أوباما يستحق وداعاً لائقاً! محمد ياغي

الجمعة 13 يناير 2017 02:49 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

من حق الفلسطينيين أن لا يأسفوا على انتهاء ولاية أوباما، فهو لم يقدم لهم شيئاً باستثناء القرار الأممي الأخير الذي يدين الاستيطان ويعتبره خرقاً للقانون الدولي. وهذا القرار، على أية حال، جاء متأخراً جداً، وهو يفتقر لآلية توقف الاستيطان التي تنتهجها حكومات إسرائيل المتعاقبة. في أحسن الأحوال، يمكننا اعتباره صحوةَ ضمير من أوباما بعد قيام حكومة نتنياهو بإسكان مائة ألف مستوطن في الضفة بما فيها القدس الشرقية في عهده.
لكن أيضاً، الحق يجب أن يقال بأن الحكم على سياسات أوباما من باب القضية الفلسطينية فيه إغفال لحقيقتين: 
الأولى أن إسرائيل تتمتع بتأييد غير عادي في الكونغرس الأميركي يجعل من خطوات أي رئيس أميركي ضد سياستها محفوفة بمخاطر خسارة تأييد الكونغرس له في ملفات أُخرى أكثر أهميهً له مثل سياساته الاقتصادية والاجتماعية التي تم انتخابه على أساسها.
لقد شاهدنا كيف صوت مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة (٣٤٢ نائباً مقابل ٨٠) على قرار يدين امتناع إدارة أوباما عن استخدام حق النقض ضد القرار الدولي رقم ٢٣٣٤ بشأن الاستيطان. اللافت في التصويت أن ١٠٩ من أصل ١٨٠ نائباً ديمقراطياً صوتوا ضد موقف رئيسهم الى جانب ٢٣٨ نائباً جمهورياً (أربعة جمهوريين فقط عارضوا القرار). 
الثانية أن العالم العربي خلال عهد الرئيس أوباما قد دخل مرحلة الموت السريري. الربيع العربي الذي كان مقدراً له أن يجلب العدالة الاجتماعية والحرية للعرب والدعم للفلسطينيين، تحول بسبب ضيق أفق النخب العربية: إسلامييها وعلمانييها وحكامها، الى حروب أهلية قاتلة جعلت القضية الفلسطينية تحتل مكاناً متأخراً في سلم اهتمامات المجتمع الدولي. 
مئات الآلاف من القتلى، ملايين المُهاجِرين والمُهجرين، وعشرات الآلاف من الإرهابيين الذين وجدوا ملاذاً لهم في سورية والعراق واليمن وليبيا ومصر، حول المسألة الفلسطينية من القضية الأولى في الشرق الأوسط التي تهدد السلم والاستقرار الإقليمي الى مجرد واحدة من بين العديد من هذه القضايا. 
لعل الأكثر تأثيراً على إدارة أوباما خلال كل ذلك، كان ربما هو ذلك الاتجاه في العالم العربي للتحالف مع إسرائيل بحجة محاربة الخطر القادم من إيران. بمعنى آخر، الظروف في العالم العربي لم تساعد إدارة أوباما حتى على الادعاء بأن الاحتلال الإسرائيلي يحمل في طياته مخاطر الحروب بين إسرائيل وجيرانها وتهديداً لمصالح الولايات المتحدة نفسها. 
لهذا سأترك القضية الفلسطينية جانباً، وسأتحدث عن الأسباب التي من أجلها يستحق أوباما وداعاً لائقاً مكتفياً بالتركيز على الجزء الخاص من سياساته الخاصة بالمسلمين. 
أول هذه الأسباب أن أوباما كان الصوت الأعلى والأكثر استماعاً في الغرب في دعوته لعدم الربط بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين العمليات الإرهابية التي ترتكبها عصابات القتلة باسم الإسلام. 
موقف أوباما هذا الذي كان يؤكد عليه دائماً، خصوصاً عندما تكون الأجواء مشحونة ضد المسلمين بعد كل حادثة إرهابية في الغرب، ساهم الى حد بعيد في خلق فضاء عام في الغرب يدافع عن الإسلام والمسلمين. عشرات المشاهير، الأكاديميين، عدد كبير من وسائل الإعلام تأثر بخطاب أوباما هذا وتبناه. وهذا بدوره جعل حياة ملايين المسلمين في الغرب أسهل وأكثر أمناً. 
وحدهم القادة العظام يمكنهم أن يكونوا صوت العقل والمنطق في اللحظات العصيبة، وأوباما بما يتمتع به من قوة خطابية غير عادية كان هذا الصوت الذي احتاجه الغرب في ظل تعاظم خطر الإرهاب الذي ترافق مع نمو كبير لحركات اليمين المتطرف في الغرب. 
ثاني هذه الأسباب أن أوباما كان سريع التعلم في القضايا التي تخص الشرق الأوسط. بعد الخطأ الذي ارتكبته إدارته بمشاركتها في الإطاحة بنظام العقيد القذافي وما ترتب عليه من تدمير للدولة الليبية وتحويل حياة سكانها الى جحيم بفعل صراع العصابات المسلحة على السلطة، امتنع أوباما عن تكرار خطيئته في سورية رغم الضغوط التي مورست عليه من بعض العرب ومن داخل الكونغرس. 
التدخل الأميركي في سورية، والذي قاومه أوباما بشدة، كان سيؤدي الى تدمير الجيش السوري، ومعه كانت ستختفي فرص بقاء سورية كدولة موحدة. ليبيا والعراق أمثلة يمكن البناء عليها. 
وثالث هذه الأسباب أن أوباما نجح خلال ولايته بعقد تتفاق مع إيران على ملفها النووي، ألغى من خلاله احتمالية الحرب معها، والتي كانت تسعى لها إسرائيل بكل الوسائل. 
لعل الأهم ربما هو أن هذا الاتفاق مع إيران قد مهد لقرار غير معلن اتخذته إدارة أوباما بالانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعتقد بأنه سيستمر في ظل الإدارة الجديدة للبيت الأبيض. 
أهمية هذا القرار تكمن في استحقاقاته المترتبة على العرب. أحد هذه الاستحقاقات أن على العرب أن يتوصلوا الى تفاهمات مع جيرانهم خصوصاً إيران. لن يكون هنالك سلام في العراق، سورية، لبنان، اليمن، بدون تفاهمات مع إيران تحفظ للعرب حقوقهم ولإيران حقوقها. 
ثاني هذه الاستحقاقات، أن على العرب أن يدركوا أن أغلب مشاكلهم داخلية تتعلق بطبيعة العلاقة القائمة بين الحكام والمَحكومين. بدون مواطنة حقيقية وتداول سلمي للسلطة لن يتمكن العرب من بناء سلام داخلي في أوطانهم. 
وثالث هذه الاستحقاقات أن الانسحاب الأميركي من منطقة الشرق الأوسط يعطي العرب مساحة أكبر، إذا ما أرادوا بالطبع، للضغط من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية. بتحرر الدول العربية من التأثير الأميركي المباشر على سياساتها، يمكنها ممارسة الضغوط على الإدارة الأميرية لاتخاذ مواقف منسجمة مع القانون الدولي، أقلها التوقف عن شراء السلاح من أميركا وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول التي تدعم حقوق العرب في أراضيهم. 
السبب الأخير الذي يستحق عليه أوباما وداعاً لائقاً هو أن السنوات القادمة في ظل الإدارة الجديدة للبيت الأبيض المعادية للفلسطينيين والعرب والمسلمين ستجعلنا نترحم على أيامه بما لها وما عليها.