التحقيقات تستنزف نتنياهو ولا تسقطه .. اسماعيل مهره

الثلاثاء 22 نوفمبر 2016 07:06 م / بتوقيت القدس +2GMT
التحقيقات تستنزف نتنياهو ولا تسقطه .. اسماعيل مهره



نتنياهو سيسجل في تاريخ إسرائيل، ليس فقط بسبب طول فترة رئاسته للحكومة التي جاوز فيها بن غوريون؛ بل كأكثر رئيس وزراء تجري ضده تحقيقات إعلامية وفحص قانوني يتعلق بالفساد وسوء الإدارة، فما إن تنتهي زوبعة تحقيق وإثارة شبهات بالفساد أو سوء الإدارة، حتى تبدأ زوبعة تحقيق أخرى، ومن جميعها تقريبًا يخرج لسبب أو لآخر دون إدانات قوية، لكن مع الكثير من الخدوش والجروح التي تغتال نزاهته بالتدريج، وتعمق الوعي أكثر فأكثر عن فساده وعن قدرته دومًا على التملص، وكأن هذه التحقيقات لا تهدف منذ البداية إلى إسقاطه بالضربة القاضية؛ بل إلى مراكمة الطعن في نزاهته وكارثية إدارته للدولة للتأثير على الناخب لاحقًا.

قبل أسبوع قدمت الإعلامية ايلانا ديان من القناة الثانية تحقيقًا تلفزيونيًا عن سوء إدارة نتنياهو لأمور الدولة، وتدخل زوجته في القضايا الأمنية الهامة، مستندة إلى اقتباسات وشهادات لعدد ممّن عملوا داخل مكتبه، وكان رد مكتب نتنياهو على ما جاء في التحقيق بيان طويل جدًا مليء بكيل التهم لديان، وشن هجوم قوي على ما أسماه بالدوافع السياسية واللامهنية التي تقف خلف التحقيق، ممّا أثار عاصفة كبيرة من ردود الفعل، أشغلت الفضاء الإعلامي والسياسي والالكتروني أيامًا، إلى أن كشفت قضية الفساد الأكبر داخل أحد أكثر وأخطر المنظومات الأمنية حساسية وأهمية (مجلس الأمن القومي، "الملال" اختصارًا بالعبرية)، حيث كشف عن تورط المرشح لرئاسة المجلس (العميد احتياط ابريئيل بار يوسف) في قضايا رشوة وتبييض أموال وخيانة الثقة، حيث تم اعتقاله ومصادرة ملحقاته الشخصية، وبار يوسف هذا كان واحدًا من أهم الأعمدة التي استند عليها نتنياهو لفرض اتفاقية إطار الغاز، التي أشعلت معارضة قوية لها داخل الحكومة ومن قبل المعارضة، حيث قام بار يوسف بتبرير الاتفاقية بمسوغات مصلحة الأمن القومي، وتبيّن اليوم أن مسوغات الأمن القومي لم تكن غطاءً بالنسبة له لتقديم خدمة مدفوعة لرجال أعمال ألمان (حاييم روزبيسكي ومايكل هرتسوغ) كان لهم مصلحة في تطوير حقول الغاز؛ الأمر الذي يؤكد بأثر رجعي ما ادعته المعارضة آنذاك من أن استخدام مبررات الأمن القومي كان للتغطية، ولقمع الأصوات المعارضة. قضية بار يوسف تعتبر هزه أخرى لعرش نتنياهو وضربة تحت حزام سلامة ومهنية إدارته، وتشي بشيء من الاستخفاف بالاعتبارات المهنية في ترشيحه لتعيين الأشخاص في الأماكن الأكثر حساسية.

ويأتي تحقيق رفيف دروكر، الإعلامي الأهم في القناة العاشرة، عن سوء إدارة صفقة شراء الغواصات من ألمانيا وشبهات تناقض المصالح بين محامي نتنياهو الخاص وابن عمه ديفيد شمرون، الذي عمل محاميًا خاصًا لنتنياهو، وكان في الدائرة الأقرب منه لأكثر من عشرين سنة، وعمل في نفس الوقت لصالح الوكيل الإسرائيلي لشركة الغواصات وصانعة السفن الحربية الألمانية؛ كلطمة قوية أثارت عاصفة كبيرة مرشحة للمزيد من المضاعفات، لا سيما ان كل رؤساء المعارضة طالبوا بلجنة تحقيق برلمانية، وفي هذه الأثناء أيضًا كشف عن المسودة النهائية لتقرير مراقب الدولة عن تحقيقه الخاص بحرب "الجرف الصامد" والذي يتبين من النشر الأولي ان المراقب اعتمد رواية بينيت فيما يتعلق بالانتقادات الموجهة لنتنياهو حول إهمال أمر الأنفاق وعدم إطلاع الكابينت على مخاطرها وعدم إجراء أي نقاش جدي داخل الكابينت حولها، وهي مسؤولية هامة يحملها المراقب لنتنياهو ويعلون، وحساسيتها تكمن في أن العدد الأكبر من قتلاهم وأسراهم من الجنود تمت بواسطة الأنفاق.

أسبوع عاصف جدًا يمر على نتنياهو، أشبه بزلزال طويل متتالٍ، وكان قبل أسبوع قد تلقى صفعة مدوية من بينيت ومن وزراء "الليكود" عندما تمردوا على قراره بتأجيل التصويت على مشروع قانون "تبييض المستوطنات" داخل لجنة الوزراء لشؤون التشريع، حيث يعرف نتنياهو أن المشروع المقدّم من "البيت اليهودي" الهدف منه المزايدة والبروباغاندا لكسب أصوات اليمين الاستيطاني، حيث ان المشروع سيسقط في اختبار المحكمة العليا، لأن المستشار القانوني للحكومة مندلبليت اعتبر مشروع القانون خروجًا على القوانين الإسرائيلية، يتعارض مع القوانين الدولية، وسيؤدي إقراره للذهاب إلى لاهاي. وزراء "الليكود" داخل اللجنة لم ينصاعوا لطلب نتنياهو، خوفًا من غضب اللوبي الاستيطاني داخل "الليكود" عليهم يوم الانتخابات التمهيدية القادمة، ويبدو أن شعورًا بات يسود لديهم بأن ملك "الليكود" لم يعد الملك الذي كان يومًا.

تحقيق دروكر عن شبهات فساد صفقة الغواصات يعتبر الضربة الأقوى، لأنه على الأقل سيؤدي إلى فتح تحقيق ضد واحد من أهم المقربين لنتنياهو على المستوى الشخصي والعائلي والمهني، ضد المحامي ديفيد شومرون، ولأن التحقيق يثير أسئلة هامة حول علاقة السياسة والنفوذ والأمن بالمال، لا سيما ان يعلون - الذي كان وزيرًا للأمن إبان الفترة الزمنية التي جرت فيها مداولات الصفقة - ينفي علمه بأمر هذه المداولات، ويلمح إلى أن شيئًا ربما حدث بعد استقالته وتعيين ليبرمان، وهو أمر آخر، حيث هناك من يربط بين تعيين ليبرمان وإتمام النقاشات حول الصفقة. يعلون يطالب بالتحقيق، كما ان ايهود باراك - وزير الأمن الأسبق - يقول ان الغواصات مهمة، لكن ثقة الجمهور بالقيادة السياسية والأمنية أهم؛ لذلك يطالب بإجراء تحقيق بأثر رجعي، لتنجلي وتتضح الأمور أمام الجمهور.

يتسحاق هرتسوغ شنّ هجومًا كبيرًا على حيثيات إدارة الصفقة، وطالب بتحقيق برلماني فوري. بدوره زعيم حزب "يوجد مستقبل" يائير لبيد تساءل قائلًا: نريد أن نعرف لماذا من بين كل المحامين يقوم الوسيط الإسرائيلي لشركة الغواصات الألمانية (ميكي غانور) باستئجار خدمات شركة المحامين شومرون - مولخو؟ هل بسبب خبرتهم في التسلح المائي؟ ونريد أن نعرف كم تلقى منهم من أموال؟ وما الذي قدمه لهم؟ لذلك نطالب بلجنة تحقيق.

صحفي التحقيقات الأمنية رونين بريغمان، والمراسل العسكري للقناة العاشرة أوري هيلر، يكشفان عن مستوى الفساد في إدارة مبيعات الغواصات والسفن لدى كارتل صناعة الغواصات الألمانية "سينثيك جروب"، حيث يكشفان أن عددًا من التحقيقات قامت بها الشرطة الألمانية ضد الكارتل، ويتبيّن ان الكارتل يعتمد على إقامة شركة وسيطة محلية في البلدان الهدف، وتقوم هذه الشركة بالتقرب من أصحاب القرار أو من مقربين من أصحاب القرار بهدف إقناعهم أو تشجيعهم على شراء منتجات الكارتل، وتملك الشركة وشركات وسيطة في تركيا وباكستان والسعودية وكوريا الجنوبية وإسرائيل ودول أخرى.

في إسرائيل يدور السؤال الأهم حول ان نتنياهو لم يعرف عن العلاقات المهنية التي تربط مقربيه شومرون ومولخو مع الوسيط "غانور"، والذي يتضح بالمناسبة أنه كان له علاقة أيضًا مع بار يوسف.

الكاتب بن كاسبيت في مقال لـ "معاريف" تحت عنوان "العائلة: شومرون يدير الدولة من مكتبه داخل قلعة نتنياهو" يشنّ هجومًا قويًا على سيطرة العائلة نتنياهو على إدارة الدولة، ويتساءل: كيف لابن بنت عم تسيون نتنياهو (والد نتنياهو) الذي يرافق نتنياهو لمده 24 ساعة على مدار الأسبوع، لم يحدث نتنياهو ولا مرة عن صفقة الغواصات وعن عملة لصالح "غانور"؟، ولا يستبعد أن يكون ثمة رابط بين إقالة يعلون وتعيين ليبرمان وبين صفقة الغواصات.

أول أمس سرّب صحفي التحقيقات في "هآرتس" غيدي فايس معلومة قال فيها ان الشرطة ستفتح تحقيقًا ضد نتنياهو، دون أن يفصل أكثر، وكان فايس قد نشر تحقيقًا قبل أسابيع في "هآرتس" عن أسباب احتكار نتنياهو لملف الإعلام وأسباب مطالبته بإلغاء اتحاد الإعلام.

تحقيق دروكر يبدو انه لن يختفي سريعًا من العناوين الرئيسة، ويحتمل ان يكون شومرون أحد ضحاياه، ومن غير المستبعد أن تشكل لجنة تحقيق برلمانية أو أن يقوم المستشار القانوني بفحص الأبعاد القانونية للصفقة. مع ذلك فإن هذا التحقيق - بالإضافة للتحقيقات الأخرى - تترك نتنياهو جريحًا ومستنزفًا، وتُآكل من رصيده تدريجيًا، وتكوى وعي المجتمع الإسرائيلي أن ثمة شيء فاسد لدى نتنياهو.