القضية الفلسطينية.. وصراع الإدارات الأمريكية ...اللواء. محمد إبراهيم

الثلاثاء 10 يناير 2017 12:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
القضية الفلسطينية.. وصراع الإدارات الأمريكية ...اللواء. محمد إبراهيم



لا يمكن التسليم بأنه من مصلحة القضية الفلسطينية أن تدخل متاهة المناكفات أو الصراع أو تصفية الحسابات بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدعوى أن ذلك قد ينعكس بالإيجاب على القضية، فمن المؤكد أنه فى حالة وجود انعكاسات إيجابية نتيجة هذا الصراع فسوف تكون انعكاسات مؤقتة ولن تدفع القضية إلى الأمام فهذه قضية يجب أن تخرج عن دائرة أى مناكفات بل من الضرورى أن تكون هناك مبادئ أمريكية ثابتة إزاء القضية تلتزم بها كل الإدارات أياً كانت توجهاتها . 

لابد لنا ونحن نتعرض للموقف الأمريكى من القضية الفلسطينية أن نؤكد أن هذا الموقف قد اتسم بكثير من جوانب القصور ولم يقم بالدور الواجب القيام به لإنهاء هذا الصراع فى ظل ما تمتلكه واشنطن فعلياً من أدوات متعددة ومتفردة فى منطقة تمثل لها مصالح إستراتيحية دون أن نتجاهل الجهود الأمريكية التى تم بذلها فى بعض المراحل المهمة فى تاريخ الصراع وإن كانت نتائج هذه الجهود تظل قاصرة نظراً لعدم الوصول إلى مرحلة الحل النهائى أى إقامة دولة فلسطينية مستقلة . 

وبما أننا سنشهد خلال أيام قليلة بدء مرحلة جديدة فى تعامل إدارة أمريكية مختلفة مع القضية الفلسطينية أجد من الضرورى أن أطالب بأن تكون هناك من الآن رؤية عربية واضحة ومتكاملة تجاه أسلوب حل القضية تتسم بالواقعية والمرونة والقابلية للتطبيق حتى نستطيع أن نتعامل مع إدارة الرئيس دونالد ترامب بطريقة عملية ومقنعة تؤدى فى النهاية إلى تحريك العملية السياسية بما يتماشى مع المصالح العربية والفلسطينية وفى الوقت نفسه تلبى المصالح الأمريكية فى المنطقة حتى يمكن تمريرها . 

ولعلى أكون مخطئاً إذا حاولت التقليل من قيمة الانتصار الدبلوماسى الكبير الذى نجم عن القرار الإيجابى الأخير لمجلس الأمن بشأن عدم شرعية الاستيطان الإسرائيلى بغض النظر عن مدى إمكانية التزام إسرائيل به فمن الثابت أن حكومة نيتانياهو لن تلتزم بالقرار بل إنها أخذت على عاتقها مواصلة سياسة الإستيطان رداً عليه , ولكن الأمر المهم فى هذا المجال لا يتمثل فقط فى الموقف الأمريكى الذى سمح بتمريره ولكن فى رأيى أن هناك أيضاً بعدين مهمين للغاية أولهما إعادة إحياء القضية الفلسطينية مرة أخرى لتخلق قوة دفع يجب استمرارها واستثمارها وثانيهما اقتراب المجتمع الدولى كثيراً من المواقف العربية من القضية بل وتطابقه فى معظم جوانبها , وحتى إذا لم نجن ثمار هذه المواقف الدولية الإيجابية الآن فإننا سوف نجنيها فى فترة قادمة لتكون بمثابة الأرضية الدولية التى يتحرك عليها مسار القضية . 

