ما الذي تقوله الأرقام عن الحرب في سورية؟ محمد ياغي

الجمعة 16 ديسمبر 2016 01:04 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

لا تُقَسم الحروب إلى دَمَوية وأخرى غير دموية.. كل الحروب دَموية. بعضها يُؤدي إلى مقتل مئات المدنيين وبعضها إلى عشرات الآلاف منهم. 
الدول التي تمتلك أسلحة دمار متقدمة أكثر ميلاً لقتل أعداد أقل من المدنيين، بعكس الدول التي لا تمتلك هذه الأسلحة. على الرغم من ذلك، قتلت أميركا عشرات الآلاف من المدنيين في حروبها على العراق، وقتلت إسرائيل آلاف المدنيين الفلسطينيين. 
بمعنى آخر، حتى التكنولوجيا المتقدمة ليست بالضرورة كافية لجعل الحرب أقل دموية ووحشية. 
لا توجد إذاً حروب دموية وأخرى غير دموية. في المقابل توجد حروب عادلة وحروب غير عادلة. 
عندما شَنت إسرائيل حروبها الأربع على غزة بذريعة إطلاق «حماس» صواريخ على مستوطناتها، بررت إسرائيل قتلها للمدنيين بأن «حماس» تخوض حربها من داخل أحياء سكنية. القول إن إسرائيل كاذبة، قد يكون إعلامياً فيه مصلحة للفلسطينيين، لكن الجغرافيا: مساحة غزة الصغيرة التي تجعل كل شبر فيها مأهولا، وعدم وجود غابات أو جبال في غزة، تجعل من مقولة أن «حماس» قاتلت إسرائيل بعيداً عن التجمعات السكانية غير دقيق. لكن الدقة هنا ليس لها قيمة. القيمة الحقيقية هي أن «حماس» خاضت حربا عادلة: دافعت عن غزة التي تريد إسرائيل إخضاعها بالقوة وجعلها مرتعاً لجيشها كما هي حال أية مدينة فلسطينية في الضفة. 
هل تُلام «حماس» على خوضها الحرب ضد إسرائيل من أزقة فلسطينية مسكونة تؤدي بالنتيجة إلى مقتل المدنيين الفلسطينيين؟
البعض بلا شك يلومها، بمن فيهم الأمم المتحدة، لكن في نهاية المطاف، فلسطينياً، هنالك قناعة تقترب من الإجماع بأن المسؤول الأول والأخير عن قتل المدنيين هو إسرائيل وليست «حماس». لماذا، لأن «حماس» في تقدير الفلسطينيين خاضت حرباً عادلة. 
ما ينطبق على غزة ينطبق على حلب بالضرورة. المعارضة تقاتل من داخل أحياء سكنية مثل «حماس». 
لكن الفرق بين غزة وحلب كبير، وهو لا يتعلق بقتل المدنيين وهم ضحايا كل الحروب. 
الفرق فقط يتعلق بعدالة الحرب. هل الحرب التي تخوضها المعارضة السورية ضد النظام عادلة؟ أو ربما، هل الحرب التي يخوضها النظام ضد المعارضة عادلة؟
في تقديرنا المتواضع أن حرب النظام السوري غير عادلة لأن هذا النظام فقد شرعيته بمجرد إطلاقه الرصاص على المتظاهرين العُزل في بداية الثورة السورية. 
مثله في هذه الحالة مثل الأنظمة التي أسقطتها شعوبها في تونس ومصر. 
لكن القول إن النظام السوري لم يعد شرعيا، لا يعني تلقائياً أن حرب المعارضة على النظام عادلة.
المعارضة السورية، مثل النظام الذي تحاربه، مجموعة من العصابات المسلحة التي لا تؤمن بأهمية العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهي تسعى لإقامة نظام بديل في سورية أكثر توحشاً ودموية من النظام الذي تحاربه. 
أولاً: هذه المعارضة بلا رأس، وهي تقاتل بعضها البعض على السلاح والطعام والمال، وهي لا تقوم بذلك في أوقات السلم المؤقت فقط، ولكن في خضم الحرب أيضاً. 
بمعنى في الوقت الذي كان فيه النظام السوري يحاول السيطرة على حلب، كانت فصائل من المعارضة تهاجم مواقع فصائل أخرى في حلب للسيطرة على مخازن أسلحتها وتموينها.
ثانياً: هذه المعارضة ليست سورية الهوى. هذه المعارضة مرتبطة بالدول التي تمولها، وهي تأتمر بأمرها. 
ولقد شاهدنا كيف سحبت تركيا الجماعات المسلحة التي تدعمها في حلب من أجل الانضمام لحربها ضد الأكراد أو ما يسمى عملية «درع الفرات». 
اليوم كل من يتابع ما يقوله «الثائرون» بعد خسارتهم «حلب» يدرك أن تركيا تتحمل مسؤولية كبيرة عن هذه الخسارة. بمعنى هؤلاء الثوار كانوا جماعة تركيا في الثورة! وأخذتهم من «الثورة» عندما احتاجتهم لمصالحها الوطنية الخاصة. 
ثالثاً: هذه المعارضة مثلها مثل النظام، هي أيضاً تقتل المدنيين السوريين، لكنها لا تقتلهم بفعل وجودها بينهم، ولكنها تفعل ذلك بإطلاق النار والقذائف عليهم. 
هل الموجودون في حلب الغربية وهم خمسة أضعاف المتواجدين في الشرقية ليسوا مدنيين. 
المعارضة كانت تطلق القذائف عليهم وتقتلهم بحجة قتال النظام السوري. 
رابعاً: هذه المعارضة طائفية بكل ما في الكلمة من معنى: خطابها وممارساتها طائفيان، وهي في ذلك لا تختلف عن النظام الذي تحاربه. 
الإعلام العربي مرتبط بالجهات التي تموله، ولا يمكن الاعتماد عليه لمعرفة الحقيقة. 
الإعلام يذكرنا ليل نهار بأن الحرب حصدت أرواح أكثر من (٤٠٠ ألف) سوري منذ بدايتها، وهو بشكل مبطن أحياناً وبشكل صريح أحياناً أخرى يقول لنا إن من قتل هؤلاء هو النظام السوري. 
بالطبع قلة فقط من الناس تهتم بالحقيقة لأن العرب مثل شعوب الأرض كافة لا يوجد لديها متسع من الوقت للبحث وتحري الدقة وهم يحصلون على معلوماتهم من وسائل الإعلام التي يتابعونها. 
أرقام الضحايا في سورية: 
يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مرصد معارض للنظام ويوثق الضحايا في سورية منذ بداية الأزمة فيها، إنه تمكن حتى تاريخ ١٣ كانون الأول ٢٠١٦، أي قبل ثلاثة أيام فقط، من توثيق (٣١٢٠٠١) ضحيه موزعة علي النحو الآتي:
عدد الضحايا المدنيين في سورية منذ بداية الحرب (٩٠٥٠٦).
عدد الضحايا من المقاتلين السوريين بمن فيهم الأكراد (٥٠٦٠٦). 
عدد الضحايا من الجنود الذين انشقوا عن النظام (٢٦٠٢). 
عدد الضحايا من قوات النظام السوري (٦٠٣٠٩).
عدد الضحايا من القوات السورية التي تدعم النظام مثل كتائب حزب البعث، والحزب السوري القومي الاجتماعي، واللجان الشعبية، وغيرها (٤٢٦٢٧).
عدد الضحايا من مقاتلي حزب الله (١٣٨٧).
عدد الضحايا من الجماعات التي جلبتها إيران للقتال في سورية (٥٣٣٠).
عدد الضحايا من المقاتلين الأجانب في صفوف «داعش والنصرة» و«الحزب الإسلامي التركستاني» وتنظيم «جند الأقصى» وغيرها من الفصائل غير السورية التي تقاتل النظام وأحياناً المعارضة (٥٤٩٥١).
ضحايا مجهولة الهوية (٣٦٨٣). 
ضحايا قتلوا في سجون النظام (١٤٦٣٨). 
المركز أيضاً يشير إلى أن هنالك آلاف المفقودين لدى النظام والمعارضة وهو لا يعلم مصيرهم بعد.
ماذا تعني هذه الأرقام؟
أولاً: المركز لا يخبرنا بأن الضحايا المدنيين قتلهم النظام السوري، وهو يعتبرهم ضحايا قتلوا من الطرفين المتحاربين: النظام والمعارضة.
ثانياً: الأرقام  تخبرنا أن النظام وحلفاءه خسروا في هذه الحرب أعدادا كبيرة تقترب من أعداد ضحايا المعارضة السورية وغير السورية. 
ثالثاً: الأرقام تقول إن العالم كله غارق في الدم السوري.
رابعاً: الأرقام لا تخبرنا بأن هنالك مجرما وأن هنالك ضحية. المجرم عادة أعداد قتلاه أقل بكثير من أعداد قتلى الضحية. مثلاً، في حرب إسرائيل على غزة العام ٢٠١٤، قُتِل (٧٢) إسرائيليا منهم (٦) مدنيين، بينما قُتِل (٢١٤٧) فلسطينيا منهم (١٧٤٠) مدنيا. الأرقام تقول صراحة إن الضحية فلسطيني وإن المجرم هو الإسرائيلي. 
في سورية الأرقام تقول إن هنالك مذبحة ضحيتها الجميع: المدنيون، النظام وحلفاؤه، والمعارضة وحلفاؤها. 
بمعنى آخر، الأرقام تقول إن هنالك حربا أهلية في سورية، ويمكن بالطبع أن نضيف إنها حرب أهلية مدعومة إقليميا ودولياً.
ليس هنالك إذاً، ضحية اسمها المعارضة، وقاتل اسمه النظام السوري. 
الجميع قاتل والجميع مقتول، والضحايا الحقيقيون هم المدنيون الذين لا يرحمهم النظام ولا ترحمهم المعارضة، ولا يرحمهم الإعلام العربي الذي يتاجر بدمائهم.