اغتيال السفير الروسي: محاولات نسف الوقائع الميدانية ...أشرف العجرمي

الأربعاء 21 ديسمبر 2016 08:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT
اغتيال السفير الروسي: محاولات نسف الوقائع الميدانية ...أشرف العجرمي



 

لم يرُق لأطراف عديدة إقليمية ودولية أن ينجح النظام السوري وحلفاؤه في حسم معركة حلب التي تمثل بداية النهاية لمشروع تقسيم سورية، كما لم تستقبل هذه الأطراف بعين الرضا التنسيق التركي- الروسي في موضوع إخلاء حلب من المسلحين والمدنيين بعد أن حقق الجيش السوري انتصاراً كاملاً على المعارضة المسلحة والمجموعات الإرهابية التي كانت تتمركز في حلب بأعداد كبيرة جداً، ولهذا السبب كانت عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا أندريه كارلوف أول من أمس التي تصب في محاولة تخريب العلاقة الروسية- التركية. وهذا ما عبر عنه الموقف الروسي الرسمي ممثلاً بتصريح الخارجية الروسية وتعليق الرئيس فلاديمير بوتين الذي قال إن هذا استفزاز يهدف إلى اجهاض عملية تطبيع العلاقات الروسية– التركية وتقويض التسوية في سورية.
ومن الواضح أن تركيا بدأت تلعب دوراً بديلاً لدور الولايات المتحدة في ملف حلب وربما لاحقاً في الملف السوري، وهذا حصل بعد تراجع الأخيرة عن إجراء المشاورات مع الجانب الروسي بهذا الخصوص وتراجعها عن التفاهمات السابقة حول إخراج المسلحين. وتركيا أصبحت الآن الطرف الوحيد تقريباً الذي يمكن معه التوصل إلى اتفاقات تستطيع أن تنهي مشاكل الحرب مع المعارضة والمجموعات الخارجية المتطرفة كونها على علاقة جيدة مع جميعها وهي التي قدمت لها الدعم بمختلف اشكاله وخاصة اللوجستي، وعليه لقد أضحت عنواناً في موضوع التسوية. وطبيعي أن تقوم تركيا بهذا الدور حفاظاً على مصالحها وهي قد بدأت تدفع ثمن الإرهاب الذي صُدر إلى سورية على أرضها وجيشها وشعبها، وكرد فعل على موقف واشنطن من دعم المجموعات الكردية التي تحارب "داعش" وخاصة قوات سورية الديمقراطية التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عمودها الفقري والمنسوبة للفرع السوري من حزب العمال الكردستاني الذي يحارب الحكومة التركية ويطالب باستقلال الأكراد. فوجود تركيا في صلب العملية السياسية يهدف أيضاً إلى منع تمدد نفوذ الأكراد الذين ترى فيهم عدواً أكثر بكثير من النظام السوري. ولا شك أن الهدف التركي من التدخل في الحرب السورية هو محاولة السيطرة على مساحات واسعة من شمال سورية وخاصة محافظة حلب من أجل منع قيام دولة كردية قد تمتد إلى ساحل البحر المتوسط، بالإضافة إلى اطماعها الإقليمية.
على كل الأحوال الحرب السورية في نهاياتها حتى لو استمرت بعض الوقت ولكن بعد حلب سيتم حسم معركة الرقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" توازياً مع معركة الموصل في العراق التي تضغط الولايات المتحدة الأميركية من أجل الانتهاء منها عبر قوات سورية الديمقراطية. وسيكون على النظام السوري وحلفائه القضاء على المجموعات الإرهابية التي يجري تجميعها في ريف إدلب مع العلم أن من بين شروط النظام السوري وروسيا إخراج المدنيين من بعض قرى ريف إدلب المحاصرين من قوات المعارضة والإرهابيين في مقابل إخلاء حلب، وهذا على ما يبدو مقدمة لمعركة إدلب القادمة. كما أن مسألة دحر "داعش" من تدمر هي مسألة وقت بعد تفرغ الجيش السوري من معركة حلب. ولكننا قد نشهد تصاعدا خطيرا في مستويات ووتائر الأعمال الإرهابية في العديد من دول المنطقة والعالم.
وفي هذا السياق تأتي عملية اغتيال السفير الروسي التي يراد منها تسميم الأجواء بين روسيا وتركيا وإفشال مشروع التسوية الذي يقوم على التسليم بهزيمة المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من أطراف إقليمية ودولية كثيرة. وربما أيضاً بدافع الانتقام على هزيمة الإرهابيين في حلب. وفي كل حال إذا كان الهدف منها تغيير الحقائق الميدانية أو محاولة نسفها فقد فشل الطرف الذي خطط لهذا الاغتيال، لأن مصالح روسيا وتركيا في هذا الملف أكبر بكثير من التوقف عن هذه الحادثة بالرغم من خطورتها. فالواقع يقول إن النظام السوري وحلفاءه انتصروا على جبهة أعدائهم ولهذا الانتصار مردود وتبعات سياسية عميقة سوف نراها في الايام والشهور القادمة.
وأبرز ما يمكن رؤيته هذه الأيام هو شطب شرط اسقاط نظام بشار الأسد كمقدمة لتوقف الحرب أو للتسوية السياسية، وموافقة بعض أطراف المعارضة على التفاوض مع ممثلي النظام السوري. وربما يكون الاتفاق على المفاوضات المستقبلية للتسوية هو أحد أهم ما خلص إليه اجتماع وزراء خارجية روسيا سيرغي لافروف، وتركيا مولود جاويش أوغلو، وإيران محمد جواد ظريف، بحضور وزراء دفاع الدول الثلاث سيرغي شويغو وفكري ايشيق وحسين دهقان أمس.
يبقى على الدول العربية المنغمسة في الحرب السورية والتي تدعم الجهات الإرهابية أن توقف دعمها لهذه الجهات وتساهم في تحقيق السلام في سورية لحماية الدولة السورية من التقسيم والمزيد من الدمار الذي لحق بها طوال السنوات الماضية التي تزيد على الخمس. فمطالب الشعب السوري في الحصول على الديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية محقة وعادلة ولكنها لا تتم من خلال تدمير وتقسيم سورية وانشاء دولة اسلامية متطرفة على الطريقة الداعشية، او كما حصل في العراق بعد تدميره وتمزيقه واهدار ثرواته. ومن يدعم الديمقراطية لدى الجيران عليه أن يبدأ بها أولاً. وليقروا جميعاً بأن التدخل الروسي منع انهيار النظام والقضاء على الدولة في سورية حتى لو كان الثمن بقاء بشار الأسد في الحكم لفترة إضافية.