يشير الواقع الحالى إلى أننا أمام إدارتين أمريكيتين مختلفتين الأولى وهى إدارة الرئيس أوباما التى تلملم أوراقها لترحل وتسعى متأخرة للغاية أن تحرز انتصاراً لصالح القضية الفلسطينية أو انتقاماً من سياسات نيتانياهو التى أزعجتها وهو ما وضح فى قرار الاستيطان أو فى رؤية وزير الخارجية جون كيرى التى طرحها فى مؤتمره الصحفى منذ أيام وهى فى مجملها تدافع بقوة عن فكرة حل الدولتين أو خلال مؤتمر باريس المزمع عقده فى منتصف يناير الحالى لدعم فكرة المؤتمر الدولى, أما الثانية فهى إدارة جمهورية قادمة سريعاً ولن تألو جهداً فى دعم إسرائيل دعماً مطلقاً وخاصة فى مواجهة أي قرارات خارجية قد تفرض عليها من أي أطراف أو قوى دولية، وهو الأمر الذى أكده الرئيس ترامب الذى بدأ يمنى إسرائيل بسياسة جديدة بعد العشرين من يناير الحالى . 

ولابد لى هنا أن أشير إلى نقطة فى غاية الأهمية وهى أنه يجب علينا ألا يوقف تحركنا المنتظر ذلك الدعم الذى ستلقاه إسرائيل من إدارة الرئيس ترامب، بل يجب أن يكون ذلك نقطة انطلاق لنا، ونحن نتعامل مع واشنطن فى هذه القضية العربية المحورية وسيكون نجاحنا الأكبر عندما نوضح لإدارة ترامب ونقنعها بأن إقامة دولة فلسطينية تعيش فى أمن وسلام بجوار دولة إسرائيل تعد أساس استقرار المنطقة وكيف سيؤدى ذلك إلى القضاء على الإرهاب والعنف تماشياً مع التوجه الذى يتبناه ترامب . 

المطلوب من الجانب العربى أن تكون له رؤية موحدة تجاه مبادئ حل القضية تتبناها الجامعة العربية وتكون ملزمة لكل الأطراف العربية التى تتعامل مع الولايات المتحدة , وما زلت أرى أن مبادرة السلام المطروحة فى قمة بيروت 2002 تمثل أفضل الحلول لاشتمالها على أسس الحل الواقعى كافة المستند على مبدأ الأرض مقابل السلام ومنح إسرائيل التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل، ولكن لزاماً علينا بلورة آليات تنفيذها وبما يمكن أن يقنع إدارة الرئيس ترامب بجاهزية وجدية وواقعية الدول العربية فى إقرار مرحلة جديدة تماماً من السلام العربى الشامل مع إسرائيل يحقق أمن وسلام الجميع . 

فى النهاية أجد أنه من غير المجدى أن نهدر الوقت فى التعرض لمدى التأييد الأمريكى المقبل لإسرائيل فاستقراء الماضى والحاضر والمستقبل يؤكد أن هذا التأييد لم ولن يتوقف، وبالتالى فالأهم بالنسبة لنا أن نصل مع إدارة الرئيس ترامب إلى تفاهمات مشتركة تكون بمثابة أسس تتحرك فى إطارها نظراً لأنها تمتلك القدرة على تحقيق إنجاز تاريخى فى عملية السلام تحتاجه ويحسب لها. 

ويمكن القول بأن هناك أسسا أربعة من الضرورى أن نجدها فى مخرجات السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية فى المرحلة المقبلة إستناداً على هذه التفاهمات وهى، الالتزام القاطع بمبدأ حل الدولتين الذى تبنته إدارة الرئيس بوش فى خريطة الطريق التى طرحتها الرباعية الدولية فى إبريل 2003. واستئناف المفاوضات فى أقرب فرصة ممكنة على أسس ومرجعيات مقبولة حتى يمكن دفع مسيرة السلام مع تأكيد أن جميع قضايا الوضع النهائي (القدس ـ اللاجئون ـ الاستيطان ـ الأمن ـ الحدود ـ الأسرى ... ) يجب أن تطرح كلها على مائدة التفاوض . والابتعاد تماماً عن تأييد سياسة الاستيطان الإسرائيلى باعتبارها تمثل أكبر عائق أمام تنفيذ مبدأ حل الدولتين . وأن مسألة الإقرار بالدولة اليهودية أمرا يدمر عملية السلام من أساسها وبالتالى يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتجنب التعرض لها. وعدم المخاطرة باتخاذ قرار بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس عملاً بموقف الإدارات السابقة. 

عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية