رغم وعود انقرة وتعهداتها : حماس وجناحها العسكري تنشط في تركيا كالعادة

الإثنين 07 نوفمبر 2016 12:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
رغم وعود انقرة وتعهداتها : حماس وجناحها العسكري تنشط في تركيا كالعادة



القدس المحتلة / جروزاليم بوست العبرية /

في منتصف تشرين الثاني، وبعد عدة تأجيلات، تنعقد لجنة التعيينات في وزارة الخارجية لاختيار السفير الاسرائيلي الجديد في تركيا، من بين المرشحين الاساسيين للوظيفة الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ايمانويل نحشون والذي خدم سابقا في تركيا كقائم بالاعمال، اضافة الى عميرة اورون السفيرة في اليونان وايريت بن ابا والمستشار السياسي للسفارة الاسرائيلية في لندن ايتان نافيه.  لن يصدم احد حينما يعين نتنياهو الذي يمسك بحقيبة الخارجية، شخصا مقربا منه كسفير، وذلك بسبب اهمية الموقع في العلاقة مع تركيا.

و في حال اعلنت اسرائيل عن تعيين السفير وارساله الى انقرة، فان تركيا ستقوم بنفس الفعل. وقالت وسائل الاعلام التركية ان المرشح الرئيس للسفارة التركية في تل أبيب هو كامل اوكام،  وهو دبلوماسي يتمتع بثقة اردوغان ومن مستشاريه المهمين.

قرار تجديد العلاقات مع تركيا الى مستوى تبادل السفراء تم اتخاذه قبل اكثر من  اربعة شهور كجزء من صفقة المصالحة الموقعة بين الدولتين، حيث استدعت الدولتان سفيريهما اثر حادث سفينة مرمرة عام 2010

 وخلال ماراثون المفاوضات في الربيع الماضي بين الطرفين بدا ان الوقت يمر بالنسبة للدولتين وان كلتا الدولتين مهتمة في انهاء الفترة الكئيبة في علاقتهما وفتح صفحة جديدة فيها. الان يبدو ان القضية لم تعد ملحة للطرفين وانهما يفضلان ان تسير الامور ببطء.

تماما مثل العلاقات مع مصر والتي باتت تصنف  كـ "سلام بارد" فان الانطباع الظاهر هو ان ما يجري هو " مصالحة باردة". وتقريبا فان كل جملة في اتفاق المصالحة تظهر كإشكالية. لقد حولت اسرائيل حوالي 21 مليون دولار الى الحكومة التركية ، ويفترض من انقرة ان تنشيء صندوقا خاصا لتوزيع الاموال كما تراه ملائما على العائلات التركية الثكلى العشرة وعلى الجرحى ايضا.

من ناحيتها وافقت تركيا على سن قانون في البرلمان يمنع من تقديم دعاوي قضائية  ضد ضباط كبار في الجيش الاسرائيلي شاركوا في تخطيط وتنفيذ الهجوم على السفينة. في السنوات الاخيرة قدمت مثل هذه الدعاوي في المحاكم التركية من قبل العائلات التي فقدت ابناءها ومن قبل الجمعية الخيرية التي انشأت ونظمت الحملة، والتي حسب تقارير المخابرات الاسرائيلية والامريكية شاركت سابقا في تمويل  وتقديم الدعم لمنظمات ارهابية مثل القاعدة وحماس.
تضمنت الدعاوي القضائية طلبات باعتقال رئيس الاركان الاسرائيلي السابق غابي اشكنازي، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يدلين وقائد القوة البحرية اليعازار ماروم.

وعلى الرغم من ان البرلمان التركي صادق على القانون، لكن في الاسابيع الاخيرة  بدا ان الامور تعقدت، فقد اعلنت الجمعية وبعض عائلات قتلى السفينة انها غير معنية باموال اسرائيل "القذرة"، بل بتحقيق العدل. لقد التمسوا للمحكمة ضد القانون، وسوف يتم الاستماع الى مرافعتهم الشهر القادم.

ما يزعج اسرائيل في الحقيقة هو الجملة التي وافقت تركيا عليها بابعاد نشطاء الجهاز العسكري لحماس (القسام) من اراضيها واغلاق مكاتبها هناك. وللتفريق فان الاتفاقية سمحت لاعضاء حكومة حماس وجناحها السياسي للنشاط من تركيا.

اردوغان الذي يطمح ان يكون سلطان القرن الحادي والعشرين وقيادة الاسلام السني المعتدل، لم يهدأ، حتى بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضده في تموز، انه لا زال يرى نفسه كعراب للاخوان المسلمين، والتي تعتبر حماس الفرع الفلسطيني منها. هذا هو السبب في توتر علاقاته مع مصر وحكومة السيسي.

في المفاوضات التي ادت لاتفاقية المصالحة، اصر ممثلو اسرائيل على ابعاد الجناح العسكري لحماس من تركيا، كان هذا شرطا اصرت عليه مؤسسة اسرائيل الامنية (الشاباك والجيش والموساد) بعناد. رفضت تركيا الطلب بشكل صريح، في البداية قالت تركيا انها لا توافق على التمييز الذي قدمه الاسرائيليون بين الجناحين السياسي والعسكري. في رأي تركيا، حماس هي احدى القوى التي تناضل ضد الاحتلال الاسرائيلي وهذا مبرر وانها لا ترى حماس منظمة ارهابية. بعدها لان موقف الاتراك، ووافقوا على ابعاد صالح العاروري، قائد بعثة كتائب القسام  الى تركيا.

العاروري الذي نشأ في منطقة رام الله، كان احد القادة الكبار في الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية، اعتقلته اسرائيل وحكم مؤبدين لنشاطه العسكري، ابعد الى الاردن التي رفضت استقباله، ومن هناك سافر الى سوريا. ومع بداية الحرب في سوريا واغلاق مكاتب حماس في دمشق سافر الى تركيا، وهناك اسس مقرا له يدير من خلاله عملية تنظيم المقاتلين في الاردن وفي الضفة الغربية، اضافة الى تزويدهم بالمال والسلاح. كما ان العاروري اصدر اوامر لمنفذين في الضفة الغربية لاختطاف اسرائيليين. في احدى العمليات التي اشرف عليها اختطف ثلاثة من طلاب مدرسة دينية "يشيفاه" وقتلوا في غوش عتصيون في حزيران عام 2014.

لكن العاروري استمر في نسج مخططات ضد المستوطنين والجيش في الضفة الغربية وداخل الخط الاخضر، وحسب الشين بيت ضد السلطة الفلسطينية لاجل اسقاطها. اكتشف الشين بيت شبكة العاروري قبل سنة  واعتقل معظم اعضائها وصادر سلاحهم ومتفجراتهم.

وسافر العاروري من تركيا  الى قطر التي تعتبر قاعدة لحماس رغم بعدها. ومنذ غادر دمشق استضافت قطر رئيس مكتب حماس السياسي خالد مشعل.

المأوى الذي منحته قطر لحماس وعلاقتها بها لم تمنع اسرائيل من اقامة نوع من العلاقات على مختلف المستويات مع الدولة الخليجية. قطر هي الممول الرئيسي لاعادة اعمار غزة، التي تظهر كاهتمام اسرائيلي واضح كما صرح افيغدور ليبرمان. ويأمل الاسرائيليون من خلال تأثير واتصالات قطر بحماس ان تساعد في عملية تبادل الاسرى واعادة جثتي الجنديين هدار غولدن واورون شاؤول الى اسرائيل اضافة الى ثلاثة مواطنين اسرائيليين دخلوا بالخطأ الى غزة. في هذه المرحلة وبسبب الفجوة الكبيرة في المواقف لدى الطرفين لا تلوح اي اتفاقية للتبادل في الافق.

تأمل اسرائيل ان تساعد تركيا في التوسط في مسألة التبادل ايضا، برغم انها حتى الان بالكاد مشاركة في هذه القضية، رغم رجاء قادة اسرائيليين بما فيهم ممثل نتنياهو  في مفاوضات الاسرى والمفقودين ليور لوتان من تركيا استخدام تأثيرهم على حماس.

قدمت تركيا مساعدات انسانية محدودة لاهالي غزة، رغم كل تصريحات اردوغان النارية، والذي اعتاد على اتهام اسرائيل بارتكاب جرائم حرب قبل اتفاقية المصالحة. كانت المساعدات المباشرة التي قدمتها تركيا لغزة لا تعدو بضعة آلاف من اطنان الدواء والغذاء  والالعاب حملت على سفينتين وافرغت حمولتهما في ميناء اسدود ومنها عبر الشاحنات الى قطاع غزة، ان قيمة مساعدات تركيا الانسانية لغزة تساوي نصف قيمة البضائع التي تنقلها اسرائيل الى غزة كل يوم.

حتى قبل توقيع صفقة المصالحة قدر اليكس فيشمان ان تركيا لا تنوي طرد قادة حماس العسكريين من اراضيها،وهذا حسب معلومات امنية رسمية، ان المقر الذي اسسه العاروري في تركيا ما زال ينشط كالعادة، ويف على رأسهقائد واحد يستمر في تلقي الاوامر من العاروري المقيم في قطر. مسؤولون في جناح حماس العسكري مستمرون في السفر داخل وخارج تركيا كما السابق ويخططون لهجمات ارهابية ضد اسرائيل.
لقد قدمت اسرائيل شكاوي عدة مرات وفي مناسبات عديدة بأن هذه الفقرة من الاتفاقية غير مطبقة ، لكن حكومة اردوغان التي لا زالت مشغولة بارتدادات الانقلاب  ومطاردة اعداء حقيقيين ومتخيلين وتضايق الاعلام وتضر وتكبت الديمقراطية التركية ، لا زالت تتجاهل كل هذه الشكاوى.

بالرغم من الغضب في اسرائيل، خاصة في المؤسسة الامنية والمخابراتية، لا تنوي الحكومة الغاء الاتفاقية، ولهذا فان اسرائيل تقبل عمليا الانتهاكات التركية للاتفاقية، حتى ليبرمان الذي عارض الاتفاقية منذ بداية المفاوضات وقبل ان يصبح وزيرا للجيش، وكان من القلائل الذين لم يخدعوا انفسهم بالتفكير بان تركيا ستلتزم بواجباتها في الاتفاقية ، يعرف انه لا يمكن فعل الكثير في هذه النقطة. ان مساحة المناورة الاسرائيلية هنا محدودة . انها تستطيع فقط ان تعلم تركيا انها تنتهك الاتفاقية، او انها تقبل الوضع القائم وتنتظر فرص المستقبل، حين يمكن اقناع حكومة اردوغان باغلاق مكتب حماس. 

لاسرائيل مصلحة في تطبيع العلاقات مع تركيا، وتأمل بشكل خاص ان توقع مع انقرة صفقة لبيع الغاز من حقل ليفيتان. لقد زار وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتينتز (ليكود) تركيا مؤخرا، والتقى نظيره التركي وهو صهر اردوغان.

كما تأمل اسرائيل برغم المصالحة الباردة ان ترمم الروابط الامنية والاستخبارية بين الدولتين. ان فرص حدوث مثل هذا الامر قليلة، لكن وسط هذا الاضطراب في الشرق الاوسط لا يمكن التنبؤ. ربما تحين فرصة يمكن ان تدفع تركيا للاصلاح.
هذا يمكن ان يحدث اذا وجدت تركيا نفسها في حالة صراع جديدة وقوية مع ايران، بسبب تدخل جيشها في العراق، وخاصة في معركة الموصل. هناك توتر سابق بين انقرة وطهران، وقد طلبت الحكومة العراقية من الجيش التركي الخروج من اراضيها، وهي حركة يبدو ان اردوغان يبغض ان يسمع بها.

تحت شعار محاربة داعش، غزا الجيش التركي الاراضي العراقية من اجل منع انشاء دولة كردية مستقلة في شمال العراق، ولقطع الممر الذي تسعى ايران لانشائه من اراضيها الى سوريا ولبنان عبر العراق. فاذا تم انشاء هذا الممر فسيكون اسمه هذه المرة الاوتوستراد الشيعي.

وفي ظل هذه التطورات اذا تقاربت اسرائيل وتركيا في المستقبل  يمكن الافتراض كما السابق، ان من سيقود المفاوضات معها هو رئيس الموساد يوسي كوهين، والذي كان شريكا في مفاوضات المصالحة كرئيس لمجلس الامن القومي . لقد نشر اسابقا عن ان رؤساء الموساد السابقين من مائير داغان الىتامير باردو الى سابقيهم من ايام اسرائيل هارئيل في الخمسينات قد التقوا مع قادة المخابرات التركية ، ولذا فان لقاء كوهين مع هاكان فيدان رئيس المخابرات التركية هو لقاء محتمل. وربما يقنع كوهين فيدان باغلاق مقر حماس في تركيا، ويستخدم تأثيره لتنفيذ تبادل الاسرى.

عن الجروزاليم بوست ..ترجمة " وطن للانباء"