة على التجارة و المال و ربطت أرزاق الناس بها ، و إشترت أراضً شاسعة ، و تساهم بنصيب الأسد في معظم الشركات و المشاريع المهمة ، و تغرف ضرائباً و إتاوات و خاوة ، لا منطق و لا قانونية لها ، فإستمداد المشروعية من لا مشروعية في وجوده أصلاً ، هو أمر عبثي ، غير أن إستمرارية وجودها ( حماس ) سياسيا - مرتبط بمصالح أقليمية و دولية ، و بمعادلات قد لا يدركها الكثير منا ، قائمة في الأصل على رؤية عبثية ، فوضوية  و هي عند البعض ضرورة ، و لازمة ، و جزء من الحل القادم لمشاكل الإقليم ، بالتالي سيتم التغاضي عن أي أسلوب ستقوم به قوى حماس الأمنية لردع  أو وقف نمو هذا الحراك ، ستتغاضى منظمات حقوقية و إنسانية عن أعمال البطش و إطلاق الرصاص و حملات الترويع و التركيع و الإعتقالات و غيرها من الأساليب ، و سيبث الكثير من المرجفين و أصحاب المصالح الأحاديث المثبطة ، و الكابحة لأي تحرك شعبي في هذا الإتجاه ، لتأمين نزول آمن لحركة حماس عن الشجرة ، دون تقديم أي تنازلات ، بل و ربما بمكاسب يقابلها تنازلات من الشعب نفسه و من الحركة الوطنية الفلسطينية ذاتها.

 أما الحديث عن تقدير حماس للموقف ، فهي في حل من بذل أي مجهود أو إجهاد لنفسها في نقاش اي تقدير أو أي موقف ، فيكفي أن تقوم أي جهة داعمة مثل قطر أو تركيا بتقدير الموقف و التحرك للحل ، بينما يسستمر بعض الغوغاء في الداخل بضخ سيل من التصريحات غير المسئولة ، و الغريبة و المشوهة .. فقد تعود الناس عليهم و على أقوالهم و تدليسهم في ظل حماية و بطش أمني .

الحل الوحيد لنجاح هذا الحراك ، هو أن يحمل شعاراً و هدفاً واضحاً  يعمل من أجله ، و يحدد هويته و طبيعته ، هل هو حراك مؤقت يهدف إلى تحسين الخدمات أم هو إعتراض على سياسة و إدارة فاشلة بالكامل و يريد أن يغيرها جملة و تفصيلاً حتى لو تدخلت قوى إقليمية و دولية لمساندته ؟  هذه المرة السؤال موجه إلى كل فرد فينا ... و أعتقد أننا نملك الإجابة ، و لكننا لا نريد أن نصارح بها حتى أنفسنا ..