نتنياهو يشعل نار العنصرية ...اسماعيل مهره

الإثنين 28 نوفمبر 2016 11:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT
نتنياهو يشعل نار العنصرية ...اسماعيل مهره



قبل أسبوع كتبنا عن الأسبوع الأسوأ الذي مر على نتنياهو إثر نشر عدد من التحقيقات والتقارير عن الفساد وسوء الإدارة، ومع أول اشتعال لألسنة الحريق تنفس الصعداء، وبدى كمن يرقص على ألسنة اللهب، فقد ساعدته الطبيعة ومنحته فرصه ووقتًا ثمينًا ليظهر زعامته ومهنيته كقائد حقيقي، وليمارس احترافه الحقيقي ولعبته الأكثر حبًا على قلبه في إشعال نار العنصرية ضد العرب وتهييج مشاعر الكراهية في أوساط الجمهور الغوغائي العنصري، وليكوي عقلهم بأن لا أمل سوى بالاستعداد الدائم للحرب والتضحية، ولا نهاية للكراهية ولا حل للصراع، وأن العداء قدر أبدي طالما ظل "المفترسون البربريون خلف السياج" وطابورهم الخامس بيننا يتطلعون لقتلنا؛ هذه الرسالة الأعمق لنتنياهو التي طالما يكررها ويمتشقها في كل حدث.

فمنذ اللحظات الأولى لاشتعال الحريق، وعندما كان واضحًا للجميع أن أجواء الطقس الجافة والرياح الشرقية السريعة هي العامل الأهم في اندلاع الحريق وانتشاره، وقبل أن تتحدث الشرطة عن اعتقال مشتبهين؛ سارع نتنياهو ووزراء حكومته بالتنافس في مَن يتهم فلسطينيي الداخل بالإشعال، بوصف الأمر جبهة إرهاب قومي جديدة، وبشكل عجيب سارع نتنياهو - وهو رئيس الحكومة، ويفترض انه الرجل الأكثر تعقلًا وتريثًا قبل إطلاق حمم التحريض - إلى الربط بين التحريض وبين الحريق، مستمتعًا بسجع اللغة العبرية للمفردتين بالعبرية "تحريض وحرق، ويحرضون ويحرقون" (هستاه وهتستاه، ومسيتيم ومتسيتيم)، واستعرض في كل أحاديثه الصحفية بتركيز كبير موجه للإسرائيليين وللعالم ان "الإرهابيين الذين جربونا في انتفاضة السكاكين وفشلوا، وفي انتفاضة الأقصى، وفي عمليات التفجير داخل المدن وفشلوا؛ يجربون الآن نوعًا جديدًا من الإرهاب، إرهاب حرق دولتنا، ومثلما نجحنا في الوقوف بشجاعة أمام كل موجات الإرهاب والانتصار عليها سننتصر على هذه الموجه أيضًا"، وكعادته في تأصيل ادعاءاته ينتقي ما يريد من التاريخ وعلى طريقته، فكان الأول الذي استعرض - حسب زعمه - تاريخ إرهاب الحرق الذي مارسه الفلسطينيون.

نتنياهو لم يكن وحيدًا، فكل القطيع نبح نباحه، والغريب ان المتابع شعر بسيطرة المشاعر المازوخية، التلذذ بالحرق، فها هم يتوحدون مجددًا في وجه عدوهم، ويا فرحتهم، إنهم يكتشفون عدوهم المختبئ بين ظهرانيهم، والعالم يهرع لمساعدتنا، وبات يعرف مثلنا بربرية عدونا ويتعاطف معنا.

وزير الداخلية درعي أعلن انه سيسحب المواطنة من كل من يتورط بالحرق، ووزير الأمن الداخلي أردان هدد بأقسى العقوبات وبهدم منازل المتورطين. ومنذ البداية كان من الواضح ان هدفه إلصاق تهمة الحرق المتعمد بالعرب، فأطلق بمزاجية كبيرة تقديرات مختلفة في كل تصريح عن نسبة الحرائق المتعمدة، ففي بعض التصريحات كانت 50% ووصلت لاحقًا إلى 70%.

أحمد الطيبي وأيمن عودة - مثلما دومًا في مثل هذه الأحداث - يؤتى بهم إلى الاستوديوهات للنيل منهم والتنكيل بهم، ولتوجيه الاتهامات لهم ووضعهم في زاوية المدافع عن النفس، والمستنكر والمتضامن، وما إن يبدأ أحدهما بالحديث عن الاستعجال في إطلاق الأحكام حتى تتم مقاطعته وكيل التهم مجددًا، والاستناد إلى بعض الاعتقالات التي نفذها "الشاباك".

كلٌ من عودة والطيبي يؤكدان أن التحريض العنصري الذي يقوده نتنياهو عبر كيل الاتهامات واستباق كل تحقيق سينتهي إلى لا شيء، وسيظل الحريق العنصري الذي أشعله نتنياهو، والذي من الصعب إطفاؤه والتغلب عليه، ويستعرضان نفس الجمل ونفس الاتهامات التي قيلت واتهم بها العرب إبان حريق الكرمل في كانون أول 2010، حيث لم تثبت أية تهمة حرق ضد أي من الذين تم اعتقالهم على تهم الحرق المتعمد، وثبت ان الحريق آنذاك كان بفعل الطقس وإهمال المتنزهين.

البلدات والمدن العربية في الداخل فتحت بيوتها وبلداتها لليهود الذين اضطرتهم الحرائق لمغادرة منازلهم، لكن هذا الأمر لسبب ما لم يلفت نظر الإعلام ولا المسؤولين الذين تجاهلوه متعمدين.

من الواضح أن اليمين وزعماءه يتغذون على إشعال الحروب الصغيرة التي يمكن الانتصار فيها بدون ثمن كبير، فهي تعزز الكراهية وتقضي على نبتات الأمل، وترفع معنوياتهم، وتحشر المتعقلين في الزاوية، وتجعلهم في حالة دفاع وتبرير أو تضطرهم للتماهي مع التيار المركزي.

الفلسطينيون الذين اكتووا بنار الحرق - محمد أبو خضير وعائلة دوابشة، بالإضافة لحرق المساجد والكنائس والحقول وأشجار الزيتون، فضلًا عن حرق غزة بالفسفور وقنابل الأبراج - سيكونون ضحية لتحريضات نتنياهو، هذه الموجه الكبيرة من التحريض التي تنطلق من كل الهرم السياسي والمجتمعي ستجد حتمًا من يتلقفها من غلاة المستوطنين وتنظيماتهم الإرهابية، ويترجمها إلى جرائم حرق وقتل.

نتنياهو كان محظوظًا، والحريق لم يجلب إليه إلا السعادة، فبفضله نسى الإعلام - ولو إلى حين - ملف الغواصات وفساد قريبه ومحاميه الشخصي شمرون، واتهامات مرشحه لرئاسة الأمن القومي بار يوسف، ومن جاب آخر ظهر نتنياهو في إدارته لجبهة إطفاء الحريق كزعيم وقائد من طراز كبير، فقد أجاد الأمر باحتراف ومهنية، واستغله بحرص شديد لتعزيز مكانته الزعامية، وقد منحه الحريق فرصة للازدراء بتقارير مراقب الدولة، حيث ان تقرير المراقب عن حريق الكرمل لم يوصِ بشراء طائرات إطفاء، لكن نتنياهو أصر على شرائها وقد أثبتت فعاليتها في إطفاء الحريق. ازدراؤه بتقارير المراقب كان ينطوي على رسائل استخفاف بالتقرير الذي سيصدر قريبًا عن حرب "الجرف الصامد" والذي يتضمن انتقادات لإدارة نتنياهو لحرب الأنفاق.

وفضلًا عمّا سبق فالحريق كان فرصة بالنسبة لنتنياهو لتعزيز منسوب الكراهية وشحن المجتمع الاسرائيلي بالمزيد من طاقة الكراهية والعنصرية، للمحافظة على بقاء لهيب العنصرية مشتعلًا